الوالدان.. كلمة وردت بالقرآن الكريم خمس مرات بأربع سور، وتعنى الأب والأم ، رجل وامرأة ، أوصانا الله عز و جل بهما من فوق سبع سموات ، وكان له فى ذلك تلك الآيات بسورة البقرة ، النساء ، الأنعام ، والإسراء .
فأما الأب ،، فهو الذى سعى واجتهد من أجل الرزق ليربى أبنائه ، عَلم وقوم وزرع القيم والمبادئ والأخلاقيات الحميدة بأبنائه ، صلى بهم وصام معهم ليعلمهم مبادئ دينهم ، هو القدوة والمثل الأعلى لأبنائه ، هو الذى ربى وزوج وعلم الأحفاد ، وظل طوال حياته يؤدى رسالته على أحسن وجه ، ولو سردت دور الأب فى حياة أبنائه ، لانتهى مقالى هذا دون أن أفرغ من أفضاله عليهم .
وأما الأم ،، فهى تلك المرأة التى حملت تسعة أشهر رغم وهنها ، وتحملت الكثير والكثير من أجل أبنائها ، سهرت لتداوى ، جلست لتربى ، صارت تدعو لأبنائها لتراهم أحسن الناس ، ولا يسعنى القول فى مقام الحديث عن الأم سوى أن أقول أنها مدرسة لإعداد جيلاً طيب الأخلاق ، والطريق إلى الجنة بالقرب منها.
وهما ، أى الوالدين ، لهما مبلغ الأثر فى حياة الأبناء ، فبرضائهما تنال رضا الرب ، وإن كان ذلك ، نُلت أجراً عظيماً ، وآية ذلك أن الله خالقنا قد أوصى بهما عقب أن أوصى بعدم الشرك به ، إذ قال فى كتابه العزيز {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} الإسراء 23 .
ودعونا نتأمل هذه الآية ، نجدها تفرض علينا أمراً هاماً بالنسبة لنا ، وفى توقيت أهم بالنسبة لهما ، وأما الأمر فهو لاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ، وأما التوقيت ، فعندما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهماً ، ولهذا التوقيت دلالة بالغة ، فهو التوقيت الذى يحتاجان فيه للرحمة والمودة والمحبة من أبنائهما ، هو التوقيت الذى يجنيان فيه ثمار عمرهما الذى إنقضى فى أداء رسالتهما بتربية هؤلاء الأبناء ، ليخرج منهم هذا الولد الصالح الذى يدعو لهما ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الأب والأم ، وبخاصة وهما فى حالةُ الشيخوخة ، فلا تضجر ولا تستثقل شيئًا تراه من أحدهما أو منهما ، ولا تسمعهما قولا سيئًا ، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ ، ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح ، ولكن ارفق بهما ، وقل لهما – دائماً - قولا لينًا لطيفًا ، وبعد هذا الأمر يختار كلاً منا طريقه .
فإما أن تنال السعادة بقية حياتك ، فتنعم بدعائهم لك بكافة أنواع الأدعية الصالحة التى لا ينطق بها سواهما وهما فى ذلك التوقيت من حياتهما ، وآنذاك إعلم جيداً ويقيناً أنك ستعيش آمناً فى كنف رضا الرب بعدهما ، ومن رضى عنه ربه كسب الرضا فى الحياة الدنيا وفى الآخرة .
وإما أن تعيش بقية حياتك فى شقاء ، أنت من إخترته بمعاملتك السيئة والجافة لهما وهما فى كبرهما ، ولم يسمعا منك قولاً كريماً ، أو حتى دُعاء لهما بالشفاء ، فينصب عليك غضبهما الذى سيدفناه بداخلهما خشية مزيد من جفاك ، ولكن الله يعلمه ، وتخسر رضاه هو الآخر سبحانه ، وبئس المصير فى الحياة الدنيا وفى الآخرة .
وأخيراً، التوصية لنا جميعاً ، فالوالدين أجيالاً متتالية ، وزرع اليوم الذى زرعته بيديك هو ما ستجنى ثماره غداً ، فإن كان خيراً ، فستجنى خيراً كثيراً ، وإن كان شراً ، فأنت وحدك الجانى لثماره ، وأقولها لكل إمرء لازال والديه أو أحدهما على قيد الحياة ، إفعل ما شئت معهما ، ولكن تذكر دائماً أنه كما تدين تُدان .
وفى الختام، أدعو من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنى باراً بوالدى ، خادماً لهما طوع أمرهما ما حييت ، وأن أكون هذا الولد الصالح الذى يدعو لهما فى كل حين، وأما هذا العاق لهما ، الذى مارس عقوق الوالدين بكافة صوره ، فهو لا يعلم أن بطش ربه لشديد ، فالوالدين بيديهما مفتاح الطريقين ، إما السعادة ، وإما الشقاء،،
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة