تحمل ألحانه وأغانيه جزءا كبيرا من ملامح روحه المرحة الطيبة، كما يحمل هو جزءا كبيرا من ملامح مصر وشعبها وطيبة أهلها وحكمتهم وصمودهم وقوة إرادتهم وخفة ظلهم التى تعينهم على الابتسام والضحك حتى فى أصعب الأزمات، هكذا كان الموسيقارالكبير سيد مكاوى الذى تحل ذكرى وفاته اليوم وهكذا كانت كل أعماله وروائعه المحفورة فى أذهاننا جميعا والتى تمثل جزءا من كنوزنا وتراثنا الفنى الأصيل، تحمل البهجة والفرح والأمل والصمود والنصر، وتصف مصروأهلها.
فمن منا لا يتذكر مسحراتى الفن الذى أصبح معلما من معالم شهر رمضان ورسم بألحانه وصوته وكلمات الشاعر فؤاد حداد حياتنا بالنفصيل، وكيف شكل وجداننا وألهب حماسنا بروائعه مع صديقه المبدع صلاح جاهين ومنها "الأرض بتتكلم عربى ، هنحارب ، الدرس انتهى لموا الكراريس ، والرباعيات " ، فضلا عن أوبريت الليلة الكبيرة.
"ماتسيبنيش أنا وحدى ، أنا هنا ياابن الحلال ، أوقاتى بتحلو ، شعورى ناحيتك ، وحياتك ياحبيبى ريح قلبى معاك ، يامسهرنى" ومئات الروائع التى تحمل توقيع سيد مكاوى وبصمته وخفة ظله وبهجته والتى شدا بها عمالقة الطرب ، ومنهم كوكب الشرق أم كلثوم.
ورغم أن مسحراتى الفن المولود عام 1928 فقد البصر منذ طفولته ، بعدما أصابه التهاب فى عينيه وعالجَته أمه بالطب الشعبى نظرًا لفقر أسرته، وذلك بإضافة مسحوق البُنّ فى عينيه، ففقد بصره بالكامل، إلا أنه ظل طوال حياته يرى بنور البصيرة ويتندر على هذه الواقعة ويتعامل وكأنه مبصر وهو ما تحدثت عنه ابنته أميرة سيد مكاوى والتى أكدت فى حوار لنا معها أنها ظلت تعتقد أن والدها مبصر ولم تصدق أنه فاقد للبصر.
وقالت ابنة مسحراتى الفن :"رغم مرارة واقعة فقد أبى لبصره إلا أنه كان يتذكرها ضاحكًا، ويقول: «مش كانوا يحطُّوا لى شاى أظرف؟»،
وأوضحت أنه بعد هذه الواقعة أرسلته والدته ليتعلم القرآن فى الكتاب كما كان يحدث مع كل ممن فقد بصره، حيث حفظ القرآن كاملًا، ثم توفى والده واضطر أبى إلى إعالة الأسرة حيث عمل مقرئًا ومنشدًا فى الموالد.
وتابعت أميرة سيد مكاوى :"ظللت طوال طفولتى على يقين بأنه مبصر، حيث كان يتحرك بسهولة دون مساعدة، ويلعب الدومينو بحرفيةِ ولا يستطيع أحد أن يغلبه! كما كان يصلح الأجهزة حين تتعطل فى المنزل، وعندما كبرت كنت أقف أمام غرفته دون أن أصدر أى صوت فأجده ينادينى، تعالى ياست «ميللو» وهو الاسم الذى يداعبنى به، وفى إحدى المرات دخلت وظللت أنظر فى وجهه، فإذ به يباغتنى: «بتبصّى لى كدا ليه؟» فضحكت وقلت له أنت أكيد بتشوف ياأبو السيد ومخبى علينا"
وأضافت :" عندما طلبت من والدى أن يصفنى ،وصف وجهى وبشرتى بالتفصيل، وعندما سألته: عرفت شكلى منين؟ ابتسم وأجاب: بقلبى، مش مهمّ شكلك اللى الناس بتشوفه، اللى أنا بشوفه هو الأصحّ، لأنى بشوف بقلبى، بشوف ملامح الروح وصوت قلبك، وبعرفك من خطوتك، وكل واحد ليه فى ودنى بصمة باعرفها من بعيد"
تؤكد أميرة سيد مكاوى أن الدولة عرضت على والدها فى عهد عبدالناصر السفر لإجراء جراحة فى الاتحاد السوفيتى، وكانت وقتها بدأت عمليات زراعة العيون ولكنه رفض.
وأوضحت : عندما سألته عن السبب قال لى : الخيال ده حاجة جبارة، أنا بتخيَّل كل حاجة، يعنى أنا متخيل الشجرة حاجة، أفتح ألاقيها حاجة غيرها؟ أتصدم فيها ليه؟ وكأنه يرفض أن يخرجه أى شىء عن عالمه وخياله حتى وإن كان استعادة بصره"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة