يبدو أن ما تعانيه تركيا حاليا بسبب سياسات رجب طيب أردوغان لن تقف عند حدود الأزمة السياسية والمواجهة الشرسة والتنكيل بمعارضيه، بل وصل إلى اعترافات رسمية بأن انكماش الاقتصاد التركى وصل إلى 3 %، على أساس سنوى فى الربع الأخير من 2018، مما يعطى مؤشرات تشاؤمية للمحليين والمستثمرين تجاه الاقتصاد التركى.
البنك المركزى يعترف بالعجز
وأعترف البنك المركزى التركى، اليوم، الإثنين رسميا، أن عجز ميزان المعاملات الجارية لتركيا بلغ 813 مليون دولار فى يناير الماضى، وهو عجز أكبر من المتوقع، ووصل عجز ميزان المعاملات الجارية لتركيا 27.633 مليار دولار في 2018 بأكمله.
ومن المتوقع أن تتعرض الليرة لضغوط نتيجة هذا الانكماش المتصاعد مع وجود مخاطر ارتفاع معدلات التضخم، مع فجوة كبيرة فى ميزان المدفوعات، مع تشاؤم البنوك التى تعانى من تزايد فى نسبة القروض المعدومة.
وهذا التراجع يعد أعلى من المعدل الذى كانت تتوقعه الأوساط الاقتصادية ومراكز التحليل مثل "رويترز"، التى أجرت استطلاعا انتهى بتوقعات انكماش بنسبة 2.7 % ، مما يشكل ضربة لأردوغان مع اقتراب موعد انتخابات البلدية التى ستجرى 31 مارس الجارى التى يعول عليها حزب أردوغان كثيرا للاحتفاظ بهيمنته وقوته السياسية.
ولم يقتصر الأمرعند حد الانكماش الذى نتج عن فقدان العملة التركية حوالى 30 % من قيمتها العام الماضى، فيما تراجع النمو إلى أدنى مستوى له منذ 10 سنوات، حيث وصل النمو العام الماضى بأكمله 2.6 % .
ويأتى هذا تزامنا مع استطلاع للخبراء أجرته "وكالة بولمبرج"، الأمريكية، كشف أن الناتج سيسجل تراجعا بمقدار 2.4% في الربع الأول من العام الحالى ونحو 2.5% على أساس سنوى.
التراجع الذى يشهده الاقتصاد التركى لا ينتج عن الأوضاع الاقتصادية الإقليمية العالمية المحيطة والتهديدات الأمريكية لأردوغان، بل نتيجة مباشرة للسياسات الاقتصادية الخاطئة لحكومة أردوغان، والذى نتج عنه انهيار كبير للعملة التركية، وهو ما أدى إلى مخاوف المستثمرين من أن حالة الركود قد تطول خاصة بعد التراجع الكبير في تدفقات الاستثمار وتراكم الديون على الشركات.
ركود فى الأسواق التركية
قلق المواطن وتراجع الدخل
ووصلت حالة القلق إلى المواطن التركى العادى، والذى تراجع فيه دخل الفرد إلى 9632 دولار العام الماضي بعد أن كان أكثر من 10000 دولار 2017، بجانب توقعات بارتفاع نسبة القروض السيئة إلى 7% بنهاية العام الحالى، مقابل 4% نهاية العام الماضى، وتوقعات بارتفاع إجمالى الدين إلى حوالى 121% من الناتج المحلى الإجمالى.
وكشف "انان دمير"، المحلل فى مؤسسة "نومورا" الدولية، إنه على عكس الفترات الماضية هناك تخوف الآن من أن تعافى الاقتصاد التركى سيكون بطيئًا هذه المرة وهو بالفعل يواجه ضغوطًا كبيرة في الفترة الحالية.
وتوقع المحللون أن يلجأ البنك المركزى التركى إلى خفض أسعار الفائدة بنحو 550 نقطة أساس هذا العام، بعد تباطؤ الاقتصاد والتضخم،
وأظهرت بيانات معهد الإحصاء التركى انكماش الناتج المحلى الإجمالى فى الربع الرابع بعد التعديل فى ضوء العوامل الموسمية والتقويم 2.4 %، مقارنة بالربع السابق، وأظهرت الأرقام أن الاقتصاد نما 1.8%، على أساس سنوى فى الربع الثالث، متجاوزا التقدير الأولى البالغ 1.6%.
أسواق تركية
معاناة المصارف التركية
كما تعاني المصارف التركية من أزمة شديدة في الوقت الراهن بسبب عدم سداد القروض التي كانت منحتها في فترات النمو الشديد لاقتصاد البلاد، حيث انخفض مؤشر القطاع المصرفى الذي يبين أداء الأسهم في سوق الأوراق المالية بنسبة 46 % على أساس دولارى العام الماضى؛ إذ إنَّ القيمة الحالية لأحد البنوك أصبحت أقل من 7 مليارات دولار، بعد أن كانت قيمته السوقية اقتربت من 25 مليار دولار قبل بضع سنوات.
وأوضحت البيانات الواردة في ملاحظات الميزانية العمومية لـ 2018 لأكبر 10 مصارف تركية، والتي تشكل ما يقرب من 85 % من القطاع المصرفي أن الأرصدة المتعثرة تسببت فى ضائقة كبيرة للقطاع المصرفي.
تزايد الديون المعدومة
ووفقا لبيانات لجنة تنظيم ومراقبة القطاع المصرفي (BDDK)، فإن النسبة الرسمية فى القروض المعدومة في القطاع يتم حسابها عند مستوى 4.5 % ، إلا أن أجمالي القروض المتعثرة التي أخذتها وكالات التصنيف الدولية بعين الاعتبار بلغت مستوى أعلى بكثير.
ومعنى هذا أن حزب العدالة والتنمية "الحزب الحاكم"، لن يستطيع تقديم مزيد من القروض على الرغم من ضغوط إدارة الاقتصاد عليه، وسيزداد الوضع سوءًا، وخاصة مع توقعات أن تصل نسبة القروض المعدومة إلى 6% بل تصل بها وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز إلى ما بين 15-20 %.
البنك المركزى التركى
أخطاء سياسة أردوغان الاقتصادية
وبالتأكيد هذه النتائج الكارثية بالنسبة للاقتصاد التركى نتيجة سياسات أردوغان الخاطئة، التى نتج عنها تواصل تراجع الليرة مقابل الدولار لـ4 أسابيع متتالية، وخسرت نحو 3 % لتكون واحدا من أسوأ العملات فى الأسواق الناشئة.
وكان البنك المركزي التركى، الذي تعرض لضغوط من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان على مدى سنوات لإبقاء تكاليف الاقتراض منخفضة، يتمتع بفترة من الاستقلالية بعيدا عن التدخلات السياسية إلى أن بدأت أزمة العملة في الصيف الماضي.
ويشير سعر الليرة إلى احتمال انخفاض سعر الفائدة بين 50 و75 نقطة أساس، ذلك خلال الاجتماع المقبل للجنة تنظيم ومراقبة القطاع المصرفي 25 أبريل المقبل.
الليرة التركية
فالانهيار الذي أصاب الليرة التركية خلال 2018 خلّف آثارًا أعمق مما هو شائع، وهو ما يحاول البنك المركزي التركي معالجته في الإجراءات المالية ، فتركيا لا تزال بحاجة لحل هيكلى لمنع أسعار السلع الغذائية والمواد المستوردة الآخرى من الارتفاع مجددًا فى حال عاودت الليرة هبوطها.
من جانبه، توقع رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة فى "تى دى سيكيورتيز"، كريستيان ماجيو، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 400 نقطة أساس بين يونيو ويوليو 2019، في "تباين صارخ" مع سوق تتوقع خفضا بمقدار 650 نقطة أساس هذا العام.
وأضاف محلل قطاع البنوك، ماجار كيومديان، أن مستوى القروض المتعثرة، وهي القروض التي تأخر سدادها 90 يوما على الأقل، سيبلغ نحو 8 % قرب نهاية العام، بالرغم من أن القروض المعدومة على نطاق أوسع ستبلغ 15-20 %.
وتفوق نسبة التضخم في تركيا ثلاثة أمثال متوسط نسبتها في الدول ذات الأسواق الناشئة المماثلة، وأصبحت البلاد في سلة واحدة مع البلاد التي تعاني معدلات تضخم ضخمة مثل الأرجنتين (22.9 %) وأوكرانيا (13.6 في %)، مع تزايد معدلات التضخم ، وتراجع أسعار كثيرا من المنتجات والقطاعات على رأسها الإسكان.
وقال جوليان ريمر أحد المتداولين في "إنفستك بنك بي إل سي" في لندن: "إن هذا الانخفاض إدانة للسلوكيات الاقتصادية لأردوغان والذي يعتبر نتيجة مباشرة لسياسة نقدية نفذت في عام 2018 بناء على مصلحة النفعية السياسية على المدى القصير بدلاً من النفعية الاقتصادية".
فتوقيت هذه الأخبار غير مريح للغاية للرئيس التركى الذي يكافح من أجل الاحتفاظ بالسيطرة على اسطنبول وأنقرة في الانتخابات المحلية في جميع أنحاء البلاد في نهاية مارس الجارى، فبيانات الربع الرابع التي صدرت اليوم أظهرت أن تركيا دخلت رسميًا في حالة من الركود.
وكان حزب أردوغان الحاكم حصل على السلطة عام 2002 على خلفية أزمة مالية حادة ، في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 82 مليون نسمة، فيما ركزت أحزاب المعارضة فى حملتها الانتخابية المحلية على بلوغ معدل التضخم 20 %، وارتفاع معدل البطالة ، ويمكن لها الآن أن تضيف الركود إلى قائمة خلافها مع الحكومة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة