قبل يناير 2011 كان جهاز الشرطة قوى ومحترف وفجأة انهار بفعل المؤامرات الداخلية والخارجية فى أحداث يناير، ولولا انتشار القوات المسلحة فى هذه الآونة بالشوارع والطرقات لانهارت كافة مؤسسات الدولة.
بعد 2015 استرد جهاز الشرطة قوته، بفعل الدعم السياسى الكبير "المادى والمعنوى"، وبفضل وعى الشعب وحسرته على أيام مضت كان فيها الجميع آمنًا.
وبسرعة البرق استردت الشرطة حرفيتها فى قطاعات الأمن الوطنى، الأمن العام، قوات الأمن، جهاز المباحث، الأمن المركزى وغيرها، وبفضل هذه الحرفية عاد الأمن والأمان ودخل الأشرار الجحور وسارت السيدات آمنات بعد منتصف الليل وتوقف النهب وسرقة المال العام والخاص، واختفت البلطجة وساد القانون أرجاء الوطن وأصبح بحق فوق الجميع.
ولأن الحديث الشامل عن نجاحات الشرطة يحتاج الكثير من الكتابة ما يصيب توصيل الفكرة بالقصور ويرهق القارئ فسنقتصر حديثنا اليوم على جزئية بسيطة لكنها فى منتهى الخطورة، وهى مواجهة الجريمة الثأرية التى يتميز بها إقليم الصعيد وفى القلب منه أسيوط.
وبادئ ذى بدء يمكن القول بأن الأرض الزراعية وتشاجر الأطفال أبرز أسباب الخصومات الثأرية، التى تزايدت فى الفترة من 2011 وحتى 2015، تحديدا، فما قبل وما بعد هذه السنوات كان الوضع مختلف بشكل كبير.. لماذا؟.
فى الصعيد القبلية والعصبية هما المسيطران فلا قوة تجعل المواطن يقبل التنازل عن حقه، وهذا معناه أن رجل المباحث يجب أن يطبق القانون العرفى بجانب القانون الجنائى، مثلا: لو أن صعيديان اختلفا على الحد الفاصل بين الأرض الزراعية أو أحقية أيهما بشراء قطعة أرض وتوجه أحدهما إلى قسم أو مركز الشرطة وحرر محضرا وتوجه وخصمه إلى النيابة فالمشكلة لن تنتهى فى الغالب وتتحول إلى جريمة قتل أو شروع فيه ومن هنا بدأنا خصومة ثأرية جديدة.
لماذا؟
النيابة تطبق القانون بحذافيره وتصدر قرارات تخالف العرف السائد فينصرف المتصارعان من سراياها ويعودا للأرض ويجلبان الأسلحة النارية ويتبادلان إطلاق النار فيسقط ضحية ويسجن الجانى، ونبدأ صراعا ثأريا قد يمتد لعشرات السنوات.
وإذا تحدثنا عن الفترة الحالية نقول إن الحل فى أسيوط يكمن فى يد رجال المباحث اللذين يطبقون العرف والقانون فى آن واحد بقيادة اللواء منتصر عويضة مدير المباحث – شفاه الله- الذى عمل فى الصعيد سنوات طويلة أدرك فيها طبيعة العقلية البشرية هناك وفى مقدمتها"ألا استقرار دون الحصول على الحق"، ويبدو أن اللواء منتصر أصدر تعليماته ونصائحه لرجالة من رؤساء مباحث الأقسام والمراكز فى إطار سياسة متفق عليها بين القيادات الشرطية فى المحافظة بإشراف اللواء جمال شكر مدير أمن أسيوط والذى استشهد قبيل مغرب هذا اليوم.
عمليا وبالمتابعة نجح رجال مباحث مركز شرطة أبوتيج بقيادة الرائد أحمد حربى ومساعديه من النقباء أحمد صلاح وفادى سليمان وعمر المعبدى ومحمود القاضى وآخرون فى وأد عشرات الخصومات خلال شهور قليلة من خلال المتابعة الدقيقة لبدايات المشاكل والاستعانة بكبار العلائلات فى القرى والنجوع المعروف عنهم القدرة فى حل المشكلات بجانب شن حملات مكثفة على الأطراف المتصارعة لجمع الأسلحة النارية وإجبار المعتدى على الرضوخ ما ساهم فى نشر السلام المجتمعى وفق القواعد التى أقرها العرف ويتعايش وفق لها الناس.
والوضع فى مركزى أبوتيج وأبنوب الذى يتبعها قرية المعابدة الأشرس ثأريا على مستوى الجمهورية ظل ملتهبا خلال السنوات العجاف "2011 – 2015" بسبب ضعف الجهاز الأمنى وارتعاش يد الضباط فى ظل فوضى ثورية أو احتجاجية ورضوخ القيادة الأمنية للابتزاز باسم القانون تارة وحقوق الإنسان تارة أخرى فضلا عن المكايدات السياسية التى بلغت مداها فى هذه الفترة تحديدا.
إن هذه السياسة الأمنية التى قهرت الجريمة الثأرية فى أسيوط تبناها وحرص على تنفيذها اللواء جمال شكر مدير أمن أسيوط الذى وافته المنية اليوم عندما انقلبت سيارته فى الطريق الصحراوى الغربى حال مروره على الأكمنة، وهى ذات السياسة التى طبقها بحرص شديد مدير المباحث الجنائية اللواء منتصر عويضة الذى أصيب بكسور بالغة فى الحادث نفسه، ويبقى السؤال الأهم: هل ينال رجال الشرطة الذين يضحون بحياتهم من أجل الوطن التقدير الشعبى الكافى؟.. فى تصورى أن هناك تقديرا كبيرا لكنه لم يصل إلى مستوى تضحياتهم، فشكرا لكل رجال الشرطة اللذين يسهرون على أمننا ويضحون بحياتهم من أجل استقرار الوطن وتقدمه، وشكرا للقيادة التى لا تبخل بأى دعم من أجل مواكبة جهاز الشرطة المصرى أفصل سبل التصدى للجرائم التقليدية والمبتدعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة