دائماً ما كنت أتعجب أن جزءاً كبيراً من عذاب أهل الأعراف يوم القيامة فى الانتظار، فهل الانتظار عقوبة؟!.
الانتظار فى رأيى هو ذلك الأسلوب الخفى الذى يحمل فى طياته جميع الرسائل السلبية لمن ينتظر كالتجاهل والملل والضيق وغيرها، على أعتاب الانتظار تندثر الأشواق وتتبلد المشاعر وتذهب المودة إلى غير رجعة، لا يمكن أن تكون للحياة لذة مع كل هذه التأخيرات المرهقة، سواء كان ذلك على مستوى العلاقات الشخصية أو الأحداث اليومية، فكثيرا ما تسبب التأخير فى ضياع الكثير من الفرص الثمينة التى لن تعود مره أخرى، فدائماً ما أؤمن بأن لكل فرصة وقتها المناسب لاقتناصها ومع مرور الوقت يصبح الأمر أكثر صعوبة.
وفى مقابلة مع بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت وأغنى رجل فى العالم، سألته مقدمة البرنامج: ما هو سر نجاحك؟ فأعطاها شيك من دفتر شيكاته وعليه توقيعه البنكى، وقال لها: لك مطلق الحرية فى كتابة المبلغ الذى ترغبين به !! فاندهشت المذيعة وقالت: أنا لا أقصد هذا سيدى ثم عرضت عليه السؤال بطريقة أخرى، فأجاب نفس الإجابة أعطاها شيكا فرفضت أن تأخذه فمزق الشيك ثم قال لها: سر نجاحى هو أننى لا أضيع الفرص، كما فعلت أنتى الآن، كان من الممكن أن تكونى أغنى إعلامية فى العالم لكنك رفضت، فكرت قليلا وسألته: هل من الممكن أن تعاد الحلقة؟! فرد عليها: بالتأكيد! ولكن الفرصة لن تعود مرة أخرى!.
أتعجب من تلك المؤسسات التى تختبر صبر عملائها من خلال دفعهم للانتظار لأوقات طويله لإنجاز أعمالهم، فعلى أبواب العيادات يهدر المنتظرون ساعات طوال فى انتظار العرض على طبيبهم المفضل، وفى صالات انتظار البنوك والمؤسسات الحكومية والشركات التى تتعامل مع الجمهور ترى العجب وتتنفس الصعداء مع كل عميل يمضى ليقترب دورك من الوقوف أمام الموظف المرتقب، ومن المؤكد أن هذه ليست الطريقة المثلى، فلماذا يأتى آلاف العملاء فى طوابير انتظار أمام عدد محدود جدا من الموظفين، بينما نستطيع من خلال تطبيق أو موقع إلكترونى خدمة الملايين فى نفس التوقيت، وتكون مراجعة تلك المنشآت فى أضيق الحدود.
ولعل من أغرب ما جاء فى هذا الصدد ما قام به أحد العلماء النفسيين عندما طلب من أحد المحاكم السماح له بإجراء تجربته العلمية على أشخاص محكوم عليهم بالإعدام فوافقت المحكمة وقدمت له أحد السجناء، فذهب لهذا السجين وطلب منه الموافقة على طريقته فى الموت كما فى التجربة مقابل أن يقدم مبلغا ماليا لعائلته فى الخارج، خاصة أنه سيحكم عليه أصلاً بالموت بالشنق أو الرصاص، كما هو محكوم عليه فوافق السجين، وكانت التجربة تقوم على شق وريد السجين من يده اليمنى ثم يجعل الدم لينزل ويقطر فى وعاء خاص له ليعرف كم من الوقت يحتاج السجين حتى يموت وكم من الدم سيحتاج لتنتهى حياته، ثم قام العالم بشرح التجربة بالكامل للسجين.
وما هى الحالات التى سيصاب بها السجين بعد خروج دمه بكميات كبيرة (خاصة بأن التجربة ستتم والمريض معصوب العينين) وفعلاً قام العالم بشق وريد السجين بعد أن ربط يده إلى طرف الكرسى حتى لا يتحرك ثم وضع الوعاء الذى يتجمع فيه الدم على شكل قطرات مسموعة فعند نزول الدم إلى الوعاء تسمع صوت القطرة وهى تنزل عبر يد السجين، وبعد وقت قصير بدأ السجين يتغير لونه ويشعر بالتعب والارهاق ثم بدأ بالإغماء حتى بعد لحظات توفى !! المفاجأة هنا بأن التجربة نفسية ومن عالم نفسى، فلماذا يستخدم هذا العالم الأسلوب الجراحى؟! لأنه فى الأصل لم يكن هناك أى شى من التجربة تمت على هذا السجين!! فقد قام العالم بشق يد السجين فعلاً لكنه أوقف النزيف بعد لحظات ثم أحضر أنبوب ماء يجرى مع نفس المكان الذى كان الدم ينزل منه لتنزل عبر يد السجين وتهبط فى الوعاء ليسمع صوتها قطره وراء قطره وظن السجين أنها من دمه !
إنه الانتظار الذى يقتلنا قبل الوصول !!
هنا أدركت كيف يمكن أن يكون الانتظار عقابا مؤلما لمن سيقفون على جبل الأعراف بين الجنة والنار يوم القيامة منتظرين لمصيرهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة