- البلتاجى هدد بإشعال سيناء
لا يمكن بأى حال النظر إلى اعتصام جماعة الإخوان الإرهابية فى ميدان الشهيد هشام بركات «رابعة العدوية سابقا» بمنطقة مدينة نصر، باعتباره مظهرا احتجاجيا أو فعلا سياسيا، فى حقيقة الأمر ظلت تلك المساحة على مدى شهر ونصف الشهر تقريبا حيزا مفتوحا للخروج على القانون، والإرهاب، والتحرش بالدولة والمواطنين، وصولا إلى إطلاق موجة واسعة من العنف المنظم، ما تزال الدولة تتكبد فاتورتها فى الأرواح والأموال حتى الآن! ادّعت جماعة الإخوان أن اعتصامها فى ميدانى رابعة العدوية بالقاهرة ونهضة مصر بالجيزة اعتصام سلمى، يقابل موقف 30 مليون مواطن خرجوا فى ميدان التحرير وكل ميادين وشوارع مصر رفضا للجماعة وسعيا إلى إزاحتها بعدما سرقت السلطة، وحاولت اختطاف الدولة إلى المجهول، بينما فى المقابل هدد صفوت حجازى وعبود الزمر ومحمد البلتاجى الدولة والمواطنين من داخل الاعتصام، واعترف أحمد المغير وغيره بأنه كان اعتصاما مسلحا، وأكدت مصادر أن أجواء الاعتصام وخيامه شهدت دورات مكثفة فى إطلاق النار وإعداد المتفجرات والتحكم فيها عن بُعد، وتأكد الأمر لاحقا بانضمام عشرات من أعضاء الإخوان وحلفائها إلى تنظيم داعش، وتدشين حركتى «حسم» و«لواء الثورة» اللتين أدارهما الجناح المسلح وقائده الحركى محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد عن الصعيد، الذى قُتل فى مواجهة مسلحة مع الأجهزة الأمنية خلال أكتوبر 2016، وما تزال الأدلة تتواصل مع كل جريمة أو استهداف للدولة والشعب، وآخرها انفجار سيارة مفخخة أمام معهد الأورام بالمنيل، ما أسفر عن استشهاد 22 مواطنا وإصابة أكثر من 40 آخرين.
أمام كل تلك المشاهد والمشاهدات والحكايات، يمكن اعتبار اعتصام الإخوان فى رابعة العدوية أخطر بؤرة إرهابية، وأكبر تجمع إجرامى فى تاريخ مصر، وفى ضوء تلك الحقيقة التى أكدتها الصور والفيديوهات والتسجيلات وصحيفة السوابق الممتدة، فإن تجفيف تلك البؤرة ليس مجرد إجراء أمنى لبسيط سيادة الدولة أو حصار الخروج على القانون فى قلب عاصمتها، وإنما هو بمثابة إنهاء لمخطط خطير، وُضعت خيوطه وتفاصيله خارج مصر، وتولى «رعاع الأرض» من أعضاء الإخوان وحلفائهم تنفيذه، قبل أن يتصدى لهم الشعب ومؤسسات الدولة بقوة وإصرار وعلى قلب رجل واحد.
6 سنوات على إحباط المخطط
كان مخطط الإخوان يدور فى محيط القبض على مقاليد السلطة، والسيطرة على مؤسسات الدولة، بدأته مبكرا عقب اندلاع تظاهرات 25 يناير، ومحاولتها ابتزاز الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة، حتى تتمكن من العمل بشكل منفلت وخارج الرقابة، وواصلته مع العمل بشكل شامل لسرقة السلطة، وفتح قنوات المعلومات والأمن القومى على دول وحكومات وأجهزة أمنية الخارج.
ادعت الجماعة فى البداية أنها لا تسعى للسيطرة على السلطة، ثم تلاعبت بالقوى السياسية وأججت الأجواء والتظاهرات فى الشارع، حتى تمكنت من الفوز بأغلبية البرلمان، ثم نقضت وعدها بعدم المنافسة على منصب الرئيس، فطرحت مرشحين: خيرت الشاطر ومحمد مرسى، ودعمت ثلاثة آخرين من حلفائها الإسلاميين: محمد سليم العوا وهشام البسطويسى وعبد المنعم أبوالفتوح، وخلال سنة من إمساكها بكل مقاليد السلطة سعت إلى تغيير تركيبة الدولة، واختراق دوائر الأمن القومى، ورهن مقدرات مصر وفق إرادة أطراف خارجية، تأكد لاحقا أن الجماعة تعمل فى خدمتها.
نفذ شباب الإخوان خلال تلك السنة عمليات اعتداء واسعة المدى على متظاهرين فى القاهرة والمحافظات، وقتلوا الشباب فى محيط قصر الاتحادية ومقر الجماعة بالمقطم، وسربوا وثائق رسمية سرية خطيرة لدول إقليمية فى قضية ضخمة ما تزال أمام القضاء، ودعموا الإرهابيين والعناصر المسلحة فى سيناء، وسعوا إلى تدشين «جيش خاص» عبر الاستعانة بمقاتلين من الجماعات الدينية وشباب من التنظيم، وتجلت كل تلك المظاهر مع حشد كل الإرهابيين السابقين وقتلة الرئيس السادات فى احتفال ذكرى السادس من أكتوبر 2012، ثم حشدهم بأسلحتهم فى بؤرة رابعة العدوية بعد ثمانية شهور من مشهد استاد القاهرة.
مستنقع الإجرام فى رابعة
فى تلك الأيام تمر الذكرى السادسة على فض اعتصامى رابعة العدوية ونهضة مصر، وهو التاريخ الفارق فى مسار مصر الحديثة ومؤسساتها، فى ضوء ما مثله من تحرك جاد لإنقاذ الدولة من مخطط غير وطنى تولت جماعة الإخوان الإرهابية تنفيذه، وعملت على ذلك عبر اعتماد شعارات سياسية براقة وخادعة للقوى السياسية والشعب، بينما عملت فى الخفاء على إحكام سيطرتها على المؤسسات وتشكيل ميليشياتها بغرض إحلالها مستقبلا محل الأجهزة الأمنية المختلفة، على طريقة ميليشيات طهران، لكن هذا السيناريو سقط تماما مع نجاح الدولة فى حصار بؤرة رابعة، لتظهر الجماعة بوجهها الحقيقى، وتتخلى عمليا عن شعارات السلمية التى لم تتجاوز الاستخدام الإعلامى بين 2012 و2013، إلى المجاهرة الواضحة بالإرهاب، إلى حد إشراف قادة الصف الأول وأعضاء مكتب الإرشاد على عمليات الجناح المسلح والحركات الإرهابية المنبثقة عنه.
«سلميتنا أقوى من الرصاص».. كانت تلك المقولة الخادعة العبارة الرخيصة التى سعى مرشد الإخوان المسجون فى قضايا إرهاب، محمد بديع، إلى التجارة بها على منصة رابعة العدوية، لكنه فى الوقت ذاته كان يتابع دخول الأسلحة وتدريب الشباب عليها داخل الاعتصام، ويعرف تفاصيل دورات تصنيع المتفجرات والتحكم بها فى خيام التدريب خلف المنصة الرئيسية، وعلى مقربة من الخيمة الفاخرة التى أعدوها له، وبالتأكيد عرف لاحقا أن عشرات من أعضاء تنظيمه انضموا إلى تنظيم داعش!
مزاعم محمد بديع بشأن سلمية الإخوان لم تقتصر على تلك المقولة الساذجة التى رددها على منصة رابعة، بينما كانت عمليات التدريب والتأهيل العسكرى تتواصل خلفه، بل أصدر رسالة من داخل محبسه فى العام 2015 للحديث عن الأزمة الداخلية للتنظيم لأول مرة، تناول فيها دعوات العنف التى أعلنها شباب الإخوان وزادوا نشاطهم فى تنفيذها، وقتها زعم المرشد المتورط فى قضية تنظيم 1964 التى حاولت تفجير القناطر الخيرية وإغراق الدلتا قبل أكثر من نصف القرن، أن الإخوان يتمسكون بالسلمية، لكنه بالتأكيد كان مبتهجا بأن مئات من شباب الجماعة أصبحوا يسيرون على دربه، ويعملون وفق الرؤية القطبية التى تبناها منذ سنوات شبابه.
ادعاءات محمد بديع انكشف كذبها بعد بيان نداء الكنانة، الذى صدر من عدد من شيوخ الإخوان وحلفائهم، ودعوا فيه بشكل صريح إلى ممارسة الإرهاب وحمل السلاح والقتل، ليؤكدوا للجميع أن خطابات السلمية التى رددتها قيادات الإخوان لم تكن أكثر من رسائل إعلامية للخارج، فى وقت تتواصل فيه أنشطتهم ويعدون العدة لإشعال الداخل، واستهداف الدولة والمواطنين على حد السواء. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن شباب الجماعة سعوا إلى تنظيم العمل الإرهابى المسلح وإخضاعه لإشراف مكتب الإرشاد الذى يرأسه بديع، فشكلوا لجانا نوعية تمارس الإرهاب صراحة، بدأت بحركتى «إعدام» و»مجهولون»، ثم تطورت إلى «المقاومة الشعبية» و«العصيان»، وكلها كانت حركات تزرع القنابل والعبوات الناسفة فى الشوارع لاستهداف رجال الشرطة، ليتطور الأمر لاحقا إلى حركتى «حسم» و«لواء الثورة» التى أشرف عليهما الإرهابى محمد كمال، واعترف شبابها فى بياناتهم بتبعيتهم للجماعة واستهداف الشخصيات السياسية والأمنية ورجال الأمن لتصفية ثأر الإخوان من الدولة والمواطنين الذين ثاروا فى 30 يونيو.
اعترافات قاطعة بالإرهاب
فى إطار تلك الاعترافات القاطعة جاء اعتراف أحمد رامى، المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة المنحل الذى أكد بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك أعضاء فى جماعة الإخوان انضموا بالفعل لحركات الإرهاب، بعدما كتب تدوينة عبر صفحته الرسمية على «فيس بوك»، أكد فيها أن الأوضاع التى تعيشها جماعة الإخوان دفعت عددا من بأبناء قيادات بالجماعة للانضمام إلى تنظيم داعش، ما أعاد للأذهان قصة الشاب الذى قالت الجماعة إنه اختفى قسريا قبل أن يصدر تنظيم داعش مقطع فيديو يؤكد فيه انتماءه له.
الاعتراف الثانى القاطع باتجاه الإخوان إلى العنف والتفجيرات بشكل منهجى منظم، وتحت إشراف مباشر من قيادات التنظيم، جاء فى العام 2015 من القيادى الإخوانى أشرف عبدالغفار، الذى ظهر فى إحدى قنوات الجماعة التى تبث من الخارج، مؤكدا أن أعضاء بالجماعة يقفون وراء التفجيرات التى تستهدف أبراج وخطوط الكهرباء، زاعما أن تلك الممارسات الإرهابية من قبيل السلمية والدفاع عن النفس، وهو ما أحدث ردود فعل واسعة لدى الرأى العام، وداخل الجماعة نفسها، إلى حد صدور توجيهات وقتها من مكتب الإرشاد بتوارى «عبد الغفار» ومنعه من الظهور الإعلامى.
فى ديسمبر 2017، وبعد مراجعة أدلة الاعتداءات التى نفذها أنصار حركتى «حسم» و»لواء الثورة» ضد أفراد الأمن فى مصر، قررت المملكة المتحدة إدراج الجماعتين على قائمة المنظمات الإرهابية، فى إدانة مباشرة للجماعة الإرهابية التى يدير تنظيمها الدولى أنشطته من العاصمة البريطانية لندن، تبعها تصنيفهما تحت لائحة الإرهاب فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مارس 2018، ورغم تلك الإدانة فلم تتوقف الاعترافات والأدلة التى تقطع بانتماء الحركتين للجماعة، وهى اعترافات تمثل إدانة مباشرة لبؤرة رابعة العدوية التى بدأت فى يوليو 2013 لتكون بمثابة حرب مفتوحة على الدولة والمواطنين، وخلال أقل من 45 يوما أصبحت أكبر بؤرة إجرامية فى مصر، وأخطر وأقذر تجمع للإرهابيين عرفه العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة