كشف تقرير حقوقى صادر عن مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان عن حرية الرأي والتعبير في تركيا، حيث أشار إلى أنقرة أصبحت من أسوأ دول العالم فى فرض القيود على الصحفيين، حيث صنفها الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) بأنها أكبر سجن للصحفيين في العالم للعام الثاني على التوالي، إذ يمثل الصحفيون المعتقلون في تركيا، نصف عدد الصحفيين المعتقلين على مستوى العالم، مضيفا أنه يقبع وراء جدران سجونها بعض أشهر الصحفيين الذين يحظون بالاحترام في تركيا.
وأرسلت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية التقرير إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قبل خضوع ملف حقوق الإنسان فى تركيا للمراجعة والتقييم للمرة الثالثة أمام آلية الاستعراض الدورى الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة فى 28 يناير 2020 .
وجاء فى التقرير أنه منذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016، يواجه أكاديميون، وصحفيون، وكتاب ينتقدون الحكومة، إحالات إلى التحقيق الجنائي، وملاحقات قضائية، وألوانًا شتى من الترهيب والمضايقة والرقابة المستمرة، كما تشمل الانتهاكات التضيق على الحريات العامة واصدار قوانين من شأنها تقييد حرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى حجب المواقع، الأمر الذى يخالف الأعراف والمواثيق الدولية، وخاصة المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مضيفا أن الدول الأعضاء فى مجلس حقوق الإنسان قدمت لتركيا 278 توصية في أخر استعراض دوري لها في يناير 2015 قبلت منهم 215 توصية، منهم 19 توصية تتعلق بالحق في حرية الرأي والتعبير، والتى طالبتها بتعديل التشريعات الجنائية من أجل إزالة العوائق التى تعترض حرية التعبير، وإلغاء تجريم التشهير وضمان أن يكون تقييد الحق في حرية التعبير، متسقاً مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومع أن هذا التوصيات جاءت في وقت كانت وسائل الإعلام في تركيا لا تتعرض فيه لمثل هذه القيود غير المسبوقة، التى أضحت واقعاً في ظل بيئة غير مواتية يتعرض فيها الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة لانتهاكات عديدة على مستوي القوانين والممارسة مما أدى إلى خنق المجال العام بما فيها حرية الرأي والتعبير التى يضمنه المواثيق والمعاهدات الدولية، والتى لا يجوز تقييده بشكل يٌفرغه من مضمونه.
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن المادة 26 من الدستور التركي تكفل حرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى التزاماتها الدولية المتعددة التى تضمن جميعها هذا الحق مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إلا أن تركيا لديها تاريخ طويل من الرقابة وتجريم التعبير، والذى يمتد إلى ما هو أبعد من وسائل الإعلام التقليدية، بل أن التقييدات وصلت في القوانين نفسها إلى التضييق على منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي خاصة بعد سن قانون الإنترنت رقم (5651).
وطالبت مؤسسة ماعت بضرورة تعديل المادتين 6، 7 من قانون مكافحة الإرهاب التركي، والمادتين 215، 216 من القانون الجنائي التركي، لاحتوائهم على مصطلحات فضفاضة لا تحمي ضد التدخل التعسفي، مؤكدة أن غالبية أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بتركيا هي عبارة عن أشخاصاً أدينوا لنشر دعاية نيابة عن منظمة إرهابية (بموجب المادتين 6 و7 من قانون مكافحة الإرهاب)؛ نشر محتوى أو كتب أو نشر رسائل عامة تحرض على تمجيد الجريمة أو المجرمين (المادة 312 من القانون الجنائي السابق والمادتان 215 و216 من القانون الجنائي الحالي).
أما في الجانب القضائي الدولي، أعدت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان احصائية تبيَّن فيها مدى الانتهاكات التركية لحقوق الإنسان عامةً، ولحق حرية الرأي والتعبير على وجه الخصوص، أوضحت أنه منذ أن أُنشئت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، نظرت 66251 دعوى لانتهاكات حقوق الإنسان، وأن تركيا تحتل المرتبة الأولى في عدد الدعاوى المنظورة لدولة واحدة بنسبة 16% من جميع الدعاوى ضد الدول الأعضاء، حيث أن هذه النسبة تُمثل 10638 دعوى ضد تركيا، وجدت فيها المحكمة الأوروبية انتهاكاً من قِبل الدولة في 7255 قضية بنسبة 68%. أما فيما يخص ادعاءات حق حرية الرأي والتعبير، فتحتل تركيا المرتبة الأولى أيضاً في المحكمة الأوروبية بواقع 1300 دعوى، وجدت فيها المحكمة انتهاكاً للمادة 10 (الخاصة بحرية الرأي والتعبير) في 1072 دعوى منها، بنسبة 82%.
وأوضح التقرير أن تركيا لم تمتثل لالتزاماتها الدولية في حماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وأنه منذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016 وهي تقود حملة شرسة ضد أصحاب الرأي من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان فضلا عن وسائل الإعلام وتلاحقهم بتهم مُعداً سلفاً غالباً ما تتعلق بالانضمام لجماعة فتح الله جولن، بموجب حالة الطوارئ التي فرضتها تركيا في 20 يوليو 2016 لمدة ثلاثة أشهر، وكذا جددت الثلاثة أشهر 7 مرات متتالية، قبل أن تُلغي في 19 يوليو 2018، بيد أن إلغاء حالة الطوارئ لما يترتب عليه تحسن واضح فيما يخص حرية الرأي والتعبير بل تنامت قدرة الدولة علي تقييد هذا الحق بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي أقره البرلمان التركي في 25 يوليو 2018، ليتسع نطاق الانتهاكات ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام في تركيا، ومنذ ذلك الحين ووصولا لنهاية عام 2019 تم التحقيق مع 559،064 شخصاً ، منهم 261،700 شخصاً في جرائم مُتعلقة بالإرهاب ونشر دعاية لجماعة فتح الله جولن ، وخلصت هذه التحقيقات للإبقاء علي 91،287 شخصًا قيد الاحتجاز، بشكل جعل تركياً تُصنف علي أنها واحدة من أكبر السجون في العالم. هذا بالإضافة إلى حجب المواقع الإلكترونية، وإغلاق شبكات الاتصالات، وإغلاق منظمات المجتمع المدني ومنافذ الأخبار، والتضييق على جميع وسائل التواصل الاجتماعي ومراقبتها.
ولفت التقرير إلى أن تركيا تحتل المركز الأول فيما يتعلق بسجن الصحفيين على مستوي العالم وتراوحت الأرقام ما بين 101 و134 صحفي مُعتقلين في السجون التركية، مما جعلها تحتل مرتبة متأخرة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة على مستوي العالم، والمرتبة 102 في مؤشر حرية الإنسان الصادر عن معهد كاتو الأمريكي، متابعا :" طالت الممارسات القمعية التى تمارسها السلطات التركية عدد من الكتاب والأكاديميين والأصوات الناقدة والمعارضة، حيث شملت القائمة 80 كاتب، و19 أكاديمي خضعوا للتحقيقات والملاحقات القضائية من بين هؤلاء الكُتّاب أحمد التان، أحمد شيك، أسلي إردوغان، قادري غورسل، مورات بيلج، نشمي ألباي، أوزغور مومكواند، حميد ييشيف . والجدير بالذكر أنهم تم ملاحقتهم على أعمال منشورة في تركيا وبلدان أخرى، وفي ظل حالة الطوارئ، أُغلقت 200 من وسائل الإعلام ومنظمات النشر، بما في ذلك وكالات الأنباء والصحف والدوريات والراديو والتلفزيون وشركات التوزيع وتم إلغاء 25 قرار فقط من قرارات الإغلاق في وقتٍ لاحق، حيث أنه اعتباراً من 31 ديسمبر 2017، هناك 175 منظمة نشر ما زالت مغلقة.
وأشار التقرير إلى أن تركيا شهدت حالة غير مسبوقة من إغلاق وحجب المواقع الإليكترونية تحت ذريعة التحكم في المحتوي الإعلامي وتنظيمه، وأصدرت في 1 أغسطس 2019 لائحة البث الإذاعي والتلفزيوني على الإنترنت، والتي كان قد وافق عليها البرلمان في مارس 2018 والتى تعطي هيئة الرقابة على الإذاعة والتلفزيون وهي الجهة التي أصدرت اللائحة التحكم الكامل في استصدار تراخيص للمواقع الإليكترونية، كما تعُطي لها الحق في إغلاق أو حجب هذه المواقع أينما تراي لها ذلك. ويفرض القانون، الذي نشر في الجريدة الرسمية التركية، على جميع مقدمي خدمات المحتوى عبر الإنترنت الحصول على تراخيص البث من هيئة الرقابة على الإذاعة والتلفزيون، والتى ستقوم بعد ذلك بالإشراف على المحتوى المقدم من هذه المواقع.
ونوه التقرير إلى أن شبكة الإنترنت في تركيا تخضع للقانون رقم (5651) لعام 2007 وتعديلاته، ويعطي القانون الحق للجهات المختصة في تركيا الوصول إلى بيانات المُستخدمين دونما أي تفويض بجانب إعطاء الحق في حجب المحتوي دون استصدار قرار قضائي. وهو ما يمثل انتهاكاً صارخا لخصوصية المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، بجانب انتهاك مبدأ حرية الرأي والتعبير في الفضاء الإليكتروني.
وفيما فيما يخص مواقع التواصل الاجتماعي، أوضح التقرير أن الوضع أكثر كارثية، حيث أنه تم تعطيل الوصول إلى Twitter وFacebook وYouTube مرارًا وتكرارًا في أعقاب الهجمات الإرهابية، في حين أنه تم حظر ويكيبيديا بشكل دائم بسبب مقالات حول تورط تركيا في الحرب السورية وأنه في 19 ديسمبر 2016، تم حظر Facebook و Twitter و YouTube و WhatsApp لأكثر من 10 ساعات بعد اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف ولاحقًا، أمر قاضي تركي بحظر أكثر من 100 عنوان URL متعلق بالاغتيال، بما في ذلك موقع مؤسسة الإذاعة الهولندية (NOS). .
و أضاف التقرير أنه في 29 إبريل 2017 قامت الحكومة التركية بحظر موقع "ويكيبديا " العالمي، فيما أوضحت هيئة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الحكومية التركية، أن الحظر يعزو إلى قرار إداري ذات صلة باعتبارات أمنية مرتبطة بشكل رئيس بقانون تنظيم الانترنت ومكافحة الجرائم رقم 5651 ، فيما أعلنت مؤخراً المحكمة الدستورية في تركيا إلغاء قرار حظر ويكيبديا وذلك في 26 ديسمبر 2019 ما يؤكد أن القرار كان تقييداً لحرية تداول المعلومات في تركيا منذ البداية قرار المحكمة الدستورية جاء بعد موافقة 6 قضاة من بين 10، واستندت المحكمة الدستورية التركية، في قرارها إلي المادة 26 من الدستور التركي ، مشيرة إلي أن الحظر المفروض على الوصول إلى ويكيبيديا "ينتهك الحق في حرية التعبير المكفولة.
واستطرد التقرير أن حرية التعبير في تركيا تتعرض إلى هجوم مستمر ومتزايد، وخاصة منذ قرار الحكومة بالاستيلاء على مجموعتي "إيباك" و"فضاء" الإعلاميتين اللتين كانتا تضمّان عشرات القنوات التلفزيونية والصحف اليومية والمجلات الأسبوعية في الأول من مارس 2016؛ وعقب محاولة الانقلاب في يوليو 2016، استحوذت السلطات التركية على أكثر من 95 % من وسائل الإعلام والمنصات الإعلامية، حيث أفضت ذلك القيود الأمنية التي فرضتها تركيا على حرية الإعلام إلى إغلاق ما يقترب من 180 منفذاً إعلامياً، من بينها 16 قناة تلفزيونية و3 وكالات أخباريه و33 إذاعة و45 صحيفة في مقدمتها صحيفة "زمان" المحسوبة على حركة "الخدمة" التي يتهمها أردوغان بمحاولة الانقلاب والتابعة لرجل الدين فتح الله جولن، ونحو 15 مجلة أسبوعية إضافة إلى 29 دار نشر وتوزيع ،الأمر الذي جعل أكثر من 2500 صحفي عاطلين عن العمل ناهيك عن الموظفين الأخرين والإداريين في هذه المنصات الإعلامية. كما علقت السلطات التركية بث عشرات قنوات فضائية موالية للأكراد التي تبُث على القمر الصناعي "تركسات" وأنه تم التنكيل بأكثر من 300 صحفياً مازال الأكثرية منهم رهن الاحتجاز إلى الآن، كما انُهيت بطاقة الصحفي لأكثر من 787 صحفياً، فيما توقف عن العمل 100000موقع إليكتروني في تركيا، فيما فصل 170 بتهم تتعلق بالإرهاب وبدعوي علاقاتهم بحركة الخدمة لفتح الله جولن.
وفى السياق ذاته، طالبت ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان بمراجعة كافة التشريعات التي صدرت بعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016 بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب لعام 2018 وكل الأثار المترتبة على تطبيق مواد هذا القانون من إغلاق للصحف المُستقلة واعتقال الصحفيين وتجريم الآراء المعارضة أو في أسوء الأحوال توفيق هذا القانون مع المواثيق والعهود الدولية التى تلتزم بها تركيا خاصة بإعادة تعريف مصطلح الإرهاب الفضفاض في المادة (1) من القانون وإطلاق سراح جميع الصحفيين والنشطاء المحتجزين تعسفياً، وتوقف الحكومة التركية فوراً عن المضايقات للصحفيين والنشطاء وتعديل القوانين الخاصة بمراقبة الانترنت، والتوقف عن الممارسات السلبية من قِبل الحكومة التركية لتشويه المعارضين، وإعطاء مساحة للمواطنين الأتراك للتعبير عن آراءهم على منصات التواصل الاجتماعي والتوقف عن محاسبة النشطاء عن محتوى لم يخلقوه، وتعديل القوانين الخاصة بمحاسبة مزودي الإنترنت وخدمات البحث، وإلغاء لائحة البث الإذاعي والتلفزيوني والتى تعطي هيئة الإذاعة والتلفزيون في تركيا حق إصدار التراخيص للمواقع الإليكترونية بشكل يجعل هذه المنصات بين شقي الرحي أما أن تقبل بشروط هيئة الرقابة على الإذاعة والتلفزيون وتبُث محتوي غير ناقد للحكومة التركية، وأما أن تتبع سياسات مستقلة فتتعرض للإغلاق وامتثال تركيا لأحكام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان المنبثقة عن الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، والتى انضمت إليها تركيا باعتبارها واحدة من الأعضاء السبع وأربعين في مجلس أوروبا وإلغاء المادة رقم 299 من قانون العقوبات التركي والخاص بالتشهير بالمسؤولين الحكوميين والأمة التركية أو تعديلها بالشكل الذى لا يجعلها فضفاضة إلى الدرجة التى تستخدم فيها لقمع كل الأصوات المعارضة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة