دائرة مغلقة من الضغوط تدور داخلها طوال الوقت، فالجميع أصبح يعيش حياة باهتة وسريعة، مشاكل وأزمات فى الصباح، وتوتر في المساء، أيام تجرى وراء بعضها وتدوس تحت عجلاتها كافة التفاصيل الصغيرة التى تخفف من متاعب الحياة وضغوطها.
إذا كنت وصلت إلى هذه الحالة فيجب أن تتوقف لحظة، واتخذ قرارك بحزم حقائبك، لتقوم برحلة تعيدك إلى نفسك، وتستعيد خلالها راحة البال والهدوء والسكينة التى من المحال أن تجدها فى مدينتك، رحلة تسافر فيها عبر الزمن تاركا خلفك كافة مظاهر التطور والتوتر، لتعود إلى عصور لن تجدها إلا فى كتب التاريخ، وتستمتع بطبيعة لازالت "بكرا" لم تلوثها أيدى البشر.
إنها واحة "سيوة" تلك اللؤلؤة المدفونة فى غمار البحر الأعظم فى صحراء مصر الغربية، قصدها الإسكندر الأكبر قاطعا الدروب والمدقات مواجها العواصف والرمال، ليحصل على البركة التى جعلت منه ابنا لأمون، هنا منذ ألاف السنين اكتشفت كيلوباترا ماتحويه المياه الكبريتية للواحة من فوائد، هنا يعيش أهالى سيوة حياتهم داخل حصن منيع استطاع أن يحميهم من التطور القاتل الذى اجتاح المدن.
ولن تجد وقتا مثاليا لزيارة سيوة مثل شهر أكتوبر لتنعم بأجواء روحانية يضفيها على الواحة عيد الصلح، وترجع القصة لـ160 عام حيث كانت الحروب تشتد بين سكان شرق وغرب الواحة، إلى ان جاء الشيخ الصوفي محمد المدني والذى طلب من كل مشايخ القبائل احضار خبز من بيوتهم ويقوموا بتكسيره ثم قام بخلطه وطلب منهم كلهم ياكلوا منه، وبمجرد ما أكلوا منه قالهم إن الحرب انتهت والخلافات زالت، ومن وقتها يحتفل أهالى سيوة لمدة ثلاثة ليالى قمرية خلال شهر اكتوبر او بداية نوفمبر على انغام التواشبح الصوفية بعيد الصلح.
ولكن قبل أن تبدأ رحلتك لسيوة هناك ثلاث أسئلة يجب أن تجيب عنها لتخوض مغامرة لن تعيش مثيل لها فى حياتك، وهى ماذا ستحتاج فى حقيبتك، وأين ستسكن فى سيوة، وكيف ستقضى أيامك منذ وصولك وحتى مغادرتك، فالرحلة إلى سيوة قد تكلفك للثلاث ليالى من 2000 وحتى 3000 جنيه كحد أقصى.
والسكن فى سيوة له أنواع يمكنك ان تختار المناسب لك، فهناك فنادق بيئية، مبنية من مزيج الملح والطين، على الطريقة السيوية وهى معروف عنها أنها تمتص الطاقة السلبية من المكان، وفى تلك الفنادق الإضاءة على الشموع حيث لا يوجد استخدام للكهرباء فى المكان.
وهناك فنادق عادية يمكن ان تختار من بينها، أو تختار أن تعيش وسط أهل الواحة في بيت سيوي، فهناك بعض الاهالى يؤجرون بيوتهم للزوار، كذلك ستجد إقامة تناسب مستواك المادى، فالإقامة لليلة تبدأ من 300 جنية وتبلغ 1500 كحد أقصى، ومدة ثلاث ليالى قد تكلفك متوسط 1500 جنية فى مكان جيد.
الطريق قد يستغرق 9 ساعات من القاهرة ستنتقل خلالها من عالم إلى آخر، واستعد لرحلة استشفاء نفسيه، وسط الرمال قبل غروب الشمس، وجلسات المساء فى ليل الصحراء حيث تأمل النجوم فى السماء الصافية.
وفى سيوة مزرارات عديدة يمكن أن تستمتع بها، لكل منها حكاية اختلط فيها الواقع بالأساطير، يمكنك أن تسمعها من كل سيوى، أهمها منطقة الحفريات في بحر الرمال الأعظم، والتى تحوى حفريات من ملايين السنين حيث كانت المنطقة جزء من المحيط، وبها بقايا عظم حوت ضخم، وقواقع ونجوم بحر متحجرة.
ومن اهم المزارات قلعة شالى تلك المدينة القديمة بُنيت من مادة تسمى "الكرشيف" وهي أحجار ملحية من البحيرات المالحة والطمي، وشالى عبارة عن هضبة مرتفعة تعلوها قمتان واحدة فى أقصى الغرب والثانية فى الشرق وعليها بنيت العديد من المنازل الكرشيفية وقد بنيت فى القرن ال 12 الميلادى لحماية أهالى سيوة من القبائل المجاورة وظلت مسكونة إلى العام 1926، لكن السيول هدتها، ونزل أهل سيوة للعيش تحت، لكن بقايا المدينة ظلت باقية بطرازها البيئي الفريد.
أما جبل الدكرور، فهو واحد من أكبر جبال سيوة، من أعلاه ترى الواحة ومناطقها المحيطة، أما جزيرة " فنطاس " فهى من أفضل مواقع السباحة المفضلة في سيوة لدى السكان المحليين والسياح على حد سواء، وتبعد حوالى 6 كيلومتر غرب سيوه تقع الجزيرة على بحيرة بركة سيوة المالحة وتحيط بها أشجار النخيل والمناظر الطبيعية الرائعة في مشهد خلاب، فأفضل مشهد غروب يمكن أن تشاهده هناك.
معبد "آمون" بواحة سيوة، من أهم المعالم الأثرية التي شيدت خلال عصر الأسرة السادسة والعشرين في القرن السادس قبل الميلاد فوق هضبة أغورمي التي ترتفع لنحو 30 متراً من على سطح الأرض، ويمكن مشاهدة الواحة كاملة وبحيراتها المالحة ومزارع النخيل والزيتون التى تحيطها والمعالم الأثرية الأخرى والجبال من الطبقة الثانية للمعبد.
وقد توجه الإسكندر الأكبر مباشرة بعد فتحه مصر في عام 331 قبل الميلاد الى المعبد، ليتم تتويجه ابنا للإله وحاكماً لمصر، ويشهد معبد آمون ظاهرة فلكية تسمى الاعتدال الربيعي، حيث تتعامد الشمس على المعبد مرتين كل عام في الاعتدال الربيعي والخريفي، ويتساوى الليل والنهار بعد 90 يوماً من أقصر نهار في العام، وبعده بتسعين يوماً آخر يقع أطول نهار في العام.
ويعتبر "حمَّام كليوباترا" أكثر مزارات الواحة شهرة، وهو حمام من الحجر يتم ملؤه من مياه الينابيع الساخنة الطبيعية، ويقال إنّ الملكة المصرية قد سبحت فيه بنفسها أثناء زيارتها لسيوة.
ويوجد بها حوالى عشرة منابع تخرج منها الماء ، يحدها من الغرب بحيرة كبيرة تمتد على بعد حوالى 6 كم حتى منطقة جعفر ومن الشرق أعداد كثيرة من الأشجار والنخيل، ومن الشمال بحيرة كبيرة فى طريق قرية المراقى ومن الجنوب عدد كبير من الأشجار والنخيل وبعض الزراعات الأخرى حتى طريق بئر واحد وبحر الرمال العظيم.
وقبل نهاية الرحلة لاتنسى القيام برحلات السفارى والمغامرة، بالكثبان الرملية وبحر الرمال العظيم، وقضاء حفلة فى الصحراء وشرب الشاي السيوى، وتناول العشاء باحد المحيمات الصحراوية.
والهدايا التذكارية مميزة جدا فى سيوة حيث تشتهر بأباجورات الملح الصخرى والتى تشتهر بامتصاصها للطاقة السلبية من المكان فلا تنسى شراء واحدة لك ولكل من تحب، كذلك المنسوجات اليدوية تعد من أهم المنتجات فى سيوة حيث السجاد السيوى بألوانه المميزة، كذلك تشتهر سيوة بأفخر أنواع التمور والزيتون فهى هدية مميزة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة