فى الوقت الذى هيمنت فيه خطة السلام الأمريكية فى الشرق الأوسط، والتى أعلنها الرئيس دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، على الزيارة التى قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تبدو أبعادا أخرى مهمة فى رؤية الإدارة، أهمها دعم الحليف فى صراعه السياسى الداخلى، فى ظل التحديات الكبيرة التى يواجهها، وعلى رأسها اتهامات الفساد التى تلاحقه من جانب، والمنافسة الشرسة بينه وبين حزب أزرق أبيض، بقيادة غريمه بينى جانتس، والذى دفع إلى إعادة الانتخابات البرلمانية فى إسرائيل للمرة الثالثة خلال فترة زمنية أقل من عام، نظرا للتعثر الذى تشهده عملية تشكيل الحكومة فى الدولة العبرية فى الأشهر الماضية.
دعم ترامب لإسرائيل يبدو أمرا بديهيا، حيث يبقى امتدادا للنهج الأمريكى القائم منذ تأسيسها فى عام 1948، على اعتبار أنها أهم حليف لواشنطن فى منطقة الشرق الأوسط، وبالتالى تبقى مسئولية حمايتها على عاتق واشنطن، بالإضافة إلى أهمية الكتلة التصويتية المرتبطة بالدولة العبرية، والتى دائما ما يسعى لمغازلتها كافة الرؤساء الأمريكيين لضمان الوصول أو البقاء على عرش البيت الأبيض، إلا أن ثمة بعدا جديدا اعتمده الرئيس ترامب، يقوم على أساس دعم رجل بعينه للبقاء فى سدة السلطة، وهو نتنياهو باعتباره الورقة التى يمكنه من خلالها تحقيق أهدافه، ليس فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط فقط، ولكن أيضا فى الداخل الأمريكى، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة، والمقررة فى شهر نوفمبر القادم.
بين نتنياهو وجانتس.. ترامب يقوم بوساطة غير معلنة
ولعل المفارقة الجديرة بالملاحظة هى أن دعوة واشنطن للحضور إلى البيت الأبيض، لم تقتصر على رئيس الوزراء الإسرائيلى، وإنما كانت هناك دعوة مماثلة لمنافسه السياسى الشرس بينى جانتس، والهدف المعلن هو مناقشة خطة السلام فى الشرق الأوسط، إلا أن ظهور خصم نتنياهو فى المشهد، ربما يكشف عن أبعاد جديدة، ربما تقدم رسالة ظاهرية تدور حول حياد واشنطن تجاه المتنافسين الإسرائيليين، بينما تحمل فى طياتها دعما واضحا لنتنياهو، خاصة إذا ما وضعنا فى الاعتبار التركيز الإعلامى الكبير الذى أحاط بلقاء ترامب مع رئيس الوزراء، والذى كان متواجدا أثناء إلقاء الرئيس الأمريكى لخطاب الإعلان عن خطته، بينما حظى جانتس بحالة من التعتيم.
ويمثل تزامن الدعوة الأمريكية لنتنياهو ومنافسه إلى البيت الأبيض، مع الإعلان عن خطة السلام الأمريكية فى الشرق الأوسط، انعكاسا صريحا لرغبة الرئيس ترامب فى قيادة وساطة غير معلنة، يمكنه من خلالها توحيد الصف الإسرائيلى، لدعم بقاء حليفة وصديقه المقرب على رأس السلطة فى البلاد، تحت إطار حماية المصالح الإسرائيلية فى مرحلة تبقى حساسة فى تاريخها، وبالتالى الوصول إلى تخفيف حدة التوتر قبل الانتخابات المرتقبة بين الغريمين السياسيين، بالإضافة إلى تقديم رسالة للناخب الإسرائيلى مفادها أن واشنطن ستبقى داعمة للدولة العبرية ومصالحها طالما استمرت تحت قيادة نتنياهو، وهو ما يمثل خدمة أمريكية جديدة للرجل، بعدما قدم له الرئيس الأمريكى خدمات سابقة، على رأسها الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، فى ديسمبر 2017.
زيارة نتنياهو للبيت الأبيض تزامنت مع قراره بسحب طلب سبق وأن تقدم به للكنيست لمنحه الحصانة من الملاحقة القضائية، فى خطوة تعكس ارتباط جانب من الزيارة التى يقوم بها نتنياهو للولايات المتحدة، بالصراع السياسى الداخلى، ومسألة تورطه فى قضايا فساد، ربما تطيح به من مقعد السلطة إلى غياهب السجون، وهو ما يعنى أن ثمة رسائلة طمأنة تلقاها من واشنطن، دفعته إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة فى هذا التوقيت.
تكرار التجربة البريطانية.. نتنياهو وجونسون نالا مباركة ترامب
ويمثل دعم ترامب لشخوص بأعينهم، للوصول إلى سدة السلطة، امتدادا للنهج الذى تبناه منذ صعوده إلى سدة السلطة فى البيت الأبيض، وهو الأمر الذى لا يقتصر على إسرائيل وإنما امتد إلى دعمه الصريح للتيارات اليمينية فى أوروبا الغربية، كما هو الحال فى زيارات قام بها مقربون من الرئيس الأمريكى لحزب الجبهة الوطنية اليمينى فى فرنسا، والذى تتزعمه مارين لوبان، والتى تعد بمثابة أبرز خصوم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، كما أنه تبنى مواقف صريحة داعمة لرئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، باعتباره حليف قوى فى مواجهة الاتحاد الأوروبى، وهو ما بدا واضحا فى تصريحاته المتواترة التى دعمه خلالها، خاصة خلال زيارته التى قام بها إلى لندن، قبيل رحيل رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى.
ولو نظرنا للكيفية التى قدم بها ترامب الدعم لرئيس الوزراء البريطانى، نجد أن ثمة تشابه بينها وبين موقفه من الحالة الإسرائيلية، حيث استغل ترامب نفوذه لإقناع حزب "بريكست"، والذى يقوده الصديق الشخصى للرئيس الأمريكى، نايجل فاراج، بعدم منافسة حزب المحافظين، والذى يقوده جونسون، على المقاعد التى يترشحون لها، وبالتالى تقديم الدعم لهم مما ساهم بصورة كبيرة تحقيق ما اعتبره قطاع كبير من المتابعين بـ"المفاجأة" عبر حصول رئيس الوزراء ورفاقه على الأغلبية المطلقة، على عكس النتائج التى توصلت لها كافة استطلاعات الرأى، والتى دارت فى معظمها حول حصوله على أكثرية بسيطة لم تمكنه من تحقيق "بريكست" حقيقى يتطلع إليه.
وهنا يمكننا القول بأن رؤية الرئيس الأمريكى تعتمد الجانب الشخصى، والمتمثل فى العلاقة بينه وبين زعماء الدول الأخرى، والتى ربما يتحدد على أساس جزء كبير منها، طبيعة العلاقات وخريطة التحالفات الأمريكية فى المستقبل، وهو الأمر الذى يعكس حرص ترامب على دعم نتنياهو، منذ بداية حقبته، عبر زيارة الدولة العبرية فى أول جولة خارجية يقوم بها بعد شهور قليلة من وصوله إلى البيت الأبيض، مرورا بقراره المرتبط بوضع القدس، وانتهاءً بمحاولة دعمه فى صراعه السياسى مع جانتس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة