تعد شركة الحديد والصلب، إحدى قلاع الصناعة فى مصر، منذ تأسيسها، ولا تزال الشركة بمثابة جوهرة بحاجة إلى إزالة الصدأ عنها، وإعادتها إلى مجدها.
اعتمدت الشركة على محورين أولهما قومى خاص بتوفير المادة الخام للبلاد، خاصة فى الفترة من حرب الاستنزاف حتى انتصار أكتوبر، والثانى اجتماعى بتوفير رواتب لـ26 ألف عامل ظلوا فى الشركة حتى عام 1976، مما حرمها من تحقيق أرباح كبيرة رغم بلوغ إنتاجها لـ1.5 مليون طن.
وكان السبب الرئيسى لخسائر الشركة إدارتها بصورة غير اقتصادية وترتب على ذلك تأخرها فى تحديث المصانع، وإدخال تكنولوجيا جديدة عكس مختلف الدول التى اتجهت للتكنولوجيا لتوفير الطاقة وزيادة الإنتاج فى الوقت ذاته.
"اليوم السابع" ينفرد بتفاصيل عرض شركة ميت بروم الروسية لتطوير شركة الحديد والصلب وإنقاذها من المصير المجهول، خاصة أنه دار مؤخرا لغط شديد حول الشركة، وهل سيتم تصفيتها كما حدث مع الشركة القومية للأسمنت أم سيتم تطويرها وما جدوى عملية التطوير ووسائل تمويلها بعدما تم رفض عرض شركة ميت بروم الروسية لتطوير الشركة.
فى البداية يقول المهندس أيمن الجندى، نائب رئيس شركة ميت بروم لمنطقة الشرق الأوسط فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" من روسيا إن اللجنة العليا للمشروعات بشركة الحديد والصلب، وجهت الدعوة لعدد من الشركات العالمية نحو 9 شركات للتقدم لمناقصة تطوير الشركة، لافتا إلى أن اللجنة حددت ثمن كراسة الشروط بقيمة 10 آلاف جنيه، ومعها خطاب ضمان بنكى بمليون دولار، على أن يتم تقديم العرض بتاريخ 28 فبراير 2019.
ايمن الجندى - ميت بروم الروسيه
ويقول الجندى إن الشركة حددت غرض المناقصة، وهى المشاركة فى تأهيل وتطوير وإدارة خطوط الإنتاج من بداية العملية الإنتاجية، مرحلة استخراج الخام من المناجم إلى إنتاج البليت بنظام المشاركة فى الإيراد لمدة 20 سنة، كما طالبت شركة الحديد والصلب من الشركات المتقدمة أن تقوم بضخ استثمارات وإدارة العمليات الإنتاجية المشار إليها، وحددت موعد استلام كراسة الشروط بتاريخ 7 فبراير 2019 كاقصى توقيت على أن يتم تسليم مشروع العقد والعرض بحد أقصى 28 فبراير 2019.
ويضيف أن الشركة حددت أيضا عددا من متطلبات العقد، منها ألا يقل حجم الاستثمارات التى سيتم ضخها عن 100 مليون دولار، وأن تكون كمية البليت المنتجة فى حدود 1.2 مليون طن سنويا، على أن يبدأ سريان الحد المضمون اعتبار من 1 يناير 2021، مع تحديد مساحة الأرض المطلوبة للعملية الصناعية وحجم العمالة المناسب لذلك.
ويوضح المهندس أيمن الجندى أنه بعد عرض مناقصة التطوير على 9 شركات عالمية لم تتقدم الا شركة ميت بروم فقط، فقامت شركة الحديد والصلب بتغيير بعض البنود منها الغاء ثمن كراسة الشروط ثم إلغاء شرط الضمان مليون دولار قبل الموعد باسبوع، على أمل جذب الشركات العالمية، من بينها شركات صينية وألمانية وإيطالية وروسية وأوكرانية.
ويقول إنه فى يوم 9 مايو الماضى أعلنت شركة الحديد والصلب، عن رفض لجنة البت المنعقدة بالشركة القابضة للصناعات المعدنية لدراسة العرض الوحيد المقدم من شركة ميت بروم الروسية بشأن تأهيل وتطوير وإدارة الحديد والصلب المصرية، لافتا إلى أن الشركة أرجعت سبب الرفض إلى أن العرض المقدم من ميت بروم الروسية غير مناسب لتطوير الشركة وغير مطابق مع دعوة الشراكة.
خطاب نوايا
ويشير إنه من أسباب الرفض هو محاولة إظهار أن شركة الحديد والصلب فى صورة شركة خاسرة، وبالتالى تعزف الشركات عن الشراكة، ومن يشارك يتم استبعاده بحجة عدم المطابقة، لكن هذا غير صحيح، لافتا إلى أنه لم يتم دعوتنا لمناقشة عرضنا ولم يتم إخطارنا رسميا بالرفض وأسبابه، بل علمنا أن العرض تم رفضه من الإعلام وليس من قبل الشركة القابضة، وعندما اتصلنا بالشركة القابضة للاستعلام عن صحة الخبر، تم التأكيد بحجة أن شركتنا لم تلتزم بشرط الالتزام بعمل دخل فى 2021 كما هو بكراسة الشروط .
ويتساءل أيمن الجندى كيف لنا أنا نلتزم بهذا الشرط ونحن ليس لدينا أى بيانات عن شركة الحديد والصلب سوى ميزانيات خاسرة، وإن كان هذا هو السبب لماذا لم يتم دعوتنا ومناقشتنا في عرضنا، خاصة أن العرض مرتبط بمشروعين قوميين آخرين بخلاف إننا تقدمنا لهم بخطابات بنكية وعلى استعداد لتمويل الشراكة و ذلك لجدية العرض.
وحول ملامح العرض يقول إنه يتكون من 3 مراحل:
المرحلة الأولى: إعادة هيكلة الشركة وتصحيح مسارها، مدتها 9 أشهر إلى 12 شهرا.
المرحلة الثانية: تأهيل الخطوط الإنتاجية الحالية والوصول إلى طاقتها القصوى ومدتها سنتين.
المرحلة الثالثة: الاستثمار ورفع الإنتاج إلى 1.2 مليون طن سنويا من خام البليت.
ويضيف إن جميع المراحل ممولة بالكامل من قبلنا على أن يتم إعادة التمويل من إنتاج البليت لاستخدامه في مصنعنا بالمنطقة الصناعية الروسية والبيع بالأسواق سواء محليا أو خارجيا .
دعوة الشركات
ويشير المهندس أيمن الجندى إلى أهمية أن توضح الشركة القابضة المعدنية كيفية دعوة الشركات لشراكة فى تطوير شركة الحديد والصلب لمدة 20عاما، فى حين أن عقد الشركة مع محافظة الوادى الجديد لاستخدام المناجم ينتهى فى 2030 أى بعد 10 سنوات
وقال أيمن الجندى، نائب رئيس شركة ميت بروم الروسية لمنطقة الشرق الأوسط أن الشركة تقدمت بعرض لتطوير شركة الحديد والصلب، نظرا لقيمة شركة الحديد والصلب وإمكانية تطويرها.
ويضيف أن الشركة خصصت نحو 210 ملايين يورو لأعمال التطوير، ولا سيما أن شركتنا لديها اهتمام كبير بشركة الحديد والصلب وتمتد عام 2014، لافتا إلى أن مفاوضات التطوير شهدها 4 وزراء استثمار وقطاع أعمال عام، لافتا أن دراسات شركة ميت بروم الروسية قيمت حجم الاستثمار الذى سيتم ضخه فى المرحلة الأولى بمبلغ يتراوح من 120 إلى 140 مليون يورو، لإنتاج 1.2 مليون طن بليت على 3 مراحل.
وأوضح أن شركة الحديد والصلب تستحق جدية أكبر لتطويرها وإعادتها لقوتها مجددا،لكن أحد اشباب عزوف الشركات العالمية عن دخول مناقصات التطوير هو قلة المعلومات المتوفرة عن الشركة خاصة من الناحية الفنية ولا سيما أن الشركة القابضة المعدنية لم توفر ذلك.
ويقول إننا قمنا بتنفيذ أعمال المحول رقم 1 فى شركة الحديد والصلب، والذى بدأ العمل العام الماضى ونهدف من خلل خطة التطوير إلى ربط الإنتاج بمحطة الضبعة النووية،وبالفعل تم التنسيق مع شركة "روس أتوم" المنفذة لأعمال مشروع الضبعة بجانب دخول شركة ميت بروم فى المنطقة الصمناعية الروسية العملاقة شرق بورسعيد كشركة معتمدة.
ويقول إنه بمجرد تقدمنا رحب عدد كبير من مستثمرى القطاع الخاص المصرى للدخول معنا فى المرحلة الثالثة لتوفر البليت، مشددا إنه تم رفض عرض الشركة دون حتى مناقشتنا فى الأسباب وهو أمر يحتاج إلى إعادة تفكير.
وحول الإطار العام للتطوير يشير أيمن الجندى أن كل مصانع العالم تضم وحدة إنتاج الكوك والصلب فى شركة واحدة، لكننا فوجئنا أن هناك شركة منفصلة تنتج فحم الكوك وتركز على التصدير، مما يحرم شركة الحديد والصلب من توفير كافة الخامات للانتاج اليومى، وبالتالى اقترحنا دمج الشركتين فى شركة واحدة، كما هو الحال فى كل دول العالم فالكوك هو اساسا انتاج الصلب.
يوضح أن أفران الشركة لم تعمل بالطاقة القصوى لمدة 3 اشهر كما أثير مؤخرا لعدم توفر المادة الخام من فحم الكوك واشتغلت فقط بنحو 20% من طاقتها مما يؤكد انه لم يتم تقييم الحالة الفنية لها، مؤكدا أن شركة ميت بروم ترى حالة الشركة قابلة للتطوير.
وبدوره ردا على ما أثاره نائب رئيس شركة ميت بروم الروسية كشف الدكتور مدحت نافع، رئيس مجلس ادارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، إحدى شركات وزارة قطاع الاعمال العام لـ"اليوم السابع" أن الشركة لديها اهتمام كبير بملف تطوير شركة الحديد والصلب.
وقال نافع إن مناقصة تطوير شركة الحديد والصلب تقدم لها شركة واحدة وهى ميت بروم الروسية وبعد دراسة العرض تم رفضه من قبل لجنة البت، مؤكدا أن العرض المقدم للشركة هو بمثابة عرض مقاولات بالإضافة إلى التمويل وليس مشاركة إيراد كما تم تحديده بالدعوة التى تم توجيهها للشركات.
وقال مدحت نافع، إن لجنة البت رفضت العرض، وكان من الممكن أن ترفضه لجنة تلقى العروض من البداية حيث ثبت للجنة البت بعد دراسة العرض أنه لم يكن مطابقاً.
وأضاف نافع، إننا نستهدف من الشراكة، إنتاج نحو 1.2 مليون طن سنويا يحقق للشركة ربحا مناسبا.
وأوضح رئيس القابضة المعدنية، أنه سيتم استغلال الطاقات المتاحة، سواء فى الأفران أو فى المحاجر بجانب استغلال بعض الأصول مثل الأراضى بحيث تكون الشراكة فى الإيراد وليس فى امتلاك الأصول.
وأضاف مدحت نافع، أن الدراسات المتعلقة بتطوير الشركة مازالت محل دراسة وفق حالة الأفران وقطاعات الشركة المنتجة، مؤكدا أنه من المهم عدم ضخ أى استثمارات فى أى شركة بدون جدوى لتلك الاستثمارات حفاظا على المال العام، موضحا أن ما يثار من شائعات حول مصير الشركة غير دقيق.
وتاريخيا بدأت فكرة إنشاء شركة للحديد والصلب فى مصر عام 1932، بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان، وظلت فى إطار الحلم المجرد حتى ظهر على أرض الواقع عندما أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مرسومًا بتأسيس شركة الحديد والصلب يوم 14 يونيو 1954 فى منطقة التبين بحلوان كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب فى العالم العربى برأسمال 21 مليون جنيه.
وفى يوم 23 يوليو 1955 قام عبد الناصر مع أعضاء مجلس قيادة الثورة بوضع حجر الأساس الأول للمشروع على مساحة تزيد على 2500 فدان شاملة المصانع والمدينة السكنية التابعة لها والمسجد الملحق بها، بعد توقيع العقد مع شركة ديماج ديسبرج الألمانية (ألمانيا الشرقية آنذاك) لإنشاء المصانع وتقديم الخبرات الفنية اللازمة.
وبحسب بيانات الشركة فإنها تتكبد خسائر كبيرة منذ سنوات، وحققت خلال الشهور الـ9 الأولى من العام المالى الجارى 531.2 مليون جنيه خسائر، مقابل 456.6 مليون جنيه فى الفترة المقارنة من العام المالى الماضي.
وتراجعت إيرادات الشركة خلال الفترة حيث سجلت 928.04 مليون جنيه بنهاية مارس، مقابل 1.25 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام المالي الماضى.
بدورها شكلت وزارة قطاع الأعمال العام، لجنة لدراسة وتحديد مصير شركة الحديد والصلب بعد عزوف الشركات العالمية فى الصناعة عن الدخول بشراكة لتطويرها، وسيرأس اللجنة المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء السابق، وأعضاء من كلية الفنيين العسكريين، وبعض الجهات السيادية، ووزارة قطاع الأعمال العام لحسم مصير الشركة ودراسة سبل وقف الخسائر وتطويرها.
ويقول المهندس محمد سعد نجيدة رئيس شركة الحديد والصلب الأسبق لـ"اليوم السابع" إن السبب الرئيسى للخسائر هو تناقص الفحم الذى تم توريده للشركة حيث تحتاج يوميا لـ1200 طن فحم فى حين اقصى ما يتم توريده لها يوميا 400 طن فقط ،وبالتالى بعد أن كانت الشركة تعمل بـ4 أفران مكنتها من إنتاج 1.2 مليون طن عام 1998 الآن تعمل بفرن واحد فقط بربع طاقته نتيجة عدم التكامل بينها وبين شركة الكوك التى أنشئت فى الأصل لدعم شركة الحديد والصلب وهو ما كان دافعا لطلب دمج الشركتين فى شركة واحدة.
وأضاف محمد سعد نجيدة لـ"اليوم السابع" أن الفترة الذهبية للشركة كانت فى الفترة من 1968 حتى 1973 الفترة بين حرب الاستنزاف وانتصار أكتوبر حيث وفرت للبلاد كل احتياجاتها من الصلب للأعمال المدنية والعسكرية، حيث كانت الشركة الوحيدة فى مصر.
وأشار إنه على مستوى الشركة بدأ الانهيار مع انهيار بطاريات شركة الكوك عام 2010، حيث تناقص الفحم المورد منها وبالتالى توقفت الأفران، وارتفعت خسائر الشركة لنحو 5 مليارات جنيه.
وقال إن الشركة لم تشتغل بطاقتها القصوى لمدة 3 اشهر مؤخرا ،لكنها اشتغلت فقط بأقل من 20% من الطاقة لعدم توفر الفحم ،وبالتالى لا يمكن تقييم حالة الأفران التى تحتاج للعمل بالطاقة القصوى إلا ان ذلك يتطلب توفير كميات فحم كبيرة لا يمكن لشركة الكوك توفيرها حاليا .
وكشف محمد سعد نجيدة إن هناك أكثر من دراسة لتطوير الشركة سبق وقدمتها شركات عالمية يمكن تنفيذها على ارض الواقع بتكلفة تتراوح من 120 الى 160 مليون يورو ، مشيرا الى ضورة تكاتف كافة الجهات للحفاظ على اسم شركة الحديد والصلب وتطويرها وتنميتها دون التفكير فى تصفيتها مطلقا .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة