بعد ما يقرب من 84 عامًا، تكتشف جامعة القاهرة من خلال كلية الآثار، قبر الطالب الشهيد محمد الجراحى، الذى استشهد برصاص الإنجليز فى المظاهرات التى انطلقت من الجامعة المصرية "جامعة القاهرة حاليًا" على كوبرى عباس وكانت تطالب بالحرية وجلاء قوات الاحتلال عن مصرنا الحبيبة، إذ توفى عن عمر يناهز 20 عامًا حيث ولد عام 1915.
مظاهرات كوبرى عباس 1935
وأكد الدكتور محمد حمزة الحداد، عميد كلية الآثار بجامعة القاهرة السابق، أنه وجد رسالة الشهيد محمد عبد الحكم الجراحى، أول شهداء طلاب جامعة القاهرة فى المظاهرات التى نظمها الطلبة احتجاجًا على حكم الإنجليز، والتى طالبت باستقلال مصر وتُعرف بـ"مظاهرات كوبرى عباس 1935"، مؤكدًا أنه نسبة إلى هذه الأحداث يتم الاحتفال حاليًا بيوم الطالب العالمى.
وروى حمزة لـ"اليوم السابع"، رحلة اكتشاف قبر الطالب الشهيد، قائلاً: "هناك وادى الملوك الإسلامى على غرار وادى الملوك الفرعونى بالأقصر، وهذا الوادى عبارة عن المقابر التى دفن فيها ملوك وسلاطين وحكام مصر عبر العصور المختلفة ثم أصبحت مع مطلع القرن التاسع عشر جبانة لأهل القاهرة والوافدين عيها والمجاورين وتنقسم هذه المقابر إلى القرافة الجنوبية والشمالية".
الشهيد محمد الجراحى حمل علم مصر قبل سقوطه على الأرض
وأوضح أنه اكتشف خلال عملية مسح القرافة الشمالية تقع شمال القلعة شرق صلاح سالم فيما بين طريق الأتوستراد وطريق صلاح سالم، المعروف الجزء الشمالى منها باسم "ترب الغفير"، مدفن مهم جدًا خاص بالشهيد محمد عبد الحكم الجراحى الذى استشهد برصاص الإنجليز على كوبرى عباس عندما قامت مظاهرات الطلبة سنة 1935، قائلاً: "الجراحى كان من أوائل شهداء الجامعة ومعه فى القبر شهيد آخر هو الشهيد محمد عبد المجيد مرسى، الذى كان يحمل علم مصر فى هذه المظاهرات وعندما استشهد وقبل سقوط العلم على الأرض تلقفه الشهيد محمد عبد الحكم الجراحى وحمله ولذلك أصبح الشعار الرئيسى لكل مظاهرات الطلبة والثوار فى الأربعينيات من القرن الماضى "عبد المجيد عاد من جديد ورفعت العلم يا عبد الحكم".
وأكد الدكتور محمد حمزة، أن الشهيد "الجراحى" استشهد بـ15 رصاصة وقيل بـ13 رصاصة ونقله زملاؤه إلى قصر العينى واستخرجت من جسده 8 رصاصات وعندما وجد أنه على مشارف الموت كتب رسالة بدمه إلى رئيس الوزراء الإنجليزى نشرتها جريدة اللطائف المصورة ونُقشت على لوح رخامى لا يزال محفوظًا بالمدفن، قائلاً: "هذا أول دليل أثرى تاريخى يُسجل عليه رسالة كتبها شهيد بدمه فى العالم وعندما مات زملاؤه حملوه إلى مدفنه وأُعلن الحداد العام فى كل مدارس القاهرة".
أحمد لطفى السيد وطه حسين ومصطفى مشرفة حضروا الجنازة
وأشار الدكتور محمد حمزة، إلى أن جنازة الشهيد "الجراحى"، حضرها المئات وكان على رأسهم مندوب عن رئيس الوزراء النحاس باشا آنذاك وأحمد ماهر رئيس مجلس النواب ويوسف الجندى وكيل وزارة الداخلية ومحمد صبرى أبو علم البرلمانى ووكيل الحقانية المشهور والدكتور طه حسين عميد كلية الآداب بالجامعة المصرية آنذاك والدكتور على مصطفى مشرفة أول عميد مصرى لكلية العلوم بالانتخاب عام 1936 وأول عالم مصرى يحصل على الدكتوراه فى الذرة فى ذلك الوقت وأحمد لطفى السيد أول مدير للجامعة المصرية، والمئات من الطلبة وتلامذة المدارس الثانوية الأزهرية والجامعة الأزهرية وطلبة المدارس الصناعية والإبراهيمية والسعيدية والخديوية، التى أعلنت الحداد العام.
وأوضح أن الشهيد "الجراحى" تم دفنه فى البداية فى قرافة باب الوزير بعد ذلك تم بناء المدفن له فى الطرف الشمالى من قرافة صحراء المماليك المعروف بقرافة "ترب الغفير" عند كوبرى الفردوس الآن، وأقيم له احتفال آخر مهيب حيث نقل إلى مثواه الأخير، قائلاً: "كفنوه كفن جديد ولفوه بعلم مصر من جديد وصلوا عليه فى جامع الكخية الذى لا يزال موجودًا حتى الآن بالأوبرا القديمة تقاطع شارع قصر النيل مع شارع إبراهيم باشا "الجمهورية حاليا" وسار الموكب فى شارع فاروق "شارع الجيش حاليا" ودخل هناك لمقابر الطرف الشمالى بترب الغفير فى المدفن الحالى الذى تم اكتشافه.
نص رسالة الشهيد لرئيس وزراء بريطانيا
أن نص الرسالة جاء كالتالى: "بسم الله الرحمن الرحيم ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، إلى رئيس وزراء إنجلترا، أحد رجالكم الأغبياء رمانى برصاصة وأنا الساعة أمشى رويدا إلى الموت ولكنى سعيد أن أترك روحى تنتزع منى وأضحى بدمى، إن آلام الموت عذبة المذاق من أجل مصرنا نحن فتحيا مصر مصر فوق الجميع لتحيا التضحية ويسقط الاستعمار أحد الشهداء المصريين محمد عبد الحكم الجراحى 16 نوفمبر 1935".
وتابع الحداد أن الرسالة نشرتها جريدة اللطائف المصورة فى العدد رقم 1086 القاهرة فى يوم الإثنين 7 ديسمبر 1935 بعنوان "الشهيد يكتب بدمه رسالة خالدة إلى الإنجليز ورئيس حكومتهم وأعلى الصفحة إلى اليسار صورة للشهيد محمد عبد الحكم الجراحى"، موضحًا أنه بالضلع الجنوبى للمدفن نجد نقش آخر كتب عليه "هنا يرقد الشهيد محمد عبد الحكم الجراحى وأخوه على عز الإسلام الجراحى، وعند رأس المثلث للضريح موجود نقش ثالث من النقوش التاريخية النادرة "هذا ضريح الشهيد الشريف محمد أفندى عبد الحكم الجراحى الطالب بكلية الآداب الجامعة المصرية المولود فى أول يناير 1915 الذى اغتيل برصاص الإنجليز فى مظاهرة طلبة الجامعة المصرية عند كوبرى عباس فى يوم 14 نوفمبر 1935 للمطالبة بالحرية والاستقلال وتوفى فى يوم الثلاثاء 19 نوفمبر 1935 ونقل إلى هذا المكان باحتفال ثانٍ رائع فى 4 يناير 1937 رحمة الله عليه".
الدكتور محمد حمزة: تخطيط مدفن الشهيد الجراحى
وأكد أن تخطيط المدفن تخطيطًا فريدًا وهو عبارة عن مثلث متساوى الأضلاع يعلوه سياج حديدى وقاعدة المثلث فى اتجاه القبلة "الجنوب الشرقى" ورأس المثلث تتجه ناحية الغرب، موضحًا أن هذا المدفن مدفون فيه المهندس إبراهيم شكرى رئيس حزب العمل السابق الذى أصيب برصاص الإنجليز فى نفس المظاهرة التى استشهد فيها الشهيد محمد الجراحى ولكنه تعافى من إصابته وتوفى عام 2008 ولقبوه بـ"الشهيد الحى" لأنه تعافى من إصابته، مطالبًا بضرورة الاهتمام بقبر الشهيد محمد الجراحى واعتباره مزارًا سياحيًا لجميع طلاب الجامعات على مستوى مصر، إذ أنه توفى وهو فى السنة الثالثة بالجامعة وكان صاحب موهبة شعرية فذة وله قصائد منشورة فى مجلة أبوللو أول قصيدة له "حجرتى الأولى" والثانية "الشيخ النائم فى المشرب" نشرها فى نوفمبر 1934 وله خطب حناسية رنانة.
وأوضح أنه سبق وتم ذكر حادث الشهيد الجراحى بأرشيف الأهرام تحت عنوان شارع 9 مارس أو 13 نوفمبر العدد 18689 بتاريخ 5 يناير 1937 صفحات 1 و3 و10 بعنوان "الاحتفال الرائع بنقل رفات الشهيد إلى مقره الأخير"، قائلاً: "هذا ابن من أبناء جامعة القاهرة وتوفى فى المظاهرات المطالبة بالاستقلال والحرية ولابد أن يصبح مزارات ويتم تجميع كل القصائد والخطب التى قالها فى الجرائد المعاصرة فى ذلك الوقت وتتم إقامة متحف حول هذا القبر يزوره طلاب جامعة القاهرة لتعرف أن مصر غالية فى كل الأوقات وكل العصور".
قريبًا.. الكشف عن قبر على مصطفى مشرفة وعلى باشا مبارك وأحمد لطفى السيد
وأشار إلى أن العبارات الموجودة على جدران المدفن نفسها التى يرددها شهداؤنا اليوم من الجيش والشرطة، قائلاً: "التضحية بالدم والروح من أجل الأمن والآمان فى مصر ومن أجل استعادة مصر لنهضتها على غرار ما فعله الشهيد الجراحى الذى ضحى بحياته لتستقل مصر عن الاحتلال الإنجليزي"، مطالبًا الجامعة بالاهتمام والجهاز القومى للتنسيق الحضارى والحكومة ممثلة فى وزارة الثقافة أن تنفذ مشروع تنمية سياحية مستدامة فى هذه المنطقة ويكون مزار سياحى يتم التسويق له".
وأكد أنه سيعلن قريبًا من خلال الـ"اليوم السابع"، عن اكتشاف قبر أحمد لطفى السيد أول مدير للجامعة المصرية وقبر على باشا مبارك أبو التعليم فى مصر وكذلك قبر الدكتور على مصطفى مشرفة العالم المصرى الكبير، فضلاً عن اكتشاف قبر الأميرة فاطمة بنت إسماعيل صاحبة الأيادى البيضاء على جامعة القاهرة التى تبرعت بمجوهراتها لبناء الجامعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة