بعدما زار الملائكة الكرام سيدنا إبراهيم وبشروا السيدة سارة بطفل، وبعدما قدم لهم النبى الكريم مائدة الطعام، فلم يمدوا أيديهم إليها مؤكدين أنهم جاءوا لرسالة معينة تتعلق بقوم لوط المجرمين، وهنا خشى سيدنا إبراهيم على ابن أخيه «لوط» وراح يجادل الملائكة فى الأمر، لكن أمر الله فيهم كان قد قُضى.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة هود «وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)»..
ويقول الطبرى فى تفسيره، قال أبوجعفر: يقول تعالى ذكره: ولما جاءت ملائكتنا لوطًا، ساءَه مَجيئهم، وهو «فعل» من «السوء»، (وضاق بهم)، بمجيئهم (ذَرْعًا)، يقول: وضاقت نفسه غما بمجيئهم، وذلك أنه لم يكن يعلم أنهم رسلُ الله فى حال ما ساءه مجيئهم، وعلم من قومه ما هم عليه من إتيانهم الفاحشة، وخاف عليهم، فضاق من أجل ذلك بمجيئهم ذرعًا، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عن أضيافه، ولذلك قال: (هذا يوم عصيب).
إذن تدور أحداث قصة لوط عليه السلام مع قومه فى منطقة تدعى (سدوم) ولوط عليه السلام، وهو ابن أخى إبراهيم الخليل، عليهما السلام، كان قد آمن مع إبراهيم عليه السلام، وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله تعالى إلى أهل (سدوم) وهى اليوم من أراضى فلسطين المحتلة، وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله عز وجل، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم، وما يقترفونه من الفواحش، التى لم يسبقهم بها أحد من بنى آدم، ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور.
لكن موقف قوم لوط عليه السلام من الدعوة تمثل فى الصد والاستهزاء والاستخفاف والوعيد والتهديد، وهو ما عبرت عنه الآيات الكريمة: {أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} (الأعراف:82)، {قالوا أولم ننهك عن العالمين } (الحجر:70)، {قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين} (الشعراء:167)، {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} (العنكبوت:29). فهم لم يفعلوا ما فعلوه على استحياء وغفلة من الناس، بل أعلنوا فى فاحشتهم، وظاهروا فى باطلهم، استخفافاً بما جاءهم به لوط عليه السلام، واستهزاء بالقيم والفضائل والأخلاق.
ومن هنا أرسل الله سبحانه عدداً من الملائكة لطمأنة لوط عليه السلام، وتثبيته على موقفه، {وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك} (العنكبوت:33). وقد أنكر هذا الوفد السماوى عمل أهل هذه القرية، ووصفوه بالظلم الذى يستوجب العذاب الأليم، {قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين} (العنكبوت:31)، {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون} (العنكبوت:34).
وكان العقاب أن (فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} (الحجر:73-74)، وقال تعالى: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود} (هود:82). وقد بين سبحانه أن حكمته قد اقتضت أن يجعل عاقبة هؤلاء الظالمين باقية بعدهم، لتكون عبرة وعظة لغيرهم، فقال عز من قائل: {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} (العنكبوت:35).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة