همت السيدة هدى شعراوى «رائدة المرأة العربية الحديثة» بالخروج غاضبة من لقائها بالزعيم سعد زغلول باشا، فقام خلفها كى تعود.. وذلك فى لقائهما بمنزله يوم 5 أبريل 1925، وسعت هى لهذا اللقاء.. «راجع.. ذات يوم 5 أبريل 2019».
مضى الحوار عاصفًا بين الاثنين، وامتد أثره عند «شعراوى» إلى اليوم التالى للقاء، 6 أبريل – مثل هذا اليوم 1925، خاصة وأنها ردت عليه بغضب حين قال لها: «أتظنين أنه كان من السهل أن أوافق على مقابلتك بعد كل مافعلت بى؟»، ثم قامت للخروج، وتتذكر: «قام خلفى، وأمسك بيدى وقال: اعذرينى.. لقد تعديت حدود اللياقة، فلاتغضبى»، وتضيف: «أجبرنى على الدخول ثانية والجلوس واستئناف المناقشة بعد عتاب تناول بعض الموضوعات الشخصية، مثل عدم سؤالى عنه وهو مريض، فأعطيته الحق فيما هو محق فيه وأعطيت نفسى الحق فيما لاحق له فيه».. وعند استئناف الحديث قال: «من يقول إن سعدًا يكره الاتحاد؟ ألست أنا الذى بذلت كل جهدى لكى أمنع الانقسام والخلاف وأنا فى أوروبا؟ ثم بعد أن عدت إلى مصر ألم أذهب بنفسى لزيارة خصومى فى بيوتهم»، ويقصد بذلك زوجى على شعراوى»، واجتهدت فى أن ألم شعثهم».
ردت: «هذا صحيح، ولكنك بعد ذلك قمت فورًا تنشر الانقسام.هل نسيت خطبتك التى ألقيتها فى شبرا وغيرها».. «كانت خطبة شبرا يوم 25 أبريل 1921، وحسب الدكتور محمد حسين باشا هيكل فى مذكراته: «وصف سعد، عدلى يكن باشا وأصحابه بأنهم برادع الإنجليز».
واصلت أسئلتها: «لماذا لم تترك عدلى يسافر؟وما الذى صنعه عدلى؟إنه لم يفرط فى شىء؟ بل رفض مشروع كيرزون» وزير الخارجية البريطانية»، ورجع موفور الرأس موفور الكرامة، فهل كان يستحق المقابلة التى قوبل بها.. أضافت: لهذه المناسبة، هل لك أن تقول لى ماهى الخيانة التى ارتكبها ثروت حتى اقتنع بأنه خائن؟ هل لك أن تبرز ماعندك من الأدلة على خيانته، فقد داخلنى فى الرجل الشك وقتًا لما رميته بالخيانة، وكنت أنتظر منك عند تسلمك مقاليد الحكم بعده أن تقدم الأدلة على خيانته؟.
قال: «نعم.. كيف لم يرتكب أكبر خيانة؟ إنه انتهك حرمة منزلى فى غيابى وأمر بتفتيش أشياء من زوجتى». تصف «شعراوى» حالتها أثناء سماعها لكلامه: «هنا لم أتمكن من منع نفسى من مقاطعته قائلة: «هل هذا كل ما اٌقترفه،إذن المسألة شخصية لاتمس حقوق البلد فى شىء..وإن كنت ترى فى عمل ثروت هذا خيانته للبلد،فاسمح لى أن أخالفك فى هذا التقدير»، فرد بحدة قائلا: «لماذا تقاطعيننى.. دعينى أتكلم، كيف ترين هذا قليلا وقد أقدم عليه موعزا من الإنجليز؟. قلت: وما الذى يثبت لك ذلك؟.هل وجدت عندما وليت الحكم وتسلمت أوراق الوزارة مايثبت هذا الظن؟.قال: مرة ثانية: «ألم تقرأى الكتاب الأبيض؟. قلت: وماذا يقول ذلك الكتاب الأبيض؟». قال: «إذا كنت لم تقرئيه، فكيف تقولين إنك تشتغلين بالسياسة؟.قلت: «لقد قرأته، ولكن لم أجد فيه شيئًا مما تقول». قال: «ألم تقرئى فى الفقرة التى كتبت فيه لمناسبة قفل بيت الأمة والاعتداء على أشياء زوجتى بتفتيشها أن بعض رجال الدوائر الحكومية ارتاحوا لهذا العمل.. قلت: وهل هذا دليل أن ثروت كان ذلك المرتاح؟.ربما كان غيره، ولو فرضنا أنه ارتاح لهذا العمل فله بعض العذر، فثروت ليس ملاكًا يتغاضى عن كل المساوئ ولقد أسأت إليه كثيرا، فهو إنسان وعنده نفس، وله العذر إن كان قد تشفى فيك».
حمل كلام هدى شعراوى ألغازا فيما يتعلق بخلافات سعد زغلول مع رفاقه أثناء ثورة 1919، وفيها رفضه تشكيل عبد الخالق ثروت باشا للحكومة«3 أبريل 1922»، وخلافه الشهير مع عدلى يكن باشا،ويصف أحمد بهاء الدين الحالة بينهما فى كتابه«أيام لها تاريخ قائلا:«هذان العظيمان.. كل منهما جاء من نبع، وسار فى واد، كل منهما كان يمثل تيارا معينا..فاتفاقهما تحالف بين التيارين،وخلافهما صراع بين القوتين..يكتب فيه النصر لتيار والهزيمة لآخر، ومن النصر والهزيمة يولد التطور.. عدلى سليل الأسرة التركية العريقة، وربيب الطبقة الحاكمة فعلا، وابن الذوات الذى ولد ليجد كل شىء مهيأ لاستقباله: التعليم الرفيع، الآفاق الأوروبية الحديثة، الصداقات الكبيرة التى تمهد سبل الوصول السريع، فإن حدث وذهب إلى الريف فهو يذهب إلى أملاكه لاإلى بلدته.. وسعد الفلاح ابن الفلاحين، الذى نجد بين أخوته من يحملون أسماء شلبى وستهم وفرحانة، وإن كان من طبقة متوسطة ميسورة الحال».
يذكر بهاء، أن عدلى باعتباره رئيس وزراء سافر إلى لندن فى يوليو 1921 على وفد كبير يتكون من 30 عضوًا، ومكث هناك خمسة شهور متواليات اتصلت فيها المفاوضات مع الإنجليزعبثًا، ولما عاد «قابلته الجماهير بإلقاء الأوساخ والقاذورات على رأسه وهو جالس فى سيارته، لذلك فلم يكد يصل حتى قدم استقالته من الوزارة».
ومازال للحوار بقية..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة