ألقت واقعة الإساءة لرموز أهل السنة فى التلفزيون الرسمى فى إيران قبل نحو أسبوع، بظلالها على مشكلات وحرمانهم من الحقوق والتضييق للسنة، الذين يشكلون نحو 20 مليون نسمة من مجموع سكان الجمهورية الإسلامية البالغ عددهم 80 مليون، فى نظام يتخذ من المذهب الشيعى مذهبا رسميا للدولة ويهيمن عليه المتشددين من رجال الدين الشيعة، ورغم تقديم التلفزيون اعتذار رسمى وإقالة من تسبب فى الواقعة إلا أن أهل السنة يشكون تكرار وقوعها فى ظل انعدام القوانين الرادعة لذلك وتجاهل المسئولين لفتاوى المرشد الإيرانى، فضلا عن منعهم من إقامة صلاة العيد فى العاصمة التى لا توجد بها مسجد للطائفة السنية.
ففى مثل هذا اليوم الذى يقف فيه كل مسلم فى كل بقعة من العالم ليؤدى صلاة العيد، لا يتمكن أهل السنة ممن يعيشون فى العاصمة طهران من الصلاة داخل مسجد لهم لرفض السلطات إنشاء مسجد فى العاصمة، فيضررون إلى استئجار المنازل وبعض الزوايا لإقامة صلاة العيد أو الصلاة داخل منازلهم، ويسمح فقط فى المناطق التى يقطنون بها لاسيما الحدودية من إقامة صلاة العيد، كما يستغل علماء ومشايخ السنة خطب العيد لتقديم مطالبهم للمسئولين، على نحو ما ندد به الشيخ مولوى عبد الحميد إسماعيل خطيب أهل السنة فى زاهدان فى خطبة الجمعة الماضية، قائلا: "هذه الإساءة جرحت المشاعر الدينية والمذهبية لأهل السنة داخل البلاد وخارجها".
مناطق يقطنها السنة
المناطق التى يتمكن فيها السنة من إقامة صلاة العيد هى المناطق التى يتركزون فيها وأغلبها محافظات حدودية، سواء فى الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الشمال، أو الشمال الغربى من البلاد، ويتركزون فى محافظات، هى: محافظة سيستان وبلوشستان (جنوب شرق إيران) ومحافظات خراسان الجنوبية والرضوية والشمالية (شرق وشمال شرق إيران) ومحافظات كلستان وكيلان وأردبيل (فى الشمال) ومحافظة آذربايجان الغربية (شمال غرب) ومحافظتي كردستان وكرمانشاه (غرب) محافظات هرمزكان وفارس وبوشهر (جنوب وجنوب غرب) وكذلك يوجد بعض أهل السنة فى محافظة خوزستان؛ وكذلك يسكن بعض أهل السنة فى المدن الكبرى فى المحافظات المركزية ويعيش أكثر من مليون سنى فى العاصمة طهران، وينتمون إلى معظم القوميات والعرقيات التى يتكون منها شعب إيران، من البلوش والفرس والأكراد والآذريين والتركمان والعرب.
حرمانهم من الحقوق
رغم أن الدستور الإيرانى فى مادته الـ 12 تنادى باحترام اتباع المذاهب الأخرى، والتى تضم المذهب الحنفى والشافعى والمالكى والحنبلى والزيدى والاعتراف بهم وأعطى اتباع هذه المذاهب مجموعة من الحقوق، منها: حرية أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، فضلا عن اعترافها بأن المذهب الرسمى هو المذهب الشيعى الإثنى عشرى، إلا أن هناك العديد من الشواهد تؤكد وجود ممارسات تعسفية ضد السنة وعلماءهم، حيث عانى أبرز علماء السنة من قيود فرضت عليهم من قبل السلطات، ففى أكثر من مناسبة، ندد الشيخ مولوى عبد الحميد إسماعيل خطيب أهل السنة فى زاهدان، بعدم استجابة السلطات لمطالبهم، بل وفرض قيود عليه ومنعه من السفر إلى خارج إيران بل وإلى بعض الأقاليم داخل إيران.
وينال المتشددين داخل إيران من رموز أهل السنة ويسعون دوما لاستفزاز مشاعرهم، رغم الفتوى الذى أصدرها المرشد الأعلى آية الله على خامنئى فى عام 2009 بتحريم الإساءة لمقدسات أهل السنة، وبخلاف واقعة الإهانة للسيدة عائشة قبل أسبوع، ففى عام 2016 أساء برنامج يبثه التلفزيون الإيرانى الرسمى للإساءة للصحابيين طلحة والزبير بن العوام.
كما يواجه السنة بعض المشكلات والمضايقات فى إقامة صلاة العيدين والجمعة فى مناطق يعيشون فيها كأقليات مثل مراكز المحافظات المركزية، ويواجهون مضايقات أحيانا فى تلك المدن حول افتتاح المصليات لإقامة الصلاة، ففى يوليو 2016 تم منع أهل السنة من إقامة صلاة عيد الفطر فى بعض المناطق، ومنعوا من إقامة صلاة العيد فى مسجد تهرانبارس بالعاصمة طهران ومسجد صالحية بمدينة إسلامشهر.
امام أهل السنة فى آزادشهر يتفقد أماكن إقامة صلاة العيد
وبخلاف ذلك يعانى أهل السنة من الحرمان من الوظائف الحكومية وتكاد تكون نسبتهم معدومة، ويشغل المناصب الرسمية الرفيعة أفراد من طائفة الشيعة فى أماكن الأغلبية السنية.
مطالب لم تتحق ووعود لم تر النور
وتتمثل أبرز مطالب أهل السنة فى:
أولا: بناء مسجد لأهل السنة فى طهران
ثانيا: ضمان الحريات الدينية، ليتمكن السنة من إقامة صلواتهم فى أى مكان دون مضايقات أمنية
ثالثا: الاستفادة من طاقات شبابهم وتوظيفهم فى المناصب العليا بالحكومة والمحافظات وعدم تهميش نخبهم
رابعا: التعامل مع جميع المواطنين بعيدا عن الاعتبارات الأيديولوجية والمذهبية
خامسا: تعديل الدستور الإيرانى الذى يحظر أهل السنة من الترشح لمنصب الرئاسة. والمساواة فى تنمية المناطق التى يقطن فيها السنة، وإرساء مبدأ المواطنة، والتوزيع العادل للإمكانيات والثروات، وتغيير السياسة الأمنية فى التعامل مع المناطق الحدودية والكف عن الاستفزازات والنيل من رموز السنة. ورغم ذلك لا يمتلك أى رئيس فى إيران صلاحيات تؤهله لتحسين أوضاعهم وحل مشكلاتهم.
اهل السنة
وفى عام 2017 برز أهل السنة ككتلة صوتية كبيرة فى دعم الرئيس حسن روحانى عاقدة آمالها بأن يحقق ومنح روحانى العددى من الوعود لهم على غرار السعى لتنفيذ مطالبها وتحقيق المساوة بينها وبين الطوائف الأخرى ومنحها المناصب والحقائب الوزارية ووو... إلخ، غير أن ذلك لم يتحقق فعليا، فبمجرد أن صعد روحانى، تناسى وعوده، وتم إقصاء أبرز القيادات السنية من حضور مراسم أداء اليمين الدستورى للرئيس يوم الـ 5 من أغسطس 2017، الأمر الذى تسبب فى موجة كبير من الانتقاد بين النخب الإيرانية لروحانى وفريقه، ليس هذا فحسب بل أسقط روحانى أهل السنة من حسابات حكومته بعد أن وعدهم بمنحهم حقائب وزارية وهو ما لم يتحقق.
ومؤخرا تعالت الأصوات السنية وحتى الشيعية داخل إيران مطالبة باعطائهم أبسط حقوقهم وهى بناء مسجد، ودعوات متعددة تندد بأوضاع أهل السنة وتطالب بأقل حقوقهم المدونة بالدستور، كلها لم تجد لها أذانا صاغية، فلطالما تقوم التوجهات وسياسة الدولة على عدم تغيير الوضع القائم خشية أن تقوى شوكة جماعة السنة اقتصاديا وفكريا وثقافيا ويبرز دورهم ويصبح لهم أنصار فى الخارج والداخل مما سيثير المخاوف لدى خصومهم من الأغلبية الشيعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة