لا يجد الضعيف وسيلة لحفظ ماء الوجه إلا التشكيك فى الطرف الأقوى، وينطبق هذا الوضع تماما على حزب "نداء مصر" وقائمته التى خسرت معركتها الانتخابية بالمرحلة الأولى من سباق مجلس النواب أمام "القائمة الوطنية من أجل مصر" التى تضم كوكبة من الأحزاب والسياسيين والبرلمانيين السابقين والحاليين، فلم يجد القائمون على "نداء مصر" إلا التشكيك فى مسار العملية الانتخابية ونزاهتها، فى محاولة تبدو ساذجة نوعا ما للتغطية على الفشل.
طارق زيدان، رئيس حزب نداء مصر، لم يجد مخرجا من الفشل الذريع فى المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب إلا التشكيك فى نزاهة العملية السياسية برمّتها، والترويج لأقاويل تشبه ما تروجه بعض الأطراف المعادية، وتخدم أجندات سياسية غير بريئة، ومنحازة ضد الدولة المصرية ومؤسساتها، إذ ملأ الدنيا ضجيجا بالحديث عن المال السياسى، ضاربا عرض الحائط بشهادات أعضاء البعثة الدولية المشتركة لمتابعة الانتخابات، التى ضمت 7 منظمات دولية من أوروبا وأفريقيا، وأصدرت تقريرا واضحا يجزم بنزاهة الانتخابات، وحياد المؤسسات الرسمية، وعدم رصد أية مخالفات قد تؤثر على النتائج.
هنا يجب توجيه بعض الأسئلة المنطقية لـ"زيدان"، أولها عن حجم حزب نداء مصر فى الحياة السياسة المصرية أو الشارع المصرى، وتاريخه نسبة إلى تاريخ الأحزاب المشاركة فى القائمة الوطنية، وعددها 12 حزبا ممثلا بشكل مباشر ونحو 26 آخرين من خلال تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين التى تضم أكبر الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية وأكثرها فاعلية.
قائمة "نداء مصر" التى شكلها طارق زيدان حصدت نحو 35% من أصوات ناخبى المرحلة الأولى للانتخابات، وربما يرى بعض المحليين والمهتمين بالساحة السياسية، أو يرى "طارق" نفسه، أن تلك النسبة غير منطقة إذا قُورنت بحجم الحزب وقائمته فى الشارع، وبالتأكيد فإن تلك النسبة تفوق حجم طارق وقائمته التى لا تضم سوى حزب وليد تأسس عقب أحداث يناير 2011، وسُجّلت عليه ملاحظات عديدة من سياسيين وشخصيات عامة خلال الفترة بين 2011 وثورة 30 يونيو، فى مقابل أحزاب ذات رصيد سياسى وجماهيرى تاريخى، فضلا عن أفكارها الواضحة وانحيازاتها الوطنية التى لا تحتمل الشك أو التأويل.
ليس ذلك فحسب، وإنما كانت قائمة "نداء مصر" محدودة الحجم والقوة والظهير السياسى تتنافس فى سباق محتدم مع قائمة بدت قوتها واضحة منذ اللحظة الأولى، مع نجاح القائمين عليها فى إقناع 12 حزبا مؤثرا على الساحة السياسية فى الانخراط ضمن تحالف انتخابى على أرضية وطنية، فضلا عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين التى أفرزت عديدا من الكوادر اللامعة خلال الفترة الماضية، ونجح شبابها فى تصدر واجهة العمل السياسى والتنفيذى من خلال تعيين كثيرين منهم نوابا للوزراء والمحافظين، فضلا عما تضمه القائمة الوطنية من أسماء لها باع طويل فى العمل السياسى والبرلمانى، ونواب حاليين وسابقين، ووجوه لديها حضور اجتماعى وشعبية مترسخة على امتداد محافظات القائمة، ولكل هذا فإن حصول قائمة "نداء مصر" على 35% من أصوات الناخبين بالمرحلة الأولى قد يُمثّل مفاجأة تحتاج للدراسة، لكنها فى المعنى المباشر والعميق تحمل تأكيدا جازما لنزاهة الانتخابات، وحياد الدولة أمام كل المتنافسين، واحترام الإرادة الشعبية وما تُسفر عنه الصناديق المحمية بالقضاء والهيئة الوطنية للانتخابات وشيوخها الأجلاء.
بعيدًا من معادلة الصراع السياسى والانتخابى التى قد تقبل الأخذ والرد، فإن مواقف السياسى الشاب طارق زيدان رغم ما يُمكن أن يحمله الأرشيف من مواقف ومشاهدات وملاحظات تحتاج للتفسير، وأنه لم يُقدم هذا التفسير طوال سنوات، فإن موقفه الآن يبدو كما لو كان انحيازا شخصيا أكثر منه سياسيا، واستغلالا للحزب والقائمة نفسها فى تلميع اسمه، كما جرت عادته على ذلك. طارق زيدان لم يجد سلاحا للتشكيك فى الانتخابات أقوى من توجيه الاتهامات باستخدام المال السياسى والرشاوى الانتخابية وشراء الأصوات، تلك الاتهامات التى فنّدها أعضاء البعثة الدولية المشتركة لمتابعة الانتخابات بمشاركة 7 منظمات أوروبية وأفريقية، إذ أكدت البعثة وأعضاؤها أن كل ما تم تداوله فى هذا الشأن "اتهامات مُتبادلة بين حملات المرشحين" إلا أنهم لم يرصدوا أية وقائع مؤثرة فى هذا الصدد كما أنه لم يلتفت إلى تراجع كل من روج لاستخدام المال السياسى خلال المرحلة الأولى بعد ظهور الحقائق كاملة.
لم يلتفت طارق زيدان، رئيس حزب نداء مصر، إلى أثر تلك الاتهامات على الدولة المصرية وجهودها فى تعزيز مسار الديمقراطية، وإذا افترضنا حسن النية؛ فربما يكون "زيدان" قد أغفل أن توجيه تلك الاتهامات من حزب ضعيف سياسيا وشعبيا، ولا يتمتع بأرضية ملموسة فى الشارع، يوفر سلاحا أسود لأعداء الدولة فى وقت تحتدم فيها محاولات الهجوم والاستهداف، كما يخدم أجندات سياسية وأغراضا خارجية ربما لا تريد الخير لهذا الوطن.
لماذا يقف "زيدان" على شبهات واختلاقات يصنعها خياله، أو رغباته ومصالحه الشخصية، بدلا من العمل على تدارك أسباب الفشل! ربما يكون من الأفضل لـ"زيدان" وحزبه تقييم الأمور جيدا، وأن يضعوا أيديهم على مواطن الخلل داخل المؤسسة الحزبية، والثغرات والارتباك الذى شهدته القائمة، سواء فى تحالفاتها أو ضعف برنامجها أو عدم إخلاص أعضائها أو ما تردد عنها وعن "طارق" نفسه من سلبيات خلال مرحلة الاختيار والتشكيل، والعمل على سدّ كل تلك الثقوب، وإعادة النظر فى الأهداف والغايات وشكل التواجد فى الشارع، وفى القرى والأقاليم والنجوع، وعلى "طارق" أن يكون أكثر إخلاصا للفكرة والقيمة من إخلاصه لنفسه واسمه ومصالحه، وأن يتعلم من تجربة الفشل كى لا يكررها، وأن يضع خطة متكاملة للنهوض بحزبه سعيا إلى الأفضل لاحقا، واستعدادا للمشاركة فى الاستحقاقات المقبلة.
على طارق زيدان أيضا أن يعى حجم حزبه جيدا، وأن يعرف وزنه السياسى، كما يجب عليه إعادة النظر فى اتباع سياسة التشكيك وتوجيه الاتهامات التى لا تخدم إلا أعداء الوطن فى الخارج، وتضعه هو شخصيا فى موضع من يبحث عن فرصة للظهور فى أية منصة من أجل الظهور فقط، أو لغرض فى نفس يعقوب لا يعلمه إلا "طارق"، وإن كان كثيرون يتحدثون عن رائحة الأمر، وعليه أيضا أن ينظر إلى مصير من شككوا فى الدولة المصرية من قبل دون وجه حق، وما هو مصيرهم الآن؟ وأين وضعهم الشارع الذى أصبح يعى جيدا ويراقب عن كثب حالة الحراك السياسى؟!
فى التقييم الموضوعى، خاضت "نداء مصر" تجربة سياسية وانتخابية جيدة، رغم ما شاب تشكيلها من مشكلات كان سببها الرؤوس المدبرة والقائمون عليها، وإذا كان من مشكلة حقيقية عانتها القائمة، وسيعانيها الحزب نفسه مستقبلا، فربما تكون "طارق زيدان".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة