أطلقت شبكة "نتفليكس" مؤخرا مسلسلا جديدا بعنوان "الجاسوس" تدور أحداثه حول الجاسوس الإسرائيلى إيلى كوهين، بعنوان "The Spy"، ويحكى المسلسل على مدار 6 حلقات حكاية الجاسوس الذى زرعته فى سوريا فى فترة الستينيات باسم "كامل أمين ثابت" واستطاع أن يخدع سوريا حتى تم كشفه قامت السلطات باعدامه عام 1965.
لكن بعيدا عن المسلسل من هو إيلى كوهين؟
تحول "إيلى كوهين" إلى قصة درامية، تعتبره إسرائيل بطلا يستحق التكريم ويراه العرب "جاسوسا" يستحق الإعدام، وقد تناولت الكتب سيرته وعمليته التجسسية، ومن ذلك كتاب "عندما يغيب القمر عن برلين" لـ رولا عبيد، والصادر عن دار بدائل للنشر.
يقول الكتاب: كان إلياهو أو إيلى كوهين قد ولد فى الحى اليهودى فى الإسكندرية فى 16 ديسمبر 1924 بعد أن هاجر أبوه شاؤول وأمه صوفى كوهين من حلب إلى مصر. كان والده يملك فى الإسكندرية محلا لبيع رباطات العنق، وكان أبا لثمانية أطفال أنشأهم تنشئة دينية تلمودية.
درس إيلى فى مدرسة الليسيه، وكان يتحدث اللغة العبرية والفرنسية والعربية، وأظهر اهتماما بالديانة اليهودية فى سن مبكرة فألحق بمدرسة الميمونيين بالقاهرة، ثم عاد إلى الدراسات التلمودية فى الإسكندرية تحت رعاية الحاخام موشة فينتورا حاخام الإسكندرية.
لفت إيلى نظر الجمعيات اليهودية وكانت كثيرة فى ذلك الوقت قبل الثورة فى مصر وعن طريق الجمعيات الدينية اقترب إيلى من مجالات النشاط الصهيونى السياسى فى مصر، لكن لم يظهر له نشاط مؤثر. وفى ديسمبر سنة 1956، فى أعقاب حرب السويس مباشرة كان على إيلى كوهين أن يغادر مصر نهائيا، وختم جواز سفره بتأشيرة بلا عودة.
وسافر إيلى كوهين بالباخرة من الإسكندرية إلى نابولى ومنها استقل باخرة ثانية إلى ميناء حيفا، وهناك التقطته المخابرات الإسرائيلية وجندته فى البداية فى إطار الأمن الداخلى ضد التجسس العربي. وفى بداية سنة 1960 رشحه أحد كبار المسئولين فى الموساد للعمل فى الخارج. وفى تلك الفترة كان إيلى كوهين يريد العودة إلى مصر والعمل فيها لحساب الموساد على أساس أنه من مواليدها وهو أخبر بها من غيره بين زملائه فى الموساد. ولكن مدير الموساد فى ذلك الوقت كان له رأى آخر. فقد اقترح إرسال إيلى كوهين إلى سوريا بعد تأهيله لكى يذهب إليها مليونيرا من أصل عربى عائدا إلى وطنه بعد أن كون ثروة طائلة فى الأرجنتين.
تم تجهيزه وتدريبه على كيفية استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكى والكتابة بالحبر السرى. كما راح يدرس فى الوقت نفسه كل أخبار سوريا ويحفظ أسماء رجالها السياسيين والبارزين فى عالم الاقتصاد والتجارة مع دراسة القرآن وتعاليم الدين الإسلامى.
وقبل أن يصل إلى دمشق كان يعرف كل شبر من حى أبو رمانة عن طريق المواقع الافتراضية. وكان قد حدد مكان إقامته قبل أن يصل. فوجوده فى أبو رمانة، حيث تتواجد أغلب السفارات، سيمكنه من بث رسائله دون لفت الأنظار. كانت شقته تطل على وزارة الدفاع والمكتب الثانى بشكل خاص حيث تجتمع القيادات. فما أن يرى إضاءة الطابق ليلا مضاءة حتى يتنبه إلى وجود حالة طارئة من الجيش مثل الإعداد لعملية عسكرية ضد أهداف فى إسرائيل أو انقلاب عسكرى داخل البلاد.
أصبح الجاسوس الإسرائيلى ضيفا مدللا على الدوام لدى أعلى مستويات القيادة السياسية والعسكرية فى سوريا. وبدأت رسائله إلى قيادة الموساد. وكان إيلى يدعى إلى كل حفلات النخبة الحاكمة فى دمشق ونواديها، ويشترك فى كثير من المناقشات السياسية والاقتصادية.
فى عام 1965، وبعد 4 سنوات من العمل فى دمشق، تم الكشف عن كوهين، وفى 18 مايو 1965 أعدم كوهين فى ساحة المرجة وسط دمشق
ويدور حول كشف الجاسوس الإسرائيلى العديد من الروايات من الجانبين السورى والإسرائيلى، إضافة إلى الرواية المصرية، التى أكدت أن أجهزة الأمن المصرية لها دور كبير فى ذلك.. فكيف لعبت هذا الدور فى كشف هذا الجاسوس وهل كان لرأفت الهجان دور فى ذلك؟
بحسب كتاب "دماء على أبواب الموساد: اغتيالات علماء العرب" للدكتور يوسف حسن يوسف، فإن القبض على إيلى كوهين جاء بالصدفة البحتة، وحدث هذا من خلال العميل المصرى فى إسرائيل رفعت الجمال/ رأفت الهجان، والذى شاهده ذات مرة فى سهرة عائلية حضرها مسئولون فى الموساد عرفوه به، وأنه رجل أعمال إسرائيلى فى أمريكا، يغدق على إسرائيل بالتبرعات المالية، وعندما كان "الجمال" فى زيارة لطبيبة شابة صديقته من أصل مغربى اسمها ليلى، بمنزلها شاهد صورة لإيلى مع امرأة جميلة وطفلين، فسألها عنه فأجابت بأنه إيلى كوهين زوج شقيقتها ناديا، وهو باحث فى وزارة الدفاع وموفد للعمل فى بعض السفارات الإسرائيلية فى الخارج.
ظل الشك يساور "الجمال" حول ذلك الرجل إلى أن شاهد صورته فى أكتوبر 1965، حيث كان فى رحلة عمل للاتفاق على أفواج سياحية فى روما وفق تعليمات المخابرات المصرية، وفى الشركة السياحية وجد بعض المجلات والجرائد ووقعت عيناه على صورة إيلى كوهين، فقرأ المكتوب أسفلها وكانت عبارة عن "الفريق أول على عامر والوفد المرافق له بصحبة القادة العسكريين فى سوريا، والعضو القيادى فى حزب البعث العربى الاشتراكى كامل أمين ثابت".
وبالطبع كان كامل هو إيلى كوهين الذى التقاه من قبل فى إسرائيل، وتجمعت الخيوط فى عقل "الجمال" فحصل على نسخة من الجريدة اللبنانية من محل بيع الصحف بالفندق وفى المساء التقى مع محمد نسيم رجل المهام الصعبة فى المخابرات وأبلغه بما حدث، وما كان من ضابط المخابرات إلا أن أبلغ القادة وتم تبليغ المعلومات للرئيس جمال عبد الناصر الذى تأكد من المعلومات، وعليه سافر ضابط المخابرات حسين تمراز إلى سوريا لعرض المعلومات على الفريق أمين الحافظ، وبعدها تم القبض على "كوهين" وسط دهشة المجتمع السورى، الذى لم يكن يتصور أن يكون ذلك الرجل الذى يدعى الوطنية هو عميل لصالح الكيان الصهيونى.
بينما تذهب القصة السورية إلى أنه عندما كانت تمر سيارة رصد الاتصالات الخارجية التابعة للأمن السورى أمام بيت إيلى كوهين، ضبطت أن رسالة مورس وجهت من المبنى الذى يسكن فيه، وتمت محاصرة المبنى على الفور، وقام رجال الأمن بالتحقيق مع السكان ولم يجدوا أحداً مشتبها فيه، ولم يجدوا من يشكّون فيه فى المبنى. إلا أنهم عادوا واعتقلوا كوهين بعد مراقبة البث الصادر من الشقة.
عبر سنوات طويلة ظلت أسرة الجاسوس الإسرائيلى تحيى ذكراه فى شمال الجولان المحتل، حيث اختارت موقعاً قرب مبنى قديم كان يستخدمه الجيش السورى، لقناعتها أن هذا المكان هو الأقرب لمنطقة دفنه.
وقد ومارست إسرائيل ضغوطاً كبيرة فى محاولة للحصول على رفاته، وحاولت عائلته طرح إمكانية تبادل مع الأسرى السوريين في إسرائيل، لكن جهودها باءت بالفشل، ويقال بأن ذلك حدث مؤخرا، لكنه ليس مؤكدا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة