من الأيقونات التراثية فى الدين اليهودى "عبادتهم للعجل"، فقد ذكرت الكتب المقدسة ذلك، وردد الخطباء فى المساجد هذه القصة.. وهى من الثابت وقوعها بالتواتر، تبدأ بعد خروج بنى إسرائيل من مصر، حيث تركهم موسى وذهب لميقات ربه، وغاب عنهم نحو أربعين ليلة، حدث فيها ما لم يكن فى الحسبان.
وقد اهتمت الكتب المقدسة بذكر القصة، واتفقت فى أساسياتها واختلفت فى بعض التفاصيل:
القصة فى التوراة
يقول سفر الخروج إصحاح 32: "لما رأى الشعب أن موسى أبطأ فى النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذى أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه/ فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التى فى أذان نسائكم و بنيكم و بناتكم و أتونى بها/ فنزع كل الشعب أقراط الذهب التى فى أذانهم و أتوا بها إلى هارون".
وتتابع التوراة: "فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالأزميل وصنعه عجلا مسبوكا فقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التى أصعدتك من أرض مصر/ فلما نظر هارون بنى مذبحا أمامه ونادى هارون وقال غدا عيد للرب/ فبكروا فى الغد واصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامة وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب/ فقال الرب لموسى اذهب انزل لأنه قد فسد شعبك الذى أصعدته من أرض مصر/ زاغوا سريعا عن الطريق الذى أوصيتهم به صنعوا لهم عجلا مسبوكا و سجدوا له و ذبحوا له و قالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التى أصعدتك من أرض مصر/ فانصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة فى يده لوحان مكتوبان على جانبيهما من هنا و من هنا كانا مكتوبين/ واللوحان هما صنعة الله و الكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين/ وسمع يشوع صوت الشعب فى هتافه فقال لموسى صوت قتال فى المحلة/ فقال ليس صوت صياح النصرة و لا صوت صياح الكسرة بل صوت غناء أنا سامع/ و كان عندما اقترب الى المحلة انه ابصر العجل و الرقص فحمى غضب موسى و طرح اللوحين من يديه وكسرهما فى أسفل الجبل/ ثم أخذ العجل الذى صنعوا وأحرقه بالنار و طحنه حتى صار ناعما و ذراه على وجه الماء و سقى بنى إسرائيل".
وتابع الكتاب المقدس: "وقال موسى لهارون ماذا صنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطية عظيمة/ فقال هارون لا يحم غضب سيدى ـنت تعرف الشعب انه فى شر/ فقالوا لى اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذى اصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه/ فقلت لهم من له ذهب فلينزعه و يعطينى فطرحته فى النار فخرج هذا العجل/ ولما رأى موسى الشعب أنه معرى لأن هارون كان قد عراه للهزء بين مقاوميه/ وقف موسى فى باب المحلة و قال من للرب فالى فاجتمع اليه جميع بنى لاوى/ فقال لهم هكذا قال الرب إله اسرائيل ضعوا كل واحد سيفه على فخذه و مروا و ارجعوا من باب الى باب فى المحلة و اقتلوا كل واحد اخاه و كل واحد صاحبه و كل واحد قريبه/ ففعل بنو لاوى بحسب قول موسى و وقع من الشعب فى ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل/ وقال موسى املأوا أيديكم اليوم للرب حتى كل واحد بابنه و باخيه فيعطيكم اليوم بركة".
فى القرآن الكريم
أفسح القرآن الكريم مساحة لا بأس بها لهذه القصة، لكن المختلف عن التوراة هو تبرئة النبى هارون شقيق موسى من هذه الفعلة، يقول الله تعالى فى سورة طه "قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِى} وفى تفسير الطبرى {وأضَلَّهُمُ السَّامِرِى" وكان إضلال السامرى إياهم دعوته إياهم إلـى عبـادة العجل.
أما فى سورة الأعراف فيقول "وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ".
ويقول الطبرى فى تفسيره "جَسَدا لَهُ خُوَارٌ" والخوار: صوت البقر.. يخبر جلّ ذكره عنهم أنهم ضلوا بـما لا يضلّ بـمثله أهل العقل، وذلك أن الربّ جلّ جلاله الذى له ملك السموات والأرض ومدبِّر ذلك، لا يجوز أن يكون جسداً له خوار، لا يكلـم أحداً ولا يرشد إلى خير، وقال هؤلاء الذين قصّ الله قصصهم لذلك هذا إلهنا وإله موسى، فعكفوا عليه يعبدونه جهلاً منهم وذهاباً عن الله وضلالاً. وقد بـيَّنا سبب عبادتهم إياه وكيف كان اتـخاذ من اتـخذ منهم العجل فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
ويقول القرطبى، وكان موسى وعد قومه ثلاثين يوماً، فلما أبطأ فى العشر الزائد ومضت ثلاثون ليلة، قال "السامرى" لبنى إسرائيل وكان مطاعاً فيهم: إن معكم حُلِيّاً من حُلى آل فرعون، وكان لهم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحُلِى فاستعاروا لذلك اليوم؛ فلما أخرجهم الله من مصر وغرّق القبط بَقِى ذلك الحلى فى أيديهم، فقال لهم السَّامِرِيّ: إنه حرام عليكم، فهاتوا ما عندكم فنحرقه. وقيل: هذا الحلى ما أخذه بنو إسرائيل من قوم فرعون بعد الغرق، وأن هارون قال لهم: إن الحُلى غنيمة، وهى لا تَحِلّ لكم؛ فجمعها فى حُفْرة حَفَرها فأخذها السّامِرِيّ. وقيل: استعاروا الحلى ليلةَ أرادوا الخروج من مصر، وأوهموا القبط أن لهم عرساً أو مجتمَعاً".
أما ابن كثير فيقول:"فيخبر تعالى عن ضلال من ضل من بنى إسرائيل فى عبادتهم العجل الذى اتخذه لهم السامرى؛ من حلى القبط الذى كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلاً، ثم ألقى فيه القبضة من التراب التى أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلام، فصار عجلاً جسداً له خوار، والخوار: صوت البقر، وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات ربه تعالى، فأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور، حيث يقول تعالى إخباراً عن نفسه الكريمة: "قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ".
تبرئة النبى هارون
وبهذا يكون القرآن قد برأ النبى "هارون" حيث يقول «فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي» «سورة طه، الآية 86»، قالوا: لم نخلف موعدك بملكنا فأوتينا أوزارًا من القوم فأخذها السامرى فجعل لنا العجل، وكذلك ألقى، فعرف موسى أن الذى أضلّهم هو «السامرى»، فذهب موسى وهو غضبان إلى أخيه هارون، فقال: يا هارون، ألم أُأَمّرك عليهم! ألم أقل لك أن تهديهم! قال: يا ابن أم، لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى، إنهم هددونى، وكادوا يقتلوننى، وإنى خشيت أن تقول قد فرقت بين بنى إسرائيل ولم ترقب قولى، فلا تُشمت بى الأعداء. ثم تركه موسى، وذهب إلى السامرى. قال تعالى: «قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى» «سورة طه، 95- 96».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة