فى نهار الـ11 من مارس الجارى زار السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان بصحبة السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام هضبة الجولان السورية المحتلة من قبل إسرائيل، يرافقهما رئيس وزراء الدولة العبرية بنيامين نتنياهو، أعقبتها دعوة إسرائيلية للعالم للاعتراف بما أسمته سيادة إسرائيل على الجولان، لم تجد لها صدى كونها دعوة تنتهك القرارات والأعراف الدولية لاغتصاب أرض عربية وسورية دون وجه حق.
وبعد 10 أيام من زيارة السيناتور الأمريكى والمسئول الإسرائيلى للهضبة السورية، وبالتحديد فى 21 مارس فجر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قنبلة فى تغريدة قال فيها صراحة أنه سيعترف بسيادة إسرائيل على الجولان لتشكيل صدمة كبرى فى العالم العربى والمحافل الدولية، وصرح "قد حان لما سماه "اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان"، وكسر أمس الإثنين أحد قواعد السياسة الخارجية الأمريكية الثابتة منذ سنوات تجاه هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل ووقع على مرسوم اعتراف رسمي بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة بحضور مستشار الأمن القومي جون بولتون، وجاريد كوشنر مستشار ترامب وصهره.
ترامب يوقع على صك سيادة اسرائيل على الجولان
ورغم أن القرار لن يكون ذا تأثير من الناحية العملية كونه قرارا فرديا لا يمثل أى حيثية دولية أمام قرارات مجلس الأمن لقرار 497 لعام 1981 التى ترفض احتلال إسرائيل للجولان السورية فى حرب عام 1967 وضمها عام 1981، ولن يحدث أى تعيير للواقع الأمني والسياسي والاقتصادي للجولان، فضلا عن أن القرار يعكس حالة من الخروج على القانون الدولي، إلا أنه اعتبر فى الداخل الإسرائيلى انجاز كبير لرئيس الوزراء نتنياهو في معركته الانتخابية التي يسعى فيها لولاية رابعة ونظر إليه كونه دعم أمريكى له، كما وجد ترحيب يهودى إسرائيلى واسع، الأمر الذى أثار تساؤل حول أسباب التمسك الإسرائيلى بالمنطقة السورية ولو بشكل رمزي بمرسوم أمريكي "حبر على ورق" فقط.
لماذا تتمسك إسرائيل بالجولان السورية؟
تقع مرتفعات الجولان بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ من الشمال، وتقع بالكامل ضمن حدود سوريا قبل أن تحتلها إسرائيل فى حرب 1967، ومنذ ذلك الحين تطالب سوريا باستعادتها كاملة حتى ضفاف بحيرة طبريا التى تعد خزان المياه العذبة الرئيسي لإسرائيل، وانطلقت مفاوضات السلام وفق مبدأ الأرض مقابل السلام، بعد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991 إلا أنها تعثرت بعد فترة قصيرة، وفى عام 1992 تحدث المفاوضون الإسرائيليون عن انسحاب من الجولان.
اسحاق رابين
وفى عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين تقدمت المفاوضات وقال رابين مقولته الشهيرة إن "عمق الانسحاب من الجولان سيعادل عمق السلام"، لكن ظهر الإشكال إن كان الانسحاب حتى حدود السابع من يونيو 1967 حسب المطلب السوري، أم وفق الحدود الدولية التي تعود للعام 1948 حسب الرغبة الإسرائيلية وتعطلت المفاوضات بسبب رفض إيهود باراك رئاسة وزراء إسرائيل الإقرار بحدود ما قبل 1967، وفى كل مرة كانت تقول إسرائيل أنها مستعد للإنسحاب كانت تشترط ترتيبات أمنية خاصة وتطبيع العلاقات.
نتانياهو يتفقد هضبة الجولان
إذن لماذا كل هذه الممطالة الإسرائيلة ورفضها التفريط فى هذه البقعة؟، يجيب الموقع الجغرافى على هذا التساؤل، حيث تقع الجولان فى منطقة حدودية تبعد 60 كم إلى الغرب من العاصمة السورية دمشق، ويبلغ أعلى ارتفاعها 2.814 متر أو ما يعادل (9.232 قدم)، وتطل على أربعة دول هي سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل، وتمتد على مسافة 74 كم من الشمال إلى الجنوب دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كم. لذا تعد من أكثر مناطق ببلاد الشام أهمية من الناحيتين العسكرية والاقتصادية.
إذن من هذه المعطيات يمكن القول أن الجولان تتمتع بأهمية استراتيجية وشريان حيوى بالنسبة لإسرائيل، فموقعها يشكل درعا من صنع الطبيعة ضد أى هجوم عسكرى يستهدف كيان الإحتلال من سوريا، ومن يسيطر عليها يكون قادرا على الاشراف على دمشق من الجهة الشرقية، وعلى مدن وسط وغرب إسرائيل، ومن يسيطر عسكرياً يمكنه أن يطال أي مكان حتى بأبسط الأسلحة التقليدية.
هضبة الجولان
فضلا عن امتلاك المرتفعات على الكثير من الثروات الطبيعية، إذ تجلت فيها أهمية اقتصادية كبرى، فأراضيها خصبة صالحة للزراعة، حيث يتم زراعة التفاح بشكل واسع فى حقولها من قبل السوريين القاطنين بها ويشكلون حوالى 20 ألف سوري، بينما تستغلها إسرائيل في زراعة العنب من أجل إنتاج الخمور العالمية وتأتى منها 21% من منتجات النبيذ الإسرائيلى، كما توفر لإسرائيل نصف احتياجاتها من المياه العذبة، ويوجد في الجولان أكثر من 30 مستوطنة يهودية يقيم فيها حوالي 20 ألف مستوطن، وعلى مساحة تقدر بنحو 1860 كيلومتر مربع، يخضع ثلثاها اليوم للسيطرة الإسرائيلية.
وبالنظر إلى الخصائص الجغرافية والقرار الأمريكى الأخيرة بلإعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الأراضى السورية، فان الإنسحاب الإسرائيلى اليوم يعد مطلب عربى ودولى صعب المنال، مع الشعور الإسرائيلى بوجود تهديدات كبرى عليها من التموضع الإيرانى بمقاتليها وعدتها وعتادها فى الأراضى السورية فان تمسك تل أبيب بهذه البقعة أصبح أقوى من أى وقت مضى، وتشير التقايرير الإسرائيلية إلى أن حكومة نتنياهو المقبلة سوف تستغل زخم اعتراف ترامب، وتعمل جيدا على هذه المبادرة والشروع في إطار برنامج تنموي يتمتع بدعم جميع الدوائر الانتخابية، وتحدثت مواقع إسرائيلة وفقا لسكاى نيوز، عن ضرورة تطوير مجتمعات إسرائيلية واستيطانها على نطاق واسع لمرتفعات الجولان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة