الصعيد فى الماضى كان بيوت من طين وسقف من جريد أو بوص والفرش كان حصيرا من الحلف أو مفرش من القماش وكل هذه الأشياء كان المواطن الصعيدى يتغلب على الحر من خلالها، ولكن سرعان ما تطور الأمر، ووزيادة التنمية فى الصعيد، بالإضافة إلى سفر كثير من الصعايدة للبلاد العربية، فكان أول ما يأتى به الرجل الصعيدى عند العودة من السفر هى المروحة والمسجل والتليفزيون الأبيض والأسود، وعندما يعلم الأهالى بوجوده يذهب الجميع بالقرية للجلوس والاستمتاع بذلك الاختراع العجيب الذى يدور ويخرج هواءً رطبا.
ومع تكرار السفر والتطور والتقدم ، بدأ يظهر التكييف الصحراوى الذى تم تبطينه بالقش ويعمل بدورة المياه وكان له أضرارا كثيرة بسبب الأمراض الصدرية بعد ذلك تطور الأمر، وتم جلب التكييفات التى تعمل بالفيريون، ونظرا لارتفاع أسعارها العالية والمبالغ فيها كان الإقبال عليها ضعيف إلى أن ظهر تكييف المياه أو المبرد كما يطلق عليه وهو أقل سعر وأقل استهلاك للكهرباء، الأمر الذى جعل لها رواجا فى الفترة الأخيرة.
ففى محافظة الأقصر، وما أن يحل فصل الصيف وترتفع درجات الحرارة بصورة كبيرة، يقوم أهالي المدينة بضغطة زر واحدة بتشغيل المكيفات المثبتة بالمنازل والعقارات من تكييف فريون يطلق عليه "سبليت" أو تكييف من نوع "شباك"، وهى تكييفات ثقيلة الحجم نسبياً فتتحملها المنازل المبنية بالطراز الحديث، ولكن فى القرى يكون للأهالى تفكير مغاير فعلى مر السنين يكون بكل منزل مبنى بالطوب اللبن الأخضر تكييف ربانى عبارة عن فتح غرفة فى منتصف المنزل أو في الجهة البحرية منه لإدخال الهواء للمنزل لمساعدة المراوح في العمل وتكييف الأهالى.
وحالياً تحولت وجهة بعض من أهالى القرى الغير قادرين على بناء منازلهم بالطراز الحديث "المسلح"، إلي شراء نوعان من مكيفهات الهواء المنتشرة بكثافة في الأقصر وجنوب الصعيد، وهي "التكييف الصحراوى" كما يطلق عليه، ومبردات الهواء التى يتم تجهيزها من الشركات الكبرى بعجلات لتحريكها فى كافة أرجاء المنزل.
وفي هذا الصدد يقول عثمان العريان ابن مدينة إسنا، أنه يعيش في قرية أكثر من 10 آلاف مواطن وتضم مئات المنازل القطاع الأكبر منها مبني بالطوب اللبن، ويقوم الأهالي خلال الطقس الحار بشراء مبردات الهواء بأسعار ليست بالمرتفعة حيث تبدء من 1500 جنيه، وترتفع حسب قدرتها وقوتها في توفير الهواء المنعش وتحتاج لوصلة مياه من الخلف، وهى تغنى نسبياً عن التكييفات الحديثة التي تحتاج للتركيب في جدران المنزل وقد تضره حال تركيبه لثقل وزنه علي الطوب اللبن.
ويضيف عثمان العريان لـ"اليوم السابع"، أنه يوجد نوع أخر من التكييفات الشعبية فى جنوب الصعيد تسمى "التكييف الصحراوى"، وهى تقوم ورش معينة بتصنيعها وتجهيزها وتركيبها في المنازل، إما فى جدران المنزل المسلح أو تجهيز مقعد لها بعجلات للتحرك والتثبيت في الأرض ورفعها بالمستوى المطلوب حتي تقدم الهواء البارد للمنزل بأكمله أو غرف معينة، والتي يوضع في الجهة الخلفية منها القش الذى يغرق بالمياه ويتم توصيل خرطوم له يمده بالمياه طوال فترة عمله لضمان أفضل قوة له وتوفير هواء بارد للأسرة.
ويقول محمد أحمد محمود ابن مدينة أرمنت، أنه من قرية الرزيقات وأغلب أهالى القرية لديهم مبردات هواء في منازلهم فهى تساعد في الراحة والنوم وقت القيلولة وعودة الموظفين والطلاب والأهالى من أعمالهم ومزارعهم، وكان قديماً الطقس الحار جيد نسبياً والمنازل المبنية بالطوب اللبن لا تصلها الحرارة بصورة شديدة عن المنازل المبنية بالمسلح، ولكن الجميع أصبح يخطط لشراء التكييفات قبل دخول فصل الصيف لتجنب ىرتفاع الأسعار خلال الموسم.
وفى محافظة أسيوط كان يعتمد الصعيد على الأساليب التقليدية للتهوية في الصيف كالمراوح، والأقمشة المبللة بالمياه الساقعة وغيرها، وانتشرت ظاهرة تركيب التكييفات الصحراوية والحوائط، كحلا لمواجهة ارتفاع درجات الحرارة التى تتخطى الـ40 درجة مئوية في الظل وتتسبب فى معاناة المواطنين باختلاف وظائفهم وأعمالهم.
وقديما كان يقال إن البيت المبنى من الطوب اللبن لا تعرفه الحرارة، ولكن السنوات القليلة الماضية اختلفت المقولة فأصبحت هذه البيوت شديدة الحرارة مثلها مثل المبنية بالحديد والخرسانة والطوب الأحمر.
ووحول هذا الأمر، يقول سيد محمود، من أهالى مركز الغنايم جنوبى محافظة أسيوط، إنه نظرا للارتفاع الشديد في درجات الحرارة والتي لم تكن معتادة خلال السنوات الماضية في المراكز والقرى بشكل خاص، لجأ الأهالى لشراء التكييفات وتركيبها فى المنازل أيا كانت حالتها.
ويضيف محمود لـ"اليوم السابع"، أنه قديما كانت تبنى البيوت من الطوب اللبن "كان تكييف رباني والحجرة مسقعة وهاوية ومرطبة"، ولكن مع تغير الظروف المناخية وارتفاع الحرارة جاءت التكييفات كحل وحيد للهروب من الحرارة، ومن هذه التكييفات الصحراوي أو الحائط يختلف بحسب القدرة المادية للأهالي.
ويوضح أحمد رشاد، مواطن آخر من مركز الغنايم، أن غالبية المنازل "مركبة تكييفات" سواء الصحراوى أو الفريون بسبب درجات الحرارة التى لا تطاق ولا يتحملها الأهالى خاصة الأطفال وكبار السن، فالقرى والعزب يستخدمون التكييفات مثل المدينة وأكثر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، خاصة أن القرى لا يوجد بها متنفس للهواء مثل المدينة "يتخنقوا بالليل يطلعوا على الكورنيش ولا يتهوا في أي مكان، بس إحنا معندناش حاجة".
وتضيف أم محمد، مسنة فى العقد الخامس من عمرها، إنها تعانى من حساسية بالصدر، تذكر أنها قديما كان لا تقوى على المكوث في الغرف التي بها وسائل تهوية مثل المراوح بسبب مرضها، وكانت تتحمل ضيق التنفس والتعب من أجل التخفيف من مرضها، وبرغم من أن منزلها دور أرضي ولا يتعرض للشمس كثيرا إلا أن ارتفاع درجة الحرارة طالها وطال منزلها وأصبحت غير قادرة على الجلوس فيه لأوقات طويلة، لذلك لجأت لتركيب تكييف حائط يتعدى ثمنه الـ5 آلاف جنيه، للتغلب على الحرارة الشديدة وتهوية غرفتها.
فيما تنوه يسرية خلف، بأن المراوح واستخدام الأقمشة المبللة بالمياه المثلجة كانت الأساليب القديمة للتهوية، ولكنها لم تعد تجدى مع ارتفاع درجات الحرارة الذي تشهده البلاد في الآونة الأخيرة، لذلك قد يلجأ المواطن لشراء التكييف الحائط أو الصحراوي بالتقسيط من أى تاجر أدوات كهربائية على عدة سنوات هربا من الحرارة، أما ميسورى الحال من الأهالى يدفعون "كاش" ففى كل الأحوال تساوت المعادلة في استخدام التكييف.
وفى محافظة سوهاج والتى تحاول الهرب من حرارة الصيف مثل الأقصر وأسيوط فقد عدلت من من طريقتها للتعامل مع درجات الحرارة المرتفعة خاصة بعد تحول معظم البيوت من الطين إلى المسلح استكمالا للمدنية الحديثة التى اقتحمت القرى.
فتقول فوزية السيد أنا عندى 85 سنه لكنت أعرف مروحة ولا والتكيف كنا عايشين فى بيوت من الطين عرض الحائط الواحد يزيد عن نصف متر فيكون من الصعب اختراق الحرارة له فى أى وقت، وفى الشتاء يكون المنزل دافىء بمجرد إشعال أى نار بداخله لكن من أول ما وصل التكيف ووصلت المروحة المرض بقى مصاحب لكل الناس والعيادات دائما زحمة"
وأضافت أنا الآن لا استخدم لا تكييف ولاغيره بس بنام على حصيرة من الحلف وأنام عليها بعد رشها بالمية وببعد عن الأدوار العليا بكون دائما فى الدور الأرضى لأنه جوه أقل حرارة وعلشان كدا لا بيجلى برد ولا مشكل فى الجلد واحنا من أول ما بعدنا على القديم ومشينا وراء الحديث والحال اتقلب واتغير ياريت كل واحد يعمل جوه بيته مكان بالطين يعيش فيه فى الصيف يكون أحسن خاصة فى الصيف .
أما فى"قنا" يظل التكييف أحد أهم الخيارات التى يلجأ إليها المواطنون فى محافظة قنا، والتى تساعدهم للهروب من موجات الحرارة ورغم أن أسعارها لا تناسب ذوى الدخل المحدود لكن أصبحت شيئا اساسيا فى كل منزل " قنائى" بسبب ارتفاع حرارة الطقس، والتى تصاحبها ارتفاع الرطوبة، وعدم انكسار حدة الشمس غير فى وقت الغروب، وتهلى الأهالى عن بناء المنازل بالطين، واستبدالها بالحديث.
ومن جانبه ، قال سيد حسين، "مفيش بيت فى قنا يقدر يعيش من غير تكيف خاصة فى المدينة، لأنى أغلب المنازل تم بنائها بالمسلح، واختفت المنازل المبنية بالطين، فضلآ أن أرضية الشوارع من الأسفلت تؤهج حرارة الجو والشمس غى الصيف وتظل طوال النهار على رأوس المنازل مما يصعب درجة الحرارة فى المنازل.
واكد مصطفى صافى حرارة الطقس فى الصعيد تختلف كلياً عن محافظات وجه بحرى وزمان كنا نعتمد على المراوح لكن الظروف تغيرت نتيجة عوادم السيارات والمصانع والتى ساهمت فى ارتفاع درجة حرارة الجو عن معدلاتها الكبيعية، وأصبح التكيف شئ اساسى مثل شرب الماء فى العطش، لاتستطيع النوم بدونه.
وقال محمود إبراهيم ، إن شراء التكيفيات يكون أكثر نصيبا لمحافظات الصعيد التى تعانى من ارتفاع درجة حرارة الجو فى فصل الصيف، والتكييف أصبح يتم شراؤه ضمن جهاز العروسة خاصة أن الصعيد الطقس فيه مختلف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة