الأزمة بين تايوان والصين تعود إلى واجهة الأحداث الدولية مرة أخرى، مع تصاعد حدة الحرب التجارية بين أمريكا والصين، والتى تعد إحدى الأوراق الرئيسية فى يد أمريكا للضغط أكثر على الصين ، القضية الصينية و التايوانية ، تعد واحدة من أقدم الأزمات فى العالم، فبالنسبة للصين دائما ما تؤكد إن تايوان جزء لا يتجزأ منها، وهذا ما أكد عليه الرئيس الصينى، قائلا: إن الاستقلال التايوانى طريق مسدود، وأن الوحدة مع الصين ستحقق، وعلى الصعيد الآخر تتمسك تايوان، باستقلاليتها وهو ما تؤكده بالتدريبات العسكرية برا وبحرا وجوا لصد اي هجوم صينى لاحتلال أراضيهم.
تايوان تجرى تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية
اخبار متتالية تنشرها وكالات الأنباء حول قيام القوات الجوية والبحرية والبرية فى تايوان، بتدريبات على التصدى لقوة غازية، فى حين تعهد وزير الدفاع بحماية الجزيرة فى مواجهة تهديدات عسكرية متصاعدة من قبل الصين ،الامر الذى يضع هذه القضية في بؤرة الاهتمام العالمى
وخلال تدريبات عسكرية سنوية فى أنحاء الجزيرة هذا الأسبوع هبطت مقاتلات على الطريق السريع الرئيسى فى تايوان وتسبب التدريب على الغارات الجوية فى وقف مظاهر الحياة فى المدن الكبرى.
إطلاق قذائف صاروخية
وزير الدفاع التايوانى يؤكد تطلعات الصين لاحتلال أرضه
وقال وزير الدفاع ين تيه-فا للصحفيين وهو يتابع التدريبات "الحزب الشيوعى الصينى يواصل التوسع فى قوته العسكرية دون التخلى عن فكرة استخدام القوة لغزو تايوان".
وتعتبر الصين تايوان المتمتعة بالحكم الذاتى جزءا لا يتجزأ من أراضيها ولم تستبعد مطلقا استخدام القوة لإخضاع الجزيرة لسيطرتها.
وجاءت تصريحات الوزير بعد تزايد التوتر بين الجانبين. وخلال الأسابيع القليلة الماضية أجرى الجيش الصينى تدريبات مكثفة بالسفن الحربية والقاذفات وطائرات الاستطلاع قرب الجزيرة وهى خطوات نددت بها تايوان ووصفتها بأنها نوع من الترهيب، وقال ين إن بكين تهدف إلى "تقويض الاستقرار الإقليمى والأمن عبر مضيق تايوان".
تاريخ القضية بين الصين وتايوان يبدأ عام 1949
للوصول إلى فهم أفضل لقضية تايوان، وأهميتها بالنسبة للصين، يجب استعراض التاريخ، حيث كانت تايوان الواقعة بالمحيط الهادى جنوب شرق آسيا وتتكون من جزيرة رئيسية مستطيلة وعدة جزر صغيرة تبلغ مساحتها الإجمالية 36 ألفا و962 كيلو مترا مربعا ويسكنها 23 مليون نسمة تتبع الصين، حيث لا يفصلها عن الأراضى الصينية سوى 140 كيلو مترا هى عرض مضيق تايوان، ومع نهاية الصراع بين الشيوعيين والقوميين فى الصين عام 1949، أو ما يُعرف بالحرب الأهلية، وانتصار الشيوعيين وإعلان تأسيس جمهورية الصين الشعبية، هرب القوميون فى حزب كومينتانج (الحزب القومى الصينى) إلى تايوان وأعلنوا انفصالها تحت اسم جمهورية الصين.
وظلت تايوان تحتل مقعد الصين فى المنظمات والمؤسسات الدولية وفى مقدمتها الأمم المتحدة حتى مطلع سبعينيات القرن الماضى، بعدما تم التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة وحصلت بكين على المقعد الدائم بمجلس الأمن وحلت محل تايوان فى الغالبية العظمى من المنظمات الدولية، والتى توصف حاليا بأنها منطقة ولا تعترف باستقلالها إلا 22 دولة فقط حول العالم، حيث تعتبر الصين تايوان جزءا لا يتجزأ من أراضيها التى يجب أن يعاد توحيدها.
جانب من التدريبات باستخدام الذخيرة الحية
موقف الرئيس عبد الناصر من تلك القضية
وقد كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية، وتسحب اعترافها بتايوان، وكان ذلك فى بيان بعد اجتماع لمجلس الوزراء المصرى يوم 16 من مايو 1956، حيث تم الإعلان فى البيان نفسه عن سحب الاعتراف، وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وبكين فى 31 مايو من العام نفسه، بعد عام واحد من أول اجتماع بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ورئيس مجلس الدولة ووزير الخارجية الصينى شو ان لاى فى مدينة باندونج فى إندونيسيا على هامش مشاركتهما فى المؤتمر الآسيوى الإفريقى عام 1955، والذى كان نواة لتأسيس حركة عدم الانحياز.
ترامب يعلنها صراحة
كان توقيع الرئيس الأمريكى، فى 31 ديسمبر 2018، قانونا يدعو إلى تعزيز الاتصال الرسمى والتبادل العسكرى بين أمريكا وتايوان، من اهم الاحداث المتعلقة بهذه القضية
بينما كان الحدث الثانى وهو تحذيرات الرئيس الصينى حول هذه القضية، خلال كلمته بمناسبة الذكرى الـ40 لإصدار المجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى "رسالة إلى أبناء الوطن فى تايوان".
ويعتبر ذكر تايوان والتزام واشنطن رسميا بتنمية العلاقات السياسية والعسكرية معها فى القانون الأمريكى الجديد المسمى "قانون مبادرة ضمان تأمين آسيا" هو الأول من نوعه منذ عام 1978، الذى قطعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية علاقاتها مع تايوان وأغلقت سفارتها بها، بعد اعترافها بجمهورية الصين الشعبية، وإعلانها الالتزام بسياسة "صين واحدة"، كإحدى نتائج استئناف الحوار بين البلدين، بعد 6 سنوات من الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون فى فبراير عام 1972 إلى الصين والتقى خلالها الزعيم الصينى الراحل ماو تسى تونج ورئيس الوزراء الصينى شو ان لاى.
المدفعية التايوانية تطلق قذائفها
لذلك يأتى السؤال: لماذا ترغب الصين بضم تايوان بالقوة؟
هدد وزير الدفاع الصينى فى 25 من ديسمبر الماضى بأن "الجيش سيتحرك مهما كان الثمن لإحباط المحاولات لفصل جزيرة تايوان" التى تتمتع بحكم ذاتى وتقول بكين إنها جزءا لا يتجزأ من الصين.
وازداد التوتر بين تايوان والصين بعد أن فرضت الولايات المتحدة، الداعمة لتايوان، عقوبات على الجيش الصينى فى الآونة الأخيرة، إلى جانب الحرب التجارية بين البلدين وتعزيز تايوان والصين المتزايد لوضعيهما العسكرى فى بحر الصين الجنوبي.
وأرسلت الولايات المتحدة، فى أكتوبر الماضى، سفينتين حربيتين عبر مضيق تايوان فى ثانى عملية من نوعها العام الماضي.
وتدهورت العلاقات بين الصين وتايوان أكثر منذ تسلم تساى إينج ون، رئاسة تايوان فى عام 2016، وتنتمى إلى الحزب الديمقراطى التقدمى الذى يميل للاستقلال.
وكثفت بكين العام الماضى من الضغوطات العسكرية والدبلوماسية، ونفذت تدريبات جوية وبحرية حول الجزيرة، وأقنعت بعض الأقاليم التى تدعم تايوان بالتوقف عن ذلك.
تتمتع تايوان حالياً بحكم ذاتى على الرغم من أن بكين تعدها إقليما متمردا على سلطة جمهورية الصين الشعبية الكبرى و"لا يجب أن تتمتع بأى نوع من الاستقلال".
أما تايوان فترى أنها الأحق فى حكم كل من تايوان وجمهورية الصين الشعبية، وكان الرئيس الصينى قد قال فى خطاب له إن: "الطرفين- فى إشارة إلى الصين وتايوان- يمثلان جزءا من العائلة الصينية"، وإن مطالب استقلال تايوان كانت تيارا معاكسا للتاريخ لا مستقبل أمامه".
جانب من التدريبات فى تايوان
محطات مهمة فى الأزمة بين تايوان والصين
مرت قضية تايوان وعلاقتها مع الصين بعدة محطات مهمة، فعقب الانفصال كان التوجس بين جانبى مضيق تايوان سيد الموقف، ومن هذه المحطات المهمة:
1- فى الأول من يناير عام 1979 أصدرت اللجنة الدائمة للمجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى (البرلمان الصينى) وثيقة أطلقت عليها: "رسالة إلى أبناء الوطن فى تايوان"، تضمنت سياسة جمهورية الصين الشعبية، ووصفتها الوثيقة بـ"البر الرئيسى" تجاه تايوان لإعادة وحدة الأراضى الصينية سلميا، ودعت إلى إنهاء الانقسام وتشجيع الزيارات والنقل والخدمات البريدية والتبادل الاقتصادى عبر مضيق تايوان، وهى الوثيقة التى احتفلت الصين بالذكرى الـ40 على إصدارها.
2- عام 1992 تم الاتفاق ضمنيا بين المسئولين الصينيين وحزب كومينتانج على وجود "صين واحدة"، وهو ما تطلق عليه الصين «توافق 1992» ويقوم على أساس دولة واحدة ونظامان، وهو ما تعتبره الصين النظام الأمثل للوحدة، لكنه يلقى معارضة من الحزب الحاكم حاليا فى تايوان والرئيسة الحالية تساى اينج وين.
الطيران فى تايوان
3- شهد عام 2008 تطورا كبيرا، حيث وصل حزب كومينتانج بزعامة ما يينج جيو إلى الحكم فى تايوان، وتم اعتماد سياسة الحوار بين الجانبين، فتحسنت العلاقات التجارية والاستثمارات والسياحة.
4- بلغت العلاقات بين بكين وتايبيه نقطة الذروة فى السادس من نوفمبر 2015، حيث تم عقد لقاء قمة بين زعيمى الصين وتايوان فى سنغافورة، وسبقته مصافحة تاريخية كانت الأولى منذ انفصال تايوان عام 1949، وخلال القمة، التى تم الاتفاق قبلها على أن ينادى كل من "شى جين بينج" و"ما يينج جيو" الآخر بلقب "السيد"، لتجنب كلمة رئيس، حيث لا تعترف الصين بأن تايوان دولة مستقلة، وتحدث الزعيمان عن المستقبل بشكل جيد، حيث قال الرئيس الصينى: "إنه يوم مميز. نحن عائلة واحدة، ومهما يطل الانفصال لا تستطيع أى قوة أن تفصلنا لأننا أخوة تجمعنا صلة الدم. والعظام تنكسر لكنها لا تنفصل". بينما دعا ما يينج جيو إلى الاحترام المتبادل بين الجانبين، وقال: "حتى إذا كان هذا اللقاء الأول نشعر بأننا أصدقاء قدامى. وأمام أنظارنا الآن ثمار المصالحة بدلاً من المواجهة".
5- مع فوز الأكاديمية السابقة تساى إينج وين، زعيمة الحزب الديمقراطى التقدمى المعارض فى تايوان بالانتخابات الرئاسية فى يناير 2016، لتصبح أول امرأة تتولى حكم تايوان، تراجعت وتيرة الحوار مع بكين، حيث يعارض الحزب العودة للصين، ويعلن عدم اعترافه بمبدأ "صين واحدة"، الذى تتمسك به بكين.
ترامب يدخل على خط الأزمة
يبدو أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وجد فى تايوان ورقة ضغط يمكن أن يستخدمها فى مواجهة الصين، فالقانون الذى وقعه فى آخر يوم من عام 2018 لم يكن الإشارة الوحيدة إلى ذلك، فبعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم 8 من نوفمبر 2016، وقبل أن يتسلم السلطة قام بأول خرق للسياسة الدبلوماسية، التى تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1978 تجاه تايوان، حينما تحادث هاتفيا مع رئيسة تايوان تساى اينج وين، وهو ما احتجت عليه الصين رسميا وقتها، وطالبت الولايات المتحدة باحترام مبدأ "صين واحدة"، وكان رد ترامب من خلال تويتر فى تغريدة: "رئيسة تايوان اتصلت بى لتهنئتى على فوزى بالرئاسة. شكرا"، وفى تغريدة ثانية قال ترامب: "من المثير كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية تبيع تايوان معدات عسكرية بمليارات الدولارات، وبالمقابل ينبغى على أنا ألا أقبل الرد على اتصال للتهنئة"!.
وهو ما يؤكد أن ترامب كانت لديه نية واضحة لاستخدام تايوان كورقة ضغط فى العلاقات مع الصين، قبل عامين من توقيعه "قانون مبادرة ضمان تأمين آسيا"، الذى احتجت الصين رسميا عليه أيضا، حيث أكد المتحدث باسم الخارجية الصينية لو كانج فى الثانى من يناير الحالى: "هذا القانون ينتهك مبدأ صين واحدة والأحكام الواردة فى مبادئ البيانات الصينية الأمريكية الثلاثة المشتركة على نحو خطير، ويتدخل بشكل صارخ فى الشئون الداخلية للصين".
الصين ترد على ترامب
ولقطع الطريق على محاولات ترامب استغلال ورقة تايوان لم تكتف الصين بالاحتجاج على القانون الأمريكى الجديد، حيث لم يترك الرئيس الصينى فرصة ذكرى مرور 40 عاما على صدور وثيقة "رسالة إلى أبناء الوطن فى تايوان" دون أن يحذر بلهجة شديدة خلال كلمته فى احتفال بتلك المناسبة، حيث أكد أن "قضية تايوان شأن داخلى للصين ولا تسمح بأى تدخل خارجى"، مشددا على أن "شئون الشعب الصينى ينبغى أن يقررها الشعب الصينى، وأن قضية تايوان تتعلق بالمصالح الجوهرية للصين والمشاعر الوطنية للشعب".
وألمح الرئيس الصينى إلى أنه، رغم حرصه على عودة تايوان سلميا، فإنه لم يستبعد احتمال اللجوء إلى القوة، حيث قال شى إنه "يجب وستتم إعادة توحيد الصين"، وفى إشارته إلى أن "الصينى لا يقاتل الصينى"، أكد: "لا نقدم وعدا بالتخلى عن استخدام القوة، ونحتفظ بخيار اتخاذ كل الوسائل الضرورية"، لكنه أوضح أن هذا "لا يستهدف أبناء الوطن فى تايوان، بل تدخل قوى خارجية والشرذمة القليلة للغاية من انفصاليى استقلال تايوان ونشاطاتهم".
وهو ما يعنى أن الصين لديها إصرار على موقفها من مطالبة جميع الدول باحترام مبدأ "صين واحدة"، وعدم التدخل فى قضية تايوان، باعتبارها شأنا صينيا داخليا، فهل تحترم إدارة ترامب هذا التوجه، أم ستواصل استغلال ورقة تايوان للضغط على الصين؟، خصوصا بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، والتى يرى الخبراء أنه سيقابلها تركيز أمريكا فى منطقة جنوب شرق آسيا، وخصوصا فى بحر الصين الجنوبى.. هذا ما ستكشف عنه الأشهر المقبلة؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة