كانت مظاهرة الترحيب كبيرة بالبابا «شنودة الثالث» بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية فى نيويورك يوم 14 إبريل - مثل هذا اليوم - 1977 فى بداية زيارته الرسمية إلى أمريكا، حسبما يؤكد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «خريف الغضب»، مضيفا: «كان برنامجه يتضمن زيارة إلى واشنطن يلتقى خلالها بالرئيس كارتر، ودعا معه إلى هذا اللقاء مع الرئيس الأمريكى الأنبا صموئيل أسقف الخدمات ومسؤول الكنيسة القبطية عن العلاقات الدولية».
كانت هذه الزيارة سببا إضافيا لاتساع الهوة بين شنودة والرئيس السادات الذى كان فى زيارة إلى أمريكا قبلها بشهر، والمعروف أن الصدام بينهما بلغ ذروته بقرار السادات بعزل شنودة من منصبه، و تحديد إقامته فى دير وادى النطرون، وذلك ضمن حملة اعتقالات 5 سبتمبر 1981 التى اشتملت 1530 شخصية سياسية ودينية من جميع الاتجاهات، قال السادات فى خطابه يوم ٩ سبتمبر 1981: «يؤسفنى أن أعلن أنه لم يضر أحد بالمواطنين الأقباط مثلما فعل ذلك الرجل «الأنبا شنودة»، وسوف يسجل عليه التاريخ أنه قد أضر بمصر».
يروى «شنودة» للدكتور غالى شكرى فى كتاب «الأقباط فى وطن متغير»، أنه لم يكن هناك خلاف شخصى مع السادات، ويؤكد: «لم يحدث قط أن كان خلافه معنا منعزلا عن خلافه مع كل فئات المصريين وكل الاتجاهات الفكرية، بدليل أنه فى سبتمبر 1981 أدخل جميع ممثلى الأحزاب والطوائف المعتقل، فلم يستثن اتجاها واحدا أو رمزا، لقد أخذنا نصيبنا من القمع كغيرنا لا قبلهم ولا بعدهم بل معهم، مما يؤكد أولا أنه ليس من خلاف شخصى بيننا وبينه، وأن سياسته ثانيا وممارساته كانت تطال الجميع، وأن كنيستنا ليست فى جزيرة مهجورة، وإنما هى جزء لا يتجزأ من النسيج الوطنى العام لمصر والمصريين».
جاءت زيارة أمريكا فى ظروف سياسية محلية وإقليمية، يكشف «شنودة» عنها فى حديثه لغالى شكرى، بالإضافة إلى ما يذكره كتاب «خريف الغضب» لهيكل، و«موسوعة تاريخ أقباط مصر»، بعنوان «البابا شنودة الثالث أول بابا قبطى يقابل الرئيس الأمريكى».. يقول شنودة: «فى أعقاب زيارة السادات لأمريكا، وجهت لى الإدارة الأمريكية دعوة من خلال الأنبا صموئيل»، مسؤول العلاقات الدولة فى الكنيسة لزيارة أمريكا، وتحدد موعدها يوم 14 إبريل 1977، أى بعد زيارة الرئيس السادات لأمريكا بشهر تقريبا، وحدث أن سافرت فوجدت استقبالا عظيما من المصريين المسيحيين المقيمين فى أمريكا، كان من المقرر - وفق جدول الزيارة - أن التقى جيمى كارتر الرئيس الأمريكى الجديد آنذاك، إلا أننى كنت غير مرتاح لطلب الإدارة الأمريكية لقائى بالرئيس الأمريكى، خاصة أنها المرة الأولى فى تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية التى يلتقى بطريركها رئيسا أمريكيا، كما أن الساحة السياسية كانت تشهد حراكا شديدا على المستويين الإقليمى والدولى خصوصا فى العلاقات المصرية الأمريكية، فطلبت من السفير أشرف غربال سفير مصر فى واشنطن مرافقتى ليكون شاهدا، لاسيما أن الإعلام الرسمى أخذ يشن هجوما شديدا على نشاط أقباط المهجر، واتهامهم بالخيانة والعمالة وتشويه صورة مصر فى الخارج».
يؤكد «شنودة» أنه التقى بالرئيس الأمريكى لمدة نصف ساعة فى وجود السفير المصرى والأنبا صموئيل، واستفسر «كارتر»، خلالها عن أوجه نشاط الكنيسة القبطية التى كان مهتما بها وتاريخها وآثارها القديمة، كما تحدث عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، ويضيف: «قدمت له أيقونة ذات ثلاثة جوانب، على أحدها تظهر القديسة مريم، وعلى الجانب الثانى تعميد المسيح، وعلى الثالث تظهر قيامة المسيح، إلا أننى فوجئت بالرئيس الأمريكى يقول أمام مندوبى الصحافة والتليفزيون فى المؤتمر الصحفى الذى أعقب اللقاء، إنه يعرف عدد الأقباط فى مصر وبلغ 7 ملايين، وهذا الرقم الصحيح لتعداد الأقباط فى مصر الصادر عن الكنيسة، بينما تعداد الدولة كان مليونيين وثلث المليون نسمة».
ويكشف عما دار فى الجلسة المغلقة التى أعقبت المؤتمر الصحفى،قائلا: «وجه الرئيس الأمريكى عدة أسئلة حول الكنيسة القبطية، وعن رأيى فى موضوع القدس لأنه يعرف أن الكنيسة القبطية لها رأى فى المشاكل لاسيما فى الصراع العربى الإسرائيلى، وكان الرئيس الأمريكى يريد من كل ذلك استدراج الكنيسة القبطية إلى موقف «ملائم»، من وجهة النظر الأمريكية فى مشاكل الصراع العربى الإسرائيلى، فقلت له: «إن اليهود ليسوا شعب الله المختار فى الوقت الحاضر، وإلا ماذا نسمى الكنيسة المسيحية؟.. فإذا كنا نعتقد أنهم شعب الله المختار، فمعنى ذلك، أننا المسيحيين، لسنا مختارين من الله بالمرة، أما عن المشاكل السياسية فنحن نتحدث عن المبادئ العامة الأساسية الخاصة بالمشكلة، أما التفاصيل فهى متروكة لرجال السياسة»، يعلق شنودة: «يبدو أن الرئيس السادات لم يلتفت لتفاصيل ما دار فى اللقاء لكنه آلمه أن يكون هناك اتصال من أى نوع، بين الكنيسة الأرثوذكسية والإدارة الأمريكية فغضب من الزيارة برمتها».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة