- سيدات البطولة والكرامة والفداء يستعدن ذكريات عيد الأم وطفولة الأبطال وهدايا المحبة.. وانكسار قلب «ست الحبايب» فى يومها بعد غياب «الضنا»
الجنة تحت أقدام الأمهات، وتُشرق من أرحامهن أيضًا، وهن يُرسلن فلذات أكبادهن إلى الموت، إلى الشهادة والمجد على شرف الأوطان، وبينما يحيط بهن النور من كل جانب فى عيد «ست الحبايب»، تتفجر الدموع من عيونهن، بينما يستعدن ذكريات الأحبة الذين يسكنون فى السماء. اليوم يحتفل ملايين الأبناء بأمهاتهم، وتحتفل السماء بأمهات الشهداء، الطيبات الطاهرات الصابرات اللواتى دفعن برضا وأنفقن بسخاء، ويشاركن فى الاحتفال باستعادة سيرة الأحبة وذكرياتهم، وحلاوة الأمومة ومرارة الفقد.
والدة الشهيد على شوقى: عيد الأم ملوش طعم من غيره
استُشهد الرائد على أحمد شوقى أسفل كوبرى صقر قريش، فى انفجار عبوة ناسفة خلال توزيعه السحور على زملائه فى رمضان، كان ذلك قبل خِطبته بأيام قليلة، ليغادر العالم فى كفن أبيض بدلا من دخوله فى بدلة العرس.
تقول والدته ألفت عبدالكريم، إن عيد الأم فى غياب «على» لا طعم له ولا بهجة، فقد كان بارا بها ومحافظا على الاحتفال بتلك المناسبة، متابعة: «كان متدينا، وقلبه معلق بالمساجد، كثير التبرع للمستشفيات، كان ملاكا يسير على الأرض، الابن المحبوب والمقرب لقلبى دون الجميع، وسأظل طول عمرى أذكر مواقفه وأحاديثه معى». وأشارت أم الشهيد إلى أن «على» كان دائم الحديث معها عن الشهادة فى سبيل الله والوطن، وفضل الشهداء ومنزلتهم، وعندما يستشهد زميل له كان يقول «أتمنى أكون زيه»، فأرد عليه: «بلاش توجع قلبى يا على»، لكنه تمناها طويلا وبصدق حتى نالها فى شهر رمضان.
أم شهيد الواحات: حياتى وقفت بعد «إسلام»
لا أحد ينسى الشهيد إسلام مشهور، بطل ملحمة الواحات التى سطر فيها رجال الشرطة بطولات وتضحيات مبهرة. وتقول والدته إن عيد الأم أصعب الأيام وأكثرها قسوة عليها، فلا تستطيع الاحتفال أو سماع الأغانى المرتبطة بتلك المناسبة من دون «إسلام»، الذى كان بارًّا بها وحريصًا على الاحتفال بها فى هذا اليوم. وأضافت أن «إسلام» كان بطلا لا يهاب الموت، ويتحدث عنه كثيرا، ويتمنى منزلة الشهداء. متابعة: «كان بيقول لى أنا ابن مدرعة وخريج مدرعة، وفعلا استشهد فى مدرعة، وفى ملحمة بطولة محدش يقدر ينساها، وبعده حياتى وقفت، وبقى الوقت طويل وما بيعديش، وكل أملى ألقاه يوم العرض الأكبر».
ووجهت الأم رسالة لابنها الشهيد بالقول: «وحشتنى يا إسلام، مفتقداك، لكن عارفة إنك فى مكان أحسن وأفضل، نام وارتاح ونتقابل فى الجنة يا حبيبى إن شاء الله»، بينما وجهت رسالة للإرهابيين الذين حرموها من فلذة كبدها: «حسبنا الله ونعم الوكيل فى اللى كان السبب فى حرمانى من ابنى، هقتص منهم يوم القصاص».
والدة كريم فؤاد: بعد البطل مفيش حد يشترى لى هدية
تصدى كريم فؤاد بشجاعة وشرف نادرين للعناصر الإرهابية بمحافظة المنيا، وقاد حملات أمنية موسعة فى مطروح، وطوال فترة خدمته سجل بطولات وملاحم لا تُنسى، حتى نال الشهادة وارتقى إلى جوار زملائه الأبطال. وتقول والدته، إن الدنيا من دونه لا معنى لها، فقد كان كل شىء فى حياتها، الضحكة والسعادة والبهجة التى طالما ملأت المنزل بالفرحة والسرور، لكن كل هذا ذهب فجأة بذهابه، فلم تعد تحتفل بعيد الأم مثل كل الأمهات، الأيام أصبحت صعبة ولا شىء فيها يدعو للبهجة والاحتفالات. وأضافت: «ابنى كان يعمل فى المنيا ووقف برجولة وشجاعة فى وجه العناصر الإرهابية، وكان الشاهد على عنف الإخوان، إذ توعده قيادات الجماعة بعدما أدلى بشهادته ضدهم، بعدها عمل معاون مباحث العلمين فى مطروح واستُشهد».
وعن ذكرياتها معه، أكدت والدة البطل كريم فؤاد أنه كان يتمنى الشهادة، وخطب قبل استشهاده بـ4 أشهر فقط لكن القدر لم يمهله للزواج، متابعة: «رحل وتركنا للأحزان، كان الابن والزوج بعد وفاة والده، ينفق على المنزل ويرعى أشقاءه، وسميته كريم قبل أن أتزوج والده بـ6 سنوات، فقد ظللنا مخطوبين 8 سنوات واتفقنا لو أنجبنا ولدا سنسميه كريم، وهو ما حدث».
وتقول الأم: سأظل العمر كله وما بقى من حياتى أبكى «كريم» البطل الشهم البار بوالدته المضحى من أجل الآخرين، فلن تعرف الاحتفالات طريق منزلنا، فقد استشهد قبل عيد الأم بثلاثة أيام بعدما اشترى لنا الهدايا أنا وحماته، وكانت آخر كلماته وهو يطمئن على، فمن بعده يشترى لنا الهدية، فهديته ليست ككل الهدايا؟
والدة بطل المفرقعات: منحنى أفضل هدية دنيا وآخرة
مازال مشهد ارتقاء الشهيد ضياء فتوح إلى السماء خلال تفكيك قنبلة زرعها الإرهابيون بمحيط قسم شرطة الطالبية فى منطقة الهرم بالجيزة حاضرا فى الأذهان والأرواح، وبالتأكيد مازال مسيطرا على روح والدته وذاكرتها.
تقول الأم المكلومة، إنها لا تستطيع الاحتفال بعيد الأم أو سماع أغنياته فى غياب ضياء، فالدموع تنهال من عينيها كلما تذكرته أو تذكرت أمومتها، ولا تجد طقسًا أفضل فى الاحتفال من زيارة قبر حبيبها وقراءة القرآن على روحه، متابعة: «ضياء منحنى أفضل هدية دنيا وآخرة».
وأضافت أن الشهيد ضياء فتوح نجا من الموت 3 مرات قبل استشهاده، إذ انقلبت سيارته مرتين فى مأموريات عمل، ونجا بأعجوبة من محاولة اغتيال فى سيناء، لكن شاء القدر فى المرة الرابعة أن يُسجّل اسمه فى قوائم الشرف والبطولة والفداء. مستطردة: «لم أبكِ على استشهاده ولم أصرخ مثل النساء، ابنى مات بطلا ضاحكا مستبشرًا بالجنة بعدما رأى مقعده فيها، فلماذا أبكى وقد نال التكريم؟ أنا أم البطل، وقد حرصت على زيارة مكان استشهاده، وتعجب الجميع عندما أطلقت الزغاريد فرحا به، حتى تستعد الملائكة لاستقباله». كان «ضياء» متزوجا وأبا لطفلة عمرها 4 أشهر، بدأت مؤخرا تنطق بعض الجمل، وعندما تشاهد صورة والدها على السلسلة التى ترتديها جدتها تقول: «أنا بنت ده» ثم تقبل الصورة، ووجهت الأم رسالة لابنها البطل قائلة: «الله يرحمك يا ابنى، عارفة إنك فى الجنة، انت رفعت راسى عالية، كنت بطلا وكنت تعلم أنك ستموت وتنضم لقوائم الشهداء، وطلبت منى الدعاء ليلتها وكأنك تعلم موعد استشهادك، أخذت رزقك وخلصت عمرك، والمولى اختار لك حُسن الختام».
أم الشهيد محمود أبوالعز: قتلوا الفرحة فى بيتنا
كان محمود أبوالعز ضابطا من طراز خاص، أفنى حياته فى خدمة الوطن حتى نال الشهادة، كشهيد من طراز خاص أيضا. وتقول والدته: «عيد الأم ذكرى صعبة فى غياب ابنى البطل، كان أصغر ولادى، أبوه مات وهو فى الصف الثانى الابتدائى، علشان كده كان قريب من قلبى، وكان مهتم بيا وحريص على هدية عيد الأم كل سنة لحد ما استُشهد وهو بيؤدى الواجب الوطنى».
وأضافت أن «محمود» كان يستعد للزواج، وحدد موعد زفافه فى يونيو 2013 إلا أنه استُشهد قبلها بثلاثة أشهر، بعد تلقيه بلاغا بسرقة بنك، فتوجه لتأمينه، وخلال عودته وجد شخصين سرقا سيارة تابعة لإحدى شركات الأدوية، وكانا يسعيان لسرقة مركز الكمبيوتر التابع للسفارة الأمريكية، وعندما رآهما نزل من سيارته وطلب منهما البطاقات والرخص، فأطلق أحدهما النار عليه.
ووجهت أم الشهيد رسالة لابنها البطل بالقول: «مفتقداك يا محمود، أعلم أنك فى مكان أفضل، لكن روحك الطيبة المرحة مازالت تحيط بى، وغدا نلتقى إن شاء الله فى مقعد صدق عند مليك مقتدر».
والدة شهيد فض اعتصام رابعة: حبيبى فى الجنة
ارتقى محمد سمير إلى جوار ربه فى فض اعتصام رابعة الإرهابى، وكان واحدا من أبطال الشرطة المعروفين بكفاءتهم وإخلاصهم فى العمل، وتقول والدته إن عيد الأم أصعب الأيام التى تمر عليها، إذ تفتقد «محمد» الذى كان يداوم على الاحتفال بهذا اليوم.
وعن قصة استشهاده تقول إنه كان أحد أصغر شهداء الشرطة فى فض اعتصام رابعة المسلح، فكان ضابطا فى العمليات الخاصة منذ تخرجه فى العام 2010، وكان يهتم بصحته ولياقته البدنية، فلم يكن يدخن ولا حتى يشرب الشاى. متابعة: «كان بيعشق الشهادة وبيحلم بيها، ودائما يداعبنى بمناداتى يا أم الشهيد، فأرد عليه: هما بيرضعوكم الأمانة بالشهادة والواجب إزاى؟».
كان محمد أصغر أبنائها الأربعة، توفى والده وهو فى السادسة من عمره، لكنه كان رجلا منذ طفولته وقادرا على تحمل المسؤولية، وكانت ترى فيه والده الراحل. وتستعيد الأم جانبا من الذكريات: «محمد خطب وجهز نفسه للفرح، واشترى البدلة وحطها فى شقته، لكن لما جه موعد فض الاعتصام المسلح قرر الاشتراك مع زملائه، لكن ما رجعش للبدلة، والملايكة زفته لجنة الرحمن».
وتتذكر الأم يوم استشهاده بالقول: «ودعنى وخرج، وكنت بتابعه طول الوقت وبوصيه يثبت ويكون راجل بمعنى الكلمة، وبهزر معاه: واجه بشجاعة ولّا تيجى تقعد جنبى، وفضلت متابعاه لحد ما عرفت باستشهاده، ومن وقتها اسودت الدنيا فى عينى، مفيش طعم للحياة من غيره، خصوصا إنه رحل وهو 24 سنة وقبل ما أفرح بيه، حرمونى منه برصاصتين فى صدره، وكل يوم بتمنى أروح له ويستقبلنى على باب الجنة». ووجهت رسالة للإرهابيين بالقول: «لن يخذلنا الله أبدًا، وسيعود حق ابنى بإعدامكم، وسألقاه فى جنة الرحمن بإذن الله».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة