هل تساءلت يوما عن طبيعة الحكم فى الفضاء .. هل سيكون ليبرالى أم ديكتاتورى أم سيكون نظاما لم يعرفه البشر من قبل؟ بما أن رحلة المريخ ستنطلق عام 2022 كما تزعم الشركة الهولندية " Mars-one"، فالتفكير فى هذه الأمور ليس ضربا من الخيال بل هو قضية مهمة جدا يجب أن يكون لها إجابة تساعد على الحياة هناك وتحدد اختصاصات البشر على كوكب آخر لم يعرفوا الكثير عنه ويحاولون بداية عالم جديد عليه.
و فى هذا السياق، نقدم لك مختلف الآراء حول هذه النظام الفضائى المرتقب مع تحليل لطبيعة الحياة واختلافاتها عن الأرض وكيفية إدارة المجتمع من كل الجوانب ليس فقط السياسية ولكن أيضا الاقتصادية والاجتماعية.
كيف فكر القائمين على أول رحلة للمريخ فى نظام الحكم؟
وفقا لما ذكره الموقع الرسمى لـ" Mars-one"، فإن النظام الحكومى والهيكل الاجتماعي الذي سيتم تنفيذه على المريخ، سيعود إلى رواد الفضاء الذين سيواجهون مهمة تحديد كيفية تنظيم أنفسهم سياسياً من أجل ضمان عمليات صنع قرار عادلة ومعقولة.
وخلال برنامج التحضير الذين يخضعون له للتجهيز لرحلة المريخ، سيتم وضع معايير التعامل الاجتماعي على الأرض، وكيف تتنوع الثقافات من حيث تحديد قضايا البنية الاجتماعية سواء فيما يخص توزيع القوة، طرق صنع القرار، وإدارة الموارد.
ولكن فى العموم، ستكون معظم القرارات جماعية، ومع نمو المجتمع، سيكون من الضرورى تطوير أنظمة أكثر تعقيدًا لإدارة الصراع والحفاظ على طرق فعالة لاتخاذ القرارات، وبالتالى سيوفر القائمين على رحلة المريخ تدريب وقاعدة بيانات لمعرفة رواد الفضاء بالتنظيم الاجتماعي الإنساني للمساعدة في هذه العملية مع نمو الاستيطان.
نظام الحكم على المريخ لا هيبقى ديكتاتورى ولا ليبرالى
فى حين لم يحدد القائمين على الرحلة أنفسهم نظام محدد للالتزام به، إلا أن الأمر احتاج فعليا لتحليل أكبر من مجرد اختيارات رواد الفضاء، بالطبع سيعرفون أكثر من أى شخص آخر طبيعة ما يمرون به ولكن ربما لا يتمكنون من الاستفادة بما تعلموه من أنظمة الأرض على المريخ، لذلك نعرض تحليل بسيط لأبرز الأنظمة المتاحة وهل ستناسب الحكم على الكوكب الأحمر.
وفقا لما ذكره موقع " medium"، ينقسم الأشخاص حول طريقتين عند التحدث عن الحكم على المريخ وهما:
1. نوع من اليوتوبيا التحررية بعيدا عن القواعد والأنظمة المعمول بها في الأرض.
2. الديكتاتورية العسكرية نتيجة للعواقب الوخيمة لأى خلل بالتوازن الدقيق لأي مستعمرة فضائية موجودة، يمكن لفرد واحد أن يقتل بسهولة الجميع في مستعمرة فضائية من خلال السلوك المتهور.
ولكن وفقا لكتاب "أندي وير" " Artemis"، والذي كتبه أيضا الكتاب الشهير " المريخ"، يبدو الأمر مختلف حيث أن نسخته عن المستعمرة الفضائية من حانب البشر كان لها حكم عبارة عن مزيج من الديمقراطية والديكتاتورية، فتكون البنية السياسية ليست بالضبط مثل الديمقراطية، حيث يبدو أنه لا يوجد نظام انتخابات من أي نوع، بينما يبدو الاقتصاد تحرري تماما، وفى حقيقة الأمر يحتاج التحليل الأفضل للوضع للنظر فى المقارنات التاريخية على الأرض.
ليه نظام الحكم الأمريكى لا يصلح على الفضاء؟
تختلف طبيعة الحياة فى أمريكا عن الفضاء كثيرا حتى أنه لا تتشابه ظروف البلد مع أى من المريخ أو القمر، فأمريكا هى أرض الفرص فى هذا الوقت، عندما بدأت الحياة على أرضها كان هناك حافز اقتصادي قوي لها، حيث يمكن للمرء زراعة المحاصيل النقدية مثل التبغ أو السكر، وكانت الأرض تحتوي على الكثير من التربة الخصبة، والتي كانت جذابة بشكل طبيعي للمستوطنين الباحثين عن حياة أفضل.
ويمكن للأفراد بها أن يصعدوا الأنهار ويخرجوا على السهول ويبنون المنازل بمفردهم، أما فى مستعمرة الفضاء، فعلى المستوى التكنولوجي الحالي والمعرفة العلمية لا يوجد حافز اقتصادي لمستعمرات الفضاء، فلا شيء سيمد الأرض بأي موارد أو منتجات لا تستطيع القيام بها، أما العيب الثاني هو أنه لا يمكن للبيئة الفضائية أن يتجول فيها الشخص بمفرده، ولكن ستقتصر الحياة دائمًا على قاعدة فضائية، والأفراد في هذه القاعدة لا يستطيعون القيام بكل ما يريدونه بحرية، وستكون هناك موارد مشتركة سابقة مثل الأكسجين والماء كقيود للحياة.
العصر الذهبي بهولندا كنموذج لمستعمرة الفضاء
من المحتمل أن تتكون القاعدة الفضائية من عدة قباب مضغوطة يعيش فيها الأشخاص، وإذا خرق الجدار أو حدث ثقب في أي نقطة على هذه القبة، فسيؤدي ذلك إلى كارثة لأي شخص بداخله.
لذلك فى البداية يجب أن نفكر هل لدينا تشابهات على الأرض مع أشخاص يعيشون في ظل هذه الظروف؟ في الواقع، نعم.. كان لدينا تشابه فى فترة العصر الذهبى بهولندا.
فى الحقيقة، جزء كبير من هولندا تحت مستوى سطح البحر، لذلك كان الهولنديين يبنون السدود حول منطقة من الماء، ثم يقومون بتصريف المياه من هذه المنطقة باستخدام المضخات، وفي العصر الذهبي، تم تشغيل هذه المضخات بواسطة طواحين الهواء.
وتسمى المنطقة المحاطة بالسدود تحت مستوى سطح البحر بـ "البولدر"، وهو أمر معقد تمامًا، حيث إن فى حالة الضغط خارج منطقة "البولدر" سوف يتسبب في تسرب الماء من الأرض، وبمجرد أن يتم بناء بولدر، فإنه في الواقع ليس بنية دائمة، بل يجب ضخ الماء باستمرار منه للحفاظ عليه، وكذلك صيانة الحواجز وإصلاحها باستمرار.
وبالتالى تتشابه ظروف الحياة مع العيش على المريخ، ومع ذلك لم يكن الحكم ديكتاتورى وقتها بهولندا على الرغم من خطر الحياة معا وضغوط البيئة، ولكن ما حدث هو أنه طور كل "بولدر" هولندي مؤسسة سياسية فريدة تسمى "مجلس المياه"، والتي لا تزال موجودة اليوم.
مجلس المياه هو المسؤول عن الحفاظ على السدود ومحطات الضخ والقنوات والمجاري، وتاريخياً، أصدرت مجالس المياه قوانين تتعلق بأنظمة المياه وأصدرت العقوبة حول عدم اتباع للقواعد، مثلا قد يؤدي تلويث قناة إلى فرض غرامات نظرًا لأنها ستؤثر على أي شخص آخر أسفل القناة، ويمكن أن يؤدي الإهمال الجسيم لسد في أسوأ الحالات إلى إصدار حكم بالإعدام.
والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هي أن البلدان الواقعة في منطقة المنحدر ليست بالضرورة بحاجة إلى أن تكون موحدة سياسياً مع بعضها، وإن كانت جميعها تتشارك في المياه، فيمكن أن تكون المدن الهولندية في منطقة بولدر في حالة حرب، ولكنها مع ذلك لا تزال تتعاون في إدارة المياه لأن هذا الأمر يوفر الحياة للجميع.
هذه التجربة السياسية عبارة عن واحدة من عدد قليل من الجمهوريات ذات التوجه الديمقراطي في أوروبا، حيث أن هولندا متكونة من عدة مدن مستقلة ولكن لها توجه ديمقراطى، ولعل هذا النوع من الحكم في مستعمرة فضائية سيكون الأنسب.
اقتصاد الدولة هيكون شيوعى
أما حول اقتصاديات المستعمرة الفضائية، فالمجتمعات البشرية الصغيرة لا يبدو أنها تعمل كاقتصاديات سوق، ففي المجتمعات حيث يعرف الناس بعضهم البعض بشكل جيد ويعتمدون على أنفسهم، ستميل الأمور إلى العمل في ما يمكن أن نصفه بدقة أكثر بالشيوعية، وذلك هو الشكل الأنسب للسوق الأولية هناك قبل أن يتطور الاقتصاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة