رغم ظهور عشرات الماكينات الحديثة التى تقوم فى دقائق بعصر الزيوت المختلفة، إلا أن الصناعة اليدوية لها طابع خاص فتوجد بمدينة إسنا جنوبى محافظة الأقصر معصرة زيوت تعمل منذ أكثر من 210 سنة مضت، وهى معصرة الحاج "ناصر بكور" الشهيرة بشارع الثورة بجوار شارع الكاشف بالقرب من كنيسة العذراء مريم بالزاوية البيضاء.
جدران قديمة ومبنى مكون من غرفتين تم بناؤه بالطوب اللبن بالكاد تشعر أنه يوجد فيه تجارة بالداخل، ولكنه قديماً كان أشهر من النار على العلم، وكان يتوافد عليه الزبائن طوال النهار لشراء الزيوت المميزة التى تم إنتاجها داخل المعصرة التاريخية بالمدينة، وفى هذه الأيام بالكاد تعمل المعصرة لأيام معدودة فى الشهر وتتوقف فترة لقلة الحبوب والبذور التى يتم طحنها وإخراج الزيوت منها لقلة الإقبال من الأهالى على الشراء.
وفى هذا الصدد قال الحاج ناصر بكور، صاحب أقدم معصرة للزيوت فى الأقصر لـ"اليوم السابع"، إن أرض معصرة الزيوت بشارع الثورة بمدينة إسنا تعود لمالكها "مجلع متى تاضرس" واستأجرها منه جده "عبد الرضى أحمد بكور" فى السبعينات بسعر لا يتعدى القروش، وبعد وفاته انتقلت إلى أبنائه ثم أحفاده، وهو يديرها حالياً حيث توقظه حفيدته "إيمان على محمد عبد الراضى" 13 سنة بعد الفجر يومياً لتجميع الكميات اللازمة لتشغيل المعصرة على فترات والكسب من خيرها والحصول على الرزق الحلال للأسرة بأكملها.
وأضاف صاحب أقدم معصرة فى الأقصر، أن المعصرة تخرج أجود أنواع الزيوت التى لا تستطيع أن تضاهى قوتها الزيوت الحديثة فى الأسواق المصنعة بالماكينات وخلافه، مؤكداً أن الزيوت التى تخرج منها كزيت السمسم وزيت حبة البركة وخلافه تعالج عدة أمراض ومنها "السكر والضغط والقاولون والفوتة وغيرها من الأمراضى السارية بين المواطنين"، مؤكداً أن المعصرة ترخيصها من محافظة قنا قبل انفصال الأقصر عنها.
وعن خطوات عمل المعصرة التاريخية بمدينة إسنا، قال صاحب المعصرة الحاج ناصر بكور، إنه يتم وضع الغلة بكمية 50 كيلو تحت حجر الجرانيت فى منطقة الطحين التى توجد بها حجر دائرة وذراع خشبى طويل تجره بقرة فى شكل حلزونى حتى يتم هرس الغلة، وذلك لمدة لا تقل عن 6 ساعات بمئات اللفات، ويتم وضعها فى كميات من إناء الخوص حوالى 12 عبوة، وتنتقل فيما بعد إلى الغرفة الثانية التى توجد داخلها العصارة فهى عبارة عن حجر جرانيت يضغط بقوة حتى يخرج الطحين الزيوت المختلفة وتوضع فى أوانى مجهزة لذلك بعد تصفيتها بمجرى صغير، قائلاً: "كل 50 كيلو طحين تخرج حوالى 20 كيلو زيوت نقية من الشوائب تماماً، وهى كمية تحتاج لأسبوع على الأقل ببيعها للمحلات والأهالى والجيران الذين يحجزونها كل فترة تعمل فيها المعصرة".
ومن جانبه، قال محمد محيى الدين سلام، مفتش آثار منطقة إسنا وأرمنت، إن المعصرة تعد من التراث التاريخى بمحافظة الأقصر فهى بنيت منذ أكثر من 200 سنة وفى فترة ولاية محمد على باشا وأسرته حكم مصر، موضحاً أن المعصرة تتكون من واجهة وحجرتين كبيرتين، الأولى منها تضم حجر جرانيتى بوزن 500 كيلو جرام دائرى الشكل به ذراع عبارة عن عصا خشبية كبيرة، يتم وضع الغلال والبذور أسفل الحجر الضخم، ويتم طحنها بواسطة بقرة تقوم بالدوران فى لفات معينة لفترة لا تقل عن 6 ساعات لطحن الحبوب والبذور تماماً لتكون صالحة للاستخراج الزيوت منها، وذل بصورة تجعلها مناسبة لدخول الحجرة الثانية.
وأضاف مفتش آثار إسنا وأرمنت لـ"اليوم السابع"، أن الغرفة الثانية تسمى "بيت الزيت" وهى التى يتم داخلها استخلاص الزيت عن طرق آلة يدوية تتكون من قوائم وعوارض من الخشب المتين المقلوظ، وتوضع أعلاها كمية الطحين ويتم ضغطها بشدة للقرص على الحبال الموضوعة داخلها لكى تنتج الزيوت المصفاة وبها مجرى يقوم بتصفية الزيت من الشوائب تماماً.
وأكد أحمد حسن أمين كبير مفتشى منطقة آثار إسنا وأرمنت، أن معصرة الزيوت التاريخية بالأقصر دخلت فى مشروع إعادة اكتشاف الأصول التراثية والثقافية بمدينه إسنا، الذى يهدف إلى إطلاق إمكانات التراث الثقافى المتنوع للمدينة، بما يمهد لإعادة إحياء تلك المنطقة بصورة مستدامة ووضع المدينة بما تشكله من معالم تراثية متميزة على الخريطة السياحية بمصر، يتم ذلك من خلال الحفاظ على عدد من المواقع التراثية بمركز المدينة، ووضع خطط إدارة ملائمة لتلك المواقع، وتوثيق وترويج التراث الثقافى للمدينة ورفع الوعى به، بالإضافة إلى تحسين العوائد الاقتصادية لسكان المنطقة من خلال أنشطة التنمية السياحية وتحسين فرص العمل فى هذا المجال.
وأضاف "أمين" لـ"اليوم السابع"، أن معصرة الزيوت التاريخية بإسنا تعتبر مزارا سياحيا هاما بمدينة إسنا، حيث إنه لا تتوقف باخرة سياحية تقل الأجانب إلا ويتوجه ركابها فى جولة بالمدينة ومن ضمن أماكن الزيارة يتوجهون إلى المعصرة للاستمتاع بسحرها التاريخية والتقليدى الذى رغم مرور أكثر من 210 أعوام على إنشائها تحافظ عليه وتعمل به حتى الآن، مؤكدًا أن زيوت الخس التى تخرجها المعصرة لها فوائد كثير للغاية فهى غنية بالحديد والفسفور والكالسيوم والنحاس واليود وخلافه من المواد التى تساعد فى العلاج وتهدئة الأعصاب وعلاج السكر وآلام المرضى المختلفة، وهو مقوى عام يسعد فى تقوية عضلة القلب وتقوية الأعصاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة