بادئ ذى بدء، أحب أن أوضح أن كلمة "الحب" هنا، ليس المقصود بها العلاقات العاطفية فقط، وإنما تسرى كذلك على كل عاطفة، قد تربط بين الأصدقاء والأشقاء، أو أى علاقة إنسانية يكون الحب أحد بنودها، إن لم يكن أهم بند فيها على الإطلاق.
كم مرة قلنا ورددنا جملة "بحبك.. ولكن"، مثل بحبك ولكن أكره أنانيتك، أو بحبك ولكن أخشى غدرك، أو بحبك، ولكن لا أشعر معك بالأمان، أو بحبك، ولكن لا أستطيع أن أفهمك، أو بحبك، ولكن لا أشعر معك بالسعادة، أو بحبك، ولكن أراك شخصًا غير الذى عهدته من قبل، وكثير من الجمل والكلمات التى تأتى بعد كلمة "لكن"، لتغير مجرى كلمة "بحبك" تمامًا، وهنا علينا أن نقف عند كلمة "ولكن"، ونتعمق فى الكلمات التى تأتى بعدها؛ لأنها قد تهدم كلمة "الحب" من الأساس.
فالحب ليس كما يظنه الكثيرون، مُجرد مشاعر جميلة ومُتدفقة، تملأ فراغ الإنسان، وتجعله يعيش فى حالة نشوى وسكينة، فهذا بالفعل بداية الحب، أو بمعنى أدق هو الفصل التمهيدى له، ولكن أهم عنصر من عناصر الحب هو الاستمرارية، فإذا شعرنا بالحب والتعلق والتعود مع إنسان، ولكن نما بداخلنا شعور الخوف من الغدر، أو عدم القدرة على الشعور بالأمان معه، أو الخوف من تصرفاته المفاجئة، أو إحساسنا بأنه لم يعد الشخص الذى عرفناه فى البداية، فهنا يستحيل الحب إلى مشاعر يملؤها الاضطراب، والاضطراب والحب لا يجتمعان.
فأذكر أننى فى العام الماضى فى مثل هذه الأيام على وجه التحديد، شاهدت مسلسلاً تلفزيونيًا قديمًا بعنوان "بعد العاصفة"، وهو من تأليف "حنيفة فتحي"، وبطولة "يُسرا ومصطفى فهمى وسعيد عبد الغني"، وهو يحكى عن صحفية شابة طموحة تُدعى "سامية" وقد وقعت فى حب زميلها، رئيس التحرير الشاب "مصطفى فهمي، ويُدعى "صلاح"، ثم اكتشفت أنه خدعها، وأنه مُرتبط بفتاة أخرى، وعندما صُدمت واهتزت ثقتها فيه، حل ارتباطه بالفتاة الأخرى؛ لأنه كان يحب "سامية" بالفعل، ولكن فى هذه الفترة، حاول صديقه الفنان التشكيلى الشهير "إبراهيم"، وقام بدوره الفنان "سعيد عبد الغني"، بالوقوف إلى جوارها، حتى خرجت من أزمتها واستعادة ثقتها فى نفسها، وعندما حاول "صلاح" الرجوع إليها رفضت، وعندما سألها "إبراهيم" عن السبب، رغم يقينه أنها مازالت تحب "صلاح"، أجابت بأنها تحبه، ولكنها لن تنسى ما فعله بها، وبمرور الأيام، تحولت مشاعرها، واتجهت إلى "إبراهيم"، رغم أنه كان فى عُمْر والدها، والغريب أنه كان يُبادلها ذات المشاعر، ولكنه كان يخشى أن تكون لازالت تحب صديقه "صلاح"، ولكنها فاجأتها بأنها كتبت قصتهم ونشرتها، بعنوان "بعد العاصفة".
وهذا العنوان يدل على أن مشاعرها هدأت، واستقرت بعد أن كادت العاصفة أن تُودى بها، وسبب استقرار مشاعرها؛ هو وقوف "إبراهيم" إلى جوارها، واحتوائه لها، وعندما تم نقد روايتها؛ بسبب دفاعها عن الزواج الذى يكون فيه فارق فى السن بين الزوجين كبيرًا، قالت: "أن كل حالة لها ظروفها".
ومقصدى من هذه المقال هو أن هذه الفتاة انتهت مشاعرها تمامًا، عندما أتت كلمة "ولكن" بعد كلمة "الحب"، فهى رفضت العودة لحبيبها؛ بسبب كلمة، ولكن لن أنسى ما فعله معي، ولكنها لم تقل على "إبراهيم" أحبه.. ولكن يوجد فارق فى السن بيننا؛ لأن الفوارق الشكلية لا تدمر الحب، أما الفوارق النفسية والسلوكية والفكرية كفيلة بتدمير أى علاقة فى الدنيا، مهما بلغت قوتها.
لذا، فإذا قلت فى يوم من الأيام كلمة "ولكن" بعد كلمة "الحب"، فتيقن أن الحب تلاشى تمامًا، ولن يبقى له وجود، فهذه الكلمة ناسفة تمامًا للحب، فهى كالستار الأسود، الذى ينسدل، فتتوارى من خلفه أى معانى براقة.
فالحب أقوى من أن تأتى بعده أى كلمة أخرى، فإن أتت فلا داعى للوقوف عند كلمة "الحب"، فما يأتى بعده سَيُلْقى بظلاله على الحب تمامًا، فالحب كاللون الأبيض، أما كلمة "ولكن" فهى كاللون الأسود، ولا خلاف على أن اللون الأسود إذا اختلط باللون الأبيض قضى عليه تمامًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة