«كان حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان ومرشدها الأول يعلم أن أيدى كثيرة تتربص به لقتله، فكان يحتاط لنفسه كثيرا، ويسير دائما بصحبة حرس»، حسب تأكيد مرتضى المراغى، فى مذكراته «شاهد على حكم فاروق».. كان «المراغى» آخر وزير داخلية فى حكم الملك فاروق، أى قبل ثورة 23 يوليو 1952، وحسب شهادته، فإنه رغم الاحتياطات التى اتخذها البنا، إلا أن «الأيدى المتربصة كانت وراءها عيون ترقب تحركه ليل نهار، وتتبع خطاه أينما سار».
شعور البنا بالتربص كان بسبب العمليات الإرهابية لجماعته فى أربعينيات القرن الماضى، وشهدت اغتيالها المستشار أحمد الخازندار نائب رئس محكمة الاستئناف يوم 22 مارس 1948.. يتذكر المراغى: «خرج الخازندار من منزله صباح يوم مشمس من أيام الشتاء فى حلوان بعد أن ودع زوجته وقبل طفليه، وأخذ يمشى على مهل ليستقل القطار متوجها لعمله، ولم يبتعد أكثر من خمسين مترا حتى انقض عليه شابان أحدهما فى التاسعة عشرة والثانى فى الثامنة عشرة، وأطلقا عليه ست رصاصات سقط على أثرها قتيلا».. كان الاغتيال رسالة إرهاب للقضاة الذين ينظرون قضايا متهم فيها عناصر من الجماعة.
وفى يوم 28 ديسمبر 1948، وحسب «المراغى»: «توجه محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الوزراء إلى وزارة الداخلية حوالى الساعة التاسعة صباحا، وهم بدخول المصعد، وتقدم منه شاب يرتدى ملابس ضابط بوليس، وأطلق عليه رصاصة من الخلف أصابت القلب وتوفى على الأثر، وخرج الضابط المزيف إلى فناء الوزارة محاولا الهرب، ولكن قبض عليه وتبين أنه من جماعة الإخوان».. واغتيل «النقراشى» لقراره بحظر الجماعة يوم 8 ديسمبر 1948.
كانت العمليتان رسالة لمن يعنيه الأمر، وفى هذا السياق يذكر المراغى مقابلة بينه وبين «البنا» فى حلوان قبل إصدار النقراشى قرار حل الجماعة، حيث طلب البنا منه رفع شكوى إلى الملك حول الموضوع.. ولنتأمل ما قاله البنا: «نستطيع أن نصبر على رئيس الحكومة، لأنه قد يترك منصبه فى أى وقت، أما الملك فهو باق، أرجوك أن تحمل إليه هذه الرسالة: إن الإخوان المسلمين لا يريدون به شرا، قل له: إننا لا ننبذ تصرفاته، إنه يذهب إلى نادى السيارات للعب الورق، فليذهب، وإلى النوادى الليلية ليسهر، فليسهر فلسنا قوامين عليه، وضحك قائلا: «وعلى كل حال نأمل أن يهديه الله».
لم يخلُ هذا الكلام من تهديد للملك، الذى كان يشعر أن اغتيال رئيس وزرائه يعنى أنه موجه إليه، ومن هنا تسارعت الخطى نحو اغتيال «البنا» يوم 12 فبراير- مثل هذا اليوم- 1949.. يذكر المراغى: «كانت الأيدى المتربصة قوية تدعمها رؤوس كبيرة تخشى من الشيخ حسن البنا، أن يطيح بها كما أطاح بالخازندار والنقراشى وأحمد ماهر، وكان الحرس الحديدى قد عجز عن قتل النحاس مرتين، ولم يعد هناك صبر على تجربة ثالثة لوفشلت.. لقد وجد الراغب فى القتل له من ينفذ جرائمه فلم لا يجرب؟ إنه ضابط بوليس كبير، كان يقتل المجرمين أو ذوى الشبهة، وأصبح الإقليم الذى يديره نظيفا منهم، واستحق عن ذلك ثناء ومكافأة، وتنبه إليه رجال الحاشية، فعهدوا إليه أمر حسن البنا، ولم يتردد هو بدوره».
يضيف «المراغى»: «ذات ليلة خرج البنا لزيارة أحد أصدقائه، ولم يصحبه حرسه لأن صديقا له استعجل لقاءه، ولم يدر أن سيارة كانت فى انتظاره، وأنها أخدت تتبع سيارته، ويشاء سوء حظه أن يكون منزل صديقه فى جهة غير آهلة بالسكان وغير محروسة بالشرطة، وهمَّ بالنزول فتقدم أحد الذى كانوا فى السيارة الثانية وأطلق النار.. أصيب الشيخ إصابة بالغة ولم يمت، وأسرع المارة إلى مركز البوليس يخطرونه بالحادث وانتقل البوليس، ولكن الإسعاف لم يحضر إلابعد مرور ساعة على إصابة البنا، وكان دمه نزف كله، فهل أبطأ البوليس فى إخطار الإسعاف، أو أبطأ الإسعاف الذى نقله إلى المستشفى فى حالة ميئوس منها؟.. الإجابة عند الحرس الحديدى الثانى والرؤوس الكبيرة».
يكشف «المراغى» عن قصة ذات مغزى: «كان يوسف رشاد رئيس الحرس الحديدى يسمع الراديو فى آخر نشراته الإخبارية، فسمع خبر الاعتداء على البنا، فذهب إلى التليفون وطلب جناح الملك فى القصر، ورد أحد أتباع الملك، فأخبره أنه يريد التحدث إلى الملك، وعاد رجل الحاشية يقول: قل لى ماذا تريد لأن الملك مشغول.. فقال له: أرجو أن يكون جلالته مسرورا منا.. سأل رجل الحاشية: مسرورا على ماذا؟. قال يوسف: على قتل حسن البنا، فضحك رجل الحاشية وذهب أخبر الملك، وعاد يقول: مولانا يقول لك اتلهى على عينك ما شأنك أنت.. اتهم غيرك».
يؤكد الدكتور حمادة حسنى، أستاذ التاريخ بجامعة قناة السويس فى مقاله «تنظيم الملك فاروق السرى لتصفية خصومه «اليوم السابع»، 5 ديسمبر- 2008: «عندما أرادت السراى التخلص من البنا فى المرة الثانية، أبعدت العملية عن الحرس الحديدى، وكانت النتيجة أن قام بهذا العمل جهاز مماثل من البوليس رأسه الأميرالاى عبدالمجيد، واثنان من المخبرين من الصعيد».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة