اعتاد العالم فى السنوات الأخيرة سماع مصطلح "الذئاب المنفردة" على الإرهابيين الذين ينسبون أنفسهم للإسلام، وينفذون هجمات ضد الأبرياء فى أى مكان، لاسيما هؤلاء المتأثرين بداعش، لكن تلك الظاهرة لا تقتصر عليهم فقط بل تضم متطرفين من القوميين البيض واليمنيين المتطرفين، ربما يصبحوا خطرا أكبر من غيرهم.
فقد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن منفذ الهجوم على المصلين فى مسجدين بنيوزيلندا يوم الجمعة الماضى قد عمل وحده على الأرجح، فيما يطلق عليه "الذئب المنفرد"، وذلك بعدما أطلقت الشرطة سراح أشخاص ألقت القبض عليهم بعد الحادث تبين أن لا صلة لهم بالأمر.
وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، كانت الهجمات الإرهابية الكبرى التى كان دافعها معتقدات اليمين المتطرف من تنفيذ أطراف منفردة أو خلايا صغيرة مجهولة. والسبب، كما تقول مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية، بسيط، فالحفاظ على جماعة يمنية متطرفة ذات طموحات إرهابية فى الدول الديمقراطية الغربية مستحيل فى ظل الرقابة المشددة وغياب الدعم الخارجى والملاذات الآمنة.
فعندما حاولت جماعة العمل الوطنى البريطانى المتطرفة شن هجوم مع الاحتفاظ بمكانة لها معلنة فشلت وأصبح أعضائها خلف القضبان، وهو ما يجعل المتطرفيين اليمنيين أمام خيارين لا ثالث لهما، إما العمل بشكل معلن والامتناع عن السلوك غير القانونى أو الاتجاه إلى العمل السرى.
وتقول فورين بولسى إن الغرب يواجه نوعين من التهديدات العنيفة من اليمين المتطرف. فمن ناحية، معظم الهجمات ذاتية يتم تنفيذها من قبل أطراف غير منظمين لديهم دوافع يمينية متطرفة، غالبا ما يكونوا تحت تأثير الكحول أو المخدرات، ويستخدمون الأسلحة البيضاء وقضبان الحديد، ولا تعتبر مثل هذه الهجمات عادة إرهاب.
من ناحية أخرى، فإن معظم الهجمات واسعة النطاق التى تسبب خسائر متعددة ترتكبها أطراف وحيدة أو خلايا صغيرة مستقلة، وهذه الهجمات نادرة الحدوث وعادة ما تكون متعمدة وتستخدم الأسلحة النارية والمتفجرات.
وقد أصبح المسلمون هدفا رئيسيا مؤخرا بما فى ذلك هجوم كرايست تشرش. لكن برغم ذلك، فإن الجناة يعملون بمعزل عن بعضهم البعض دون اتصال مباشر أو تعاون رسمى فيما بينهم، لكن هذا لا يعنى أن هذه العناصر المنفردة والخلايا الصغيرة لا تلهم بعضها البعض.
وفى بيان منفذ حادث كرايست تشرش، كان المتطرف النرويجى أنديراس بيهرنج بريفيك مصدر الإلهام الحقيقى الوحيد للقاتل.
وكان بريفيك قد قتل عشرات الأشخاص فى أوسلو فى يوليو 2011 عندما زرع متفجرات فى مبنى للحكومة النرويجية مما أسفر عن مقتل 8 اشخاص، قبل أن يقتل 69 آخرين فى جزيرة صغيرة على بعد 25 ميل من العاصمة، وأصيب 158 شخص إصابات بالغة فى الهجمات، واختار أهدافه من نواب الحكومة وأعضاء جناح الشباب بحزب العمال الحاكم لاعتبارهم "ماركسيين خونة تعمدوا تسهيل الغزو المسلم للنرويج".
وكانت قضية "برييفيك" فريدة من نواح عدة، فإلى جانب العدد الكبير للضحايا، كانت واحدة من القضايا القليلة التى تطرف فيها الجانى بشكل ذاتى عبر الإنترنت. وكان أيضا الهجوم الإرهابى الوحيد المعقد من قبل اليمين المتطرف فى العقود الثلاثة الأخيرة الذى يجمع المتفجرات والأسلحة النارية. ويبدو أن منفذ هجوم نيوزيلندا استلهم بريفيك، فكان يحمل متفجرات فى واحدة من سيارته، وبدا أنه تطرف بشكل ذاتى عبر الإنترنت دون التواصل مع جماعات اليمين المتطرف المنظمة.
ورغم أن التركيز الأكبر فى العالم ينصب على الجماعات الإرهابية التى تختبىء وراء شعارات الإسلام، إلا أن أغلب الإرهابيين فى الولايات المتحدة على سبيل المثال من اليمينيين وليسوا مسلمين، بحسب ما كشف تقرير صادر فى عام 2017.
ووجد مشروع مشترك للصندوق الاستقصائى فى المعهد الوطنى، وهو مركز إعلامى غير ربحى ومركز للنشر الاستقصائى فى الولايات المتحدة أنه فى السنوات التسع السابقة، خطط متطرفون من اليمين أو نفذوا هجمات إرهابيين ضعف ما نفذوه المتطرفون الإسلاميون، ومن بين 115 حادثة مرتبطة باليمين، لم تحبط الشرطة سوى 35%، مقارنة بـ63 قضية تتعلق بالإسلاميين، أحبطت فيها الشرطة 76 من الهجمات المخطط لها.
وقالت مجلة نيوزويك حينئذ إن المتطرفين اليمنيين لم يكونوا فقط أكثر نجاحا، ولكنهم كانوا أيضا أكثر دموية، فبين عامى 2008 و2016، أدى ثلث الهجمات اليمنية إلى سقوط ضحايا، مقارنة بـ 13% من هجمات المتطرفين الإسلاميين، لكن الصحيفة لفتت إلى أن المتطرفين الإسلاميين قتلوا عددا أكبر من الأشخاص بشكل عام، حوالى 90 شخصا مقارنة بـ 79 بمن قتل المتطرفين اليمنيين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة