جلست فى محطة القطار لانتظار موعد قطارى، وبصحبتى روايتى المفضلة وهاتفي، أثناء انتظارى للقطار وقعت عيناى على فتاة فى مقتبل العشرينات تتميز بشعرها البنى الداكن وعيناها العسليتان بداخلهما دموع تأبى الخروج، فنظرت على من يقف معها وجدته شاب طويل القامة شعره أسود ولحيته خفيفة.
زادنى الفضول لمعرفة سبب دموع الفتاة وانهيارها، فتابعت الشاب وجدته تارة يحاول تهدئة الفتاة وتارة أخرى يظهر أنه هو السبب فى وجعهها الظاهر، فتعابير وجهه المتغيرة جعلتنى فى حيرة فى فهم ما يحدث..، وجدتها تترجاه على فعل شىء ما ويظهر عليه الرفض بشدة ! ولكننى بالطبع لم أفهم ماذا كان يحدث بينهم لبعدهم عنى وبسبب الضوضاء والزحام فى المحطة أيضا.
فجأة وبدون أى مقدمات رحل الشاب وترك الفتاة واقفة وحيدة وسط الزحام، تتابعه عيونها بترقب وبدقة شديدة، وفور اختفائه من أمامها انهمرت فى البكاء وانهارت وظهر عليها التوتر بشكل ملحوظ، فجاءت وجلست على المقعد الفارغ الموجود بجانبى فقمت بالتدخل لمساعدتها، فعملت جاهدة على تهدئتها فأخبرتها اننى كنت أتابع حديثها مع ذلك الشاب ولكننى لم أفهم ماذا حدث، فيمكننى مساعدتها إذا أرادت أن تتحدث.، فوافقت بعد إلحاحى عليها على مساعدتها.
فبدأت حديثها قائلة لي:من رحل هذا لم يكن شخصا عابرا فى حياتي، فهذا الشخص دمعت عيناى العديد من المرات لأجله، هذا الشخص سجدت ادعو له من كل قلبى فأخذ من حبى الكثير ومن وجعى الكثير ومن حلمى الكثير، أخبرتنى أنه الوحيد الذى كان لديه المقدرة على إسعادها وطمأنتها، أخبرتنى أيضا أن سبب رحيله بهذا الشكل هو وجود بعض المعضلات بينهم ويصعب حلها فى الوقت الحالى فقرر الرحيل بدلا من المواجهة، فاختار أن يواجه كل هذا العبث فى وقت لاحق..، قالت إن رحيله سوف يجعلها تواجه قبح العالم وحدها لأول مرة دون مساعدته وتشجيعه، فرحيله سوف يعملها الكتمان وعدم الإفشاء عن ما يؤلمها بل سيعلمها النوم وبداخلها ما يكفى من الألم وتستيقظ لتتظاهر بأن كل شىء على ما يرام، وأن لا شىء يمسها بسوء، أخبرتنى أيضا أنها سوف تنتظره رغم يقينها أن كل ما سوف يفعله ذلك الانتظار هو مراكمة الصدأ فوق جسدها، فوصفت لى انتظار عودته بنزول المطر فى أيام الصيف الحارة حيث الشمس تأبى الرحيل.
أنهت حديثها معى قائلة لي: أن فراقه صعب جدا و لكن الاصعب من الفراق نفسه هو عندما يكون هذا الفراق حل نسعى إليه ونمشى نحوه مرغمين، لأنه لا يوجد حل غيره..
فور انتهائها من الحديث تذكرت جملة قرأتها فى رواية ما تقول "الوجع هو القصة المعتادة للعشق يا صغيرتي" فلطالما شعرت بمدى صدق هذه الجملة، فصعب هو التأقلم على فراق من نحب والأصعب هو انتظارهم على أمل الرجوع فتنتظر لملامح من تعرف بين اكوام من ملامح من لا تعرف، فحقا خلف كل انتظار وفراق يوجد حكاية مفعمة بالتفاصيل والسهر والبكاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة