وصل الرئيس جمال عبد الناصر إلى موسكو، فى أول زيارة لزعيم من زعماء الدول النامية للاتحاد السوفيتى، والتقى بالرئيس السوفيتي «خروتشوف» يوم 29 إبريل، مثل هذا اليوم، عام 1958، حسبما يذكر محمد حسنين هيكل فى كتابيه «عبدالناصر والعالم» و«سنوات الغليان».
تمت الزيارة بعد أسابيع من قيام الوحدة المصرية السورية فى 22 فبراير 1958، وكان موقف«موسكو» فى البداية حذرا منها، ويذكر هيكل: «نشرت جريدة البرافدا الناطقة بلسان الحزب الشيوعى السوفيتى خبر إقامة الوحدة فى إحدى صفحاتها الداخلية.. وكان حجم الخبر الذى هز الشرق الأوسط هو ثلاثة عشر سطرا فقط».
يؤكد أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو»، أن خالد بكداش، زعيم الحزب الشيوعى السورى، غادر سوريا بعد جلسة مجلس النواب السورى التى عرض فيها مشروع الوحدة، ويذكر نقلا عن بكداش له، أنهم عرضوا وجهة نظرهم فى هذه الجلسة وهي: «أن يؤخذ فى كل مشروع أو سعى إلى الوحدة، الظروف الموضوعية، فى كل بلد، بعين الاعتبار، فحتى بعد إزالة الإقطاعية والبورجوازية الكبيرة من الحكم، تبقى لكل بلد ظروفه الموضوعية، وإن تغير محتواها أو طرأ عليها بعض التعديل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ويجب التمهيد للوحدة العربية، بإقامة علاقات اجتماعية أخوية بين البلدان العربية المتحررة، تخلق جوا من الثقة المبتادلة التى يجب أن تتعاظم خلال التعاون السياسى والثقافى والاقتصادى».
يذكر الدكتور سامى عمارة الكاتب والباحث المتخصص فى الشأن الروسى، فى حلقاته «قصة الخلاف بين خروشوف وعبدالناصر»..«الأهرام- 28 يوليو 2014»: «الأحداث التى شهدتها المنطقة إبان سنوات الوحدة بين مصر وسوريا دفعت بالعلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى إلى مجرى التوتر والخلافات، ولم تكن مضت طويلا على دروب الاتفاق تحت وقع الحملات المضادة من جانب الشيوعيين السوريين، وكذلك الرئيس العراقى عبدالكريم قاسم والشيوعيين العراقيين، وزاد من حدة التوتر جنوح القيادة السوفيتية الحزبية صوب تبنى توجهات الرفاق وتأييدهم فى مواجهة القوميين، ممن كانوا يحظون بتأييد عبدالناصر، فضلا عن بدء حملة اعتقالات الشيوعيين المصريين فى 1958، مما كان فى صدارة أسباب حملات التلاسن الكلامية بين الزعيمين ناصر وخروشوف»..
يذكر «هيكل»: «كان عبدالناصر يشعر بضيق الاتحاد السوفيتى، وإن كان يحاول بكل الجهود إخفاءه والتغطية عليه».. ويؤكد:«لم تحبب هذه الأحداث عبدالناصر إلى قلب خروشوف.. ومع ذلك ظل خروشوف يراقب مسيرة عبدالناصر بافتتان».. يضيف:«كانت الطريقة التى استقبل بها عبدالناصر فى سوريا»، خروج الشعب السورى فى استقباله أثناء أول زيارة له لسوريا يوم 24 فبراير 1958»، والتأثير الذى كان يحدثه فى العالم العربى، وشعبيته الهائلة من العوامل التى أثارت حيرة الاتحاد السوفيتى».
يتذكر هيكل: «أذكر أننى فى عام 1957 كنت أرافق وفدا ذهب إلى موسكو للاشتراك فى الاحتفال بالذكرى الأربعين للثورة السوفيتية، وكان ماوتسى تونج «الزعيم الصينى» هناك، وذات يوم بينما كان يتباحث مع خروشوف فيما فعله عبدالناصر فى السويس«تأميم قناة السويس 1956» قال له الزعيم الروسى: «أتعرف أننا نحاول أن نقنعه بالمجىء لرؤية الاتحاد السوفيتى، إنه يعتقل الشيوعيين فى بلاده، ومع ذلك فإننا نريد أن يرى ما تفعله الشيوعية».
وفقا لتأكيد هيكل، فإن عبدالناصر أدرك أن الأمور مع السوفيت تحتاج إلى مناقشة صريحة فاستجاب لدعوة الزيارة، ويذكر فى «سنوات الغليان»: «كان جدول أعمال المباحثات الذى حمله معه فى رحلته مستوحى بالكامل من مؤتمر سرى عقدته الأحزاب الشيوعية العربية فى «صوفيا عاصمة بلغاريا»، واتضحت منه خطوط سياستها للمرحلة المقبلة.. كانت المقررات السرية للمؤتمر تقوم على ثلاث فرضيات وجدها عبدالناصر وجهة نظر خاطئة، وأكثر من الخطأ فإنه كان يمكن أن تصبح خطيرة إذا تبناها الاتحاد السوفيتى كسياسة له بناء على نصيحة أصدقائه المقربين من الشيوعيين العرب.
كانت هذه الفرضيات الثلاث:1- أن الصلح مع إسرائيل لابد منه لأنه الطريق إلى توحيد كل جهود المنطقة ضد المصالح الاستعمارية الغربية..2-أن الوحدة العربية دعوة رومانسية عاطفية، ومهما قيل عن تأثيرها العاطفى والمستقبلى لا يمكن فى الظروف الحالية إلا أن تكون وسيلة لفتح أسواق أكبر أمام البرجوازية العربية..3- إن الأحزاب الشيوعية يجب أن يتم الاعتراف بها، وأن تتمكن من تحقيق تعاون بينها على مستوى المنطقة كلها».
وبدأت الزيارة، وحسب هيكل فى «عبدالناصر والعالم»: «خرج الطلاب العرب من جامعة موسكو عن طورهم فى الهتاف والتهليل له، وتهاوت زوجة القائم بالأعمال السورى فى موسكو مغميا عليه عندما قدمت إليه، ورأى خروشوف هذا المشهد، ولما سأل عن السبب قيل له: «من الانفعال»، لكنه وجد ذلك مدعاة للحيرة البالغة»..وكان اللقاء الأول بين خروشوف وعبدالناصر عاصفا، فماذا حدث فيه؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة