فى تاريخ الشعوب لحظات لا تُنسى وذكريات عالقة فى الأذهان، ويتباين سلوك الناس فى التعاطى مع هذه الذكريات سواء بالاحتفال بها كونها سعيدة، أو العمل على تأبين بعضها كونها حزينة وتحمل فى طياتها مشاعر الحزن والألم والانكسار.
على الأراضى الليبية، تركت الدولة العثمانية إرثا من الدم منذ أكثر من مائتى عام للحكام الأتراك بسبب سلوك العثمانيين إزاء الشعب الليبى، إرثا ثقيلا يطارد النظام التركى الذى نكل بالمواطنين العرب خلال فترة احتلال الدولة العثمانية للدول العربية، وخاصة فى الدولة الليبية التى يحيى أبناؤها يوم 5 سبتمبر من كل عام ذكرى مذبحة الجوازى التى ارتكبها الأتراك بحق أبناء القبيلة المكلومة التى ارتوت مياه البحر بدماء الآلاف من أبنائها.
دبر العثمانيون مذبحة الجوازى فى شهر رمضان وذبحوا الآلاف من أبناء القبيلة، وذلك بسبب الخلاف الكبير بين الوالى العثمانى يوسف باشا القرمانى وابنه محمد، بعد هروب الابن لعدة أشهر خوفا من بطش أبيه، فاحتضنته قبيلة الجوازى القوية والمعروف عنها الكرم حتى انتهى الخلاف بين الأب وابنه.
خطط الوالى العثمانى للقضاء على القبيلة التى دعمت انقلاب ابنه ودبر فى الخفاء خطة للقضاء على شيوخ القبائل والتنكيل بباقى أبنائها، وتنكر الوالى العثمانى لزيارة وفد من كبار شيوخ القبيلة إلى قصره للمصالحة، وتخفيض الضرائب المفروضة عليهم، إلا أن الوالى طلب من ابنه أحمد أن يستقبل الشيوخ استقبالا طيبا وحسنا، وذلك فى إطار المخطط الخبيث الذى وضعه الوالى للتخلص من قبيلة الجوازى بشكل كامل على أن تكون البداية بقتل شيوخ القبيلة.
ماء على قهوة الجوازى
وضع الوالى العثمانى خطة ماكرة تشبه مذبحة القلعة التى خطط لها محمد على فى مصر للقضاء على المماليك، وكانت خطة الوالى العثمانى إبادة قبيلة الجوازى عبر استدراج شيوخ القبيلة إلى قصره لقتلهم والتخلص منهم بشكل كامل وبعد ذلك الانقضاض على كل أبناء القبيلة.
لجأ الوالى العثمانى يوسف باشا إلى استخدام سلاح الدهاء والوقيعة وتمكن من تجنيد أحد أفراد قبيلة الجوازى لاستدراج مشايخ القبيلة وإقناعهم بضرورة الحضور إلى قصر الوالى العثمانى، للتفاوض والمصالحة، ووافق مشايخ قبيلة الجوازى على دعوة الوالى العثمانى التى حملها أحد أبنائهم، وحضروا إلى بنغازى للقاء الوالى فى شهر رمضان.
فى 5 سبتمبر 1817، وصل 45 من شيوخ قبيلة الجوازى إلى قلعة الوالى العثمانى فى مدينة بنغازى وتحديدا فى قلعة قصر الحامية التركية الذى كان مكانه بجوار ميناء بنغازى والذى دمر فى الحرب العالمية الثانية، واستقبلهم الوالى العثمانى بقناعه الخبيث الذى خلفه وجهه الدموى، وقدم لهم القهوة بعد خطبة الترحيب والثناء على القبيلة.
وفى حين كان ابن الوالى العثمانى يبشر مشايخ القبيلة بعفو أبيه، دخل الحراس شاهرين سيوفهم لتنفيذ حكم الذبح والقتل الصادر عن الوالى العثمانى بحق شيوخ القبيلة جميعهم، وأجهز الحراس على عدد كبير من شيوخ الجوازى، وأخذوا من أظهروا بعض المقاومة إلى غرفة قريبة أعدت خصيصا لإعدامهم، واصطاد الحراس قلة حاولت الهروب بقتلهم بالرصاص.
وفى تفاصيل المجزرة يقول طبيب إيطالى رافق الحملة العسكرية للعثمانيين يدعى ديلاشيلا «فى الخامس من سبتمبر 1817 دخل شيوخ الجوازى بنغازى فى حفل بهيج وكان عددهم 45 شيخا، واتجهوا توا إلى القصر حيث وجدوا الباى نفسه فى استقبالهم بوجه بشوش ضاحك وهو يداعب فى كلمات ضاحكة هذا او ذلك منهم وأدخلوا القصر، وما أن دخلوا حتى قدمت لهم القهوة وتفضل الباى نفسه باحتسائها معهم مما أدى إلى اطمئنانهم وتخليهم عن الحذر والحيطة وإقبالهم على المصالحة بقبول مفتوحة، وفجأة تدافع إلى القاعة من الحجرات المجاورة مماليك الباى بسيوفهم المشهورة فانقضوا على شيوخ الجوازى، وقتلوهم فى الحال، ومن حاول الدفاع عن نفسه اقتيد إلى حجرة مجاورة ومنها أخرجوا واحدا واحدا حيث كان كل منهم يقتل صبرا، والقلائل الذين تمكنوا من الإفلات والفرار قتلوا رميا بالرصاص من بنادق الجند التى أطلقت على من فر منهم إلى أعالى القصر ليرمى نفسه من نوافذه وشرفاته، ومن نجا من الطلقات تلقته سيوف وخناجر الحرس المحيط بالقصر لتنهى حياته فى وحشية وفظاعة».
وواصل الطبيب الإيطالى أن هذا المشهد أعقبه حركة عشوائية بين الجند عمت سائر المدينة وما أن وقعت المذبحة هذه حتى سارع حاكم مصراتة «الأغا» بأمر الجنود بالتجمع فى سرعة للانقضاض على منتجعات الجوازى خارج المدينة، وقد أحدث خبب خيول الفرسان وركضها فى شوارع المدينة الضيقة فوضى وتخبط الرقيق والجند الذين لم يدركوا لهذا النفير المفاجئ فى الوضع سببا، فاندفعوا يجوبون شوارع البلدة وينشرون الرعب بين سكان المدينة الذين كانوا ضحية الاعتداءات وضحايا مثل هذه الحالات، قد كانت حالة من الاضطراب والرعب والفزع.
وتمكن أبناء قبيلة الجوازى من الحصول على وثيقة خطية عن واقعة إعدام شيوخ الجوازى فى قصر بنغازى، كتبها أحمد بن محمد الشنقيطى المغربى، وذكر فيها واقعة إعدام شيوخ القبيلة المغدورين على يد جنود الوالى العثمانى يوسف القرمانى، وبالوثيقة كشف بأسماء شيوخ الجوازى الذى تم قتلهم فى شهر رمضان.
كانت مذبحة بنغازى ضد شيوخ قبيلة الجوازى هى البداية للتخلص من بقية أبناء القبيلة، وأمر الوالى العثمانى جنوده بالتخلص من جميع أبنائها، وانتشر خبر المجزرة وعرف بها بعض أبناء القبيلة، فتمكنوا من الهرب تاركين خلفهم جميع ما يملكون، وخرج أحمد بن يوسف باشا بأقصى سرعة ممكنة ليفاجئ من تطاله يده من رجال ونساء وشيوخ بالقتل والذبح.
بعد أيام قليلة من المذبحة وصل إلى ميناء بنغازى باقى أفراد القبيلة للمصالحة مع الباشا العثمانى فى طرابلس، وكانت الخطة أن يصلوا إلى بنغازى ويشاركوا فى الاحتفال بتكريم قبيلتهم، لكن مصير أولئك لم يختلف عن أقاربهم، وقتلت القوات العثمانية ما يقرب من 10 آلاف شخص من قبيلة الجوازى وتمت إبادتهم، ما دفع باقى أبناء القبيلة الذين يعدون بالمئات للهجرة إلى مصر وتركزوا فى محافظات الصعيد.
وصادرت قوات الوالى العثمانى ممتلكات أبناء قبيلة الجوازى وجمعت الغنائم التى بلغت 4 آلاف جمل، و10 آلاف رأس من الغنم، و6 آلاف من البقر، ومبالغ مالية ضخمة ومئات الأسرى والسبايا من النساء.
وطاردت قوات الوالى العثمانى من تبقى من أبناء الجوازى فى جنوب البلاد، وعملت على تهجيرهم قسريا من البلاد وطردهم إلى خارج حدود الدولة، ما دفع أبناء الجوازى للهروب إلى الجزائر والمغرب، إلا أن مصر كانت وجهة الأغلبية التى دخلت عبر مدينة السلوم، وأقاموا فى ضيافة قبائل أولاد على لمدة ستة أشهر، ثم استكملوا السير حتى وصلوا إلى محافظة المنيا بصعيد مصر وتركزوا بها وبعضهم توجه لأقصى صعيد مصر.
ويصور الطبيب الإيطالى ديلاشيلا شراسة نجل الوالى العثمانى محمد باى بن يوسف باشا وقسوته فى وحشيته إلى حد «السادية» حينما يصف كيفية تجريمه السم الزعاف للخدم لا لشىء سوى تمتعه بمشاهدتهم يعانون آلام الاحتضار، ويذكر هذا الطبيب الإيطالى أن محمد باى بعد أن عاد إلى طرابلس من حملته على برقة، فقد صفة طاعة الابن لأوامر أبيه ولم يعد يحتمل الانصياع لإرادته حتى بلغ به الصلف حدا جعله يعتدى على أبيه فى ساعة غضب وحاول طعنه بخنجره، ولم ينقذ الأب الشيخ غير إقدام جارية من جواريه على تقبل الطعنة فى جسدها دفاعا عنه ولم يقتص الباشا لنفسه ولا الجارية من الابن، وإنما اكتفى بإبعاده عنه وتعيينه واليا على بنغازى ودرنة.
ولم ينتبه الوالى العثمانى يوسف باشا لهذا الخطأ السياسى الفادح إلا بعد فوات الوقت، وعندما علم بخروج محمد باى عن طاعته ومؤازرة قبيلة الجوازى التى كان قد أخضعها قبل ذلك لسلطان أبيه له فى تمرده على الباشا، أرسل الوالى الحملة العسكرية ضد ابنه الخارج عليه بقيادة ابنه الثانى أحمد باى والتى قتلت الآلاف من أبناء الجوازى.
ويضيف الطبيب الإيطالى ديلاشيلا وهو شاهد عيان رافق هذه الحملة العسكرية بصفته طبيبا خاصا للباى أحمد القرمانلى نجل الوالى، خبر هذه الحملة وخط سيرها، وكيفية تكوينها وأسلحتها وتنظيمها إلى جانب معلومات اخرى بالغة الأهمية فى كتاب وضع على شكل رسائل كان يبعث بها إلى ايطاليا، وفى الرسالة الثامنة عشرة وقد كتبها من بنغازى نجد ما يتعلق بمذبحة الجوازى فى بنغازى.
وحرصا على دقة الرواية ننقل جزءا منها يصف حالة المدينة قبل المجزرة «بينما كنت أرتاد المرتفعات الساحلية من برقة بحثا عن النباتات الطبيعية وعن الآثار القديمة، كان السلام مخيما على مدينة بنغازى، فالاحتفال برمضان يلبس المدينة مظهرا جديدا كل الجدة».. هذه هى الصورة التى وصف بها الطبيب الإيطالى احتفالات رمضان، فهى عنده صورة مادية صرفة لا تخرج عن نوم وأكل وشرب وقلب لمظهر الحياة اليومية.
يضيف الطبيب الإيطالى: «فى هذا الهدوء الشامل كانت تحاك خيوط مؤامرة دنيئة لتضع نهاية مخزية لهذه الحملة التى لم تلطخ حتى الآن بالدماء، ذلك أن قبيلة الجوازى لم تقدم ضحاياها تمردها وانضمامها إلى صفوف الخارج على سلطان ابيه، فهى قد انفصلت عنه قبل مجيئنا، وهى بكامل حريتها قد أرسلت إلى طرابلس ب 22 رهينة من أبناء أعيانها كدليل على صدق توبتها وصادق ولائها، وهى فوق ذلك قد استقبلت الباى أحمد وسائر جنده بحفاوة بالغة، غير أن هذا جميعه لم يقنع الباشا بأن هذا الولاء لا يرجع إلى عامل الخوف وحده».
الواقع أن الحياة القبلية فى برقة كانت عائقا قويا يعوق أية سلطة ضعيفة عن بسط نفوذها الفعلى على الإقليم، فكانت حركات التمرد على الحكم المحلى وكانت الحروب القبلية طابع تلك الفترة من التاريخ، إلا أن القوات العثمانية تمكنت من بسط سيطرتها لفترة بعد قتل الآلاف من أبناء قبيلة الجوازى.
ومن بين القبائل التى نزحت بكاملها من برقة إلى الشرق أولاد على والفوايد والرماح والجوازى والبراعصة، وتؤكد بعض الروايات الشعبية أن الهنادى وأولاد سلام «السلالمة» قد نزحت هى الأخرى عن برقة، كما أن قبائل معدان والفرجان والقذاذفة والبكور والمرازيق وغيرها قد تركت هى أيضا مناطق سكنها بتزحزحها نحو الغرب الليبى.
عمل النظام العثمانى على نشر الفتن السياسية بين القبائل الليبية واستخدم الأتراك والقرمانليين القبائل الليبية لتعزيز وترسيخ حكمهم، وذلك على حساب تلك الأشلاء المضرجة بدمائها.
ويضيف الطبيب الإيطالى فى رسائله التى كان يرسلها إلى روما حول المجزرة البشعة: «ما إن علمت الجوازى بالمذبحة حتى حشدت قواها تاركين النساء والأطفال والشيوخ، واندفع الباى بجواده مهاجما مضارب القبيلة حيث النساء والأطفال واستهدفه بسيفه وقتل منهم الكثير».
ويضيف الطبيب الإيطالى: «بعد أيام قليلة من وقوع الجوازى فريسة الباى وضحية لثقتهم فيه، سقط تحت ضربات جلادى الباى أولئك الرهائن الاثنتان والعشرون الذين أعادهم الباشا إلى بنغازى بطريق البحر موهما إياهم بأنه سيطلق سراحهم فى نفس يوم الاحتفال بتوزيع البرانس الحمر غير أن الذى تحقق فى هذه الوعود كان غير ذلك، إذ إنهم اقتيدوا واحدا فواحدا إلى حافة السفينة، حيث ضربت أعناقهم ورمى بجثثهم.
نزحت قبيلة الجوازى عن برقة (مدن الشرق الليبى) بعد استمرار الحرب التى استمرت لأكثر من 10 عشر سنوات استنزفت فيها إمكانية القبيلة، فضلا عن صدور فرمان تركى من الباب العالى بقتل كل من يحمل لقب جازوى ومصادرة أملاكه، ما اضطر الكثيرين للهجرة، وآخرون اضطروا إلى تغيير أسمائهم والانتماء إلى قبائل أخرى من أجل الحفاظ على الأرواح والممتلكات.
وبعد مرور أكثر من مائتى عام من المجزرة تعمل قبائل الجوازى على مقاضاة الحكومة التركية، وذلك للحصول على حقوق أجدادهم الذين قتلوا وذبحوا على يد القوات العثمانية التى كانت تحتل ليبيا فى القرن التاسع عشر.
دعاوى قضائية
بدوره قال صالح حزاز رئيس مجلس شباب قبيلة الجوازى، حفيد أحد الشيوخ الذين تعرضوا الخيانة فى المذبحة، إن أبناء القبيلة يقومون بعدة تحركات بالتنسيق مع شيوخ القبيلة وقيادتها بخصوص المطالبة بحقوق قبيلة الجوازى فى رد الاعتبار والاعتراف والاعتذار والتعويض المادى والمعنوى لأبناء القبيلة والضحايا الذين قضوا فى هذه الجريمة البشعة من الدولة التركية التى تعد الوريث الشرعى والوحيد للحكم العثمانى والقرمانلى.
وأكد حزاز فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع» أن فكرة إقامة دعوى قضائية ضد الحكومة التركية تبناها مجلس شباب القبيلة منذ إحياء أول ذكرى للمذبحة والتى قام بها مجلس الشباب والأمل مرة فى تاريخ ليبيا والقبيلة يوم 5 سبتمبر 2015 بمدينة بنغازى، وكان حدثا مهما، وكشف فيه الستار بشكل علنى أمام الإعلام والقنوات وبحضور قيادات من القبائل ومؤسسات المجتمع المدنى والحقوقيين وممثل لقيادة الجيش الليبى عن تفاصيل المذبحة، مشيرا إلى أن جميعهم أكدوا دعم القضية وأنها قضية جميع الليبيين وعلى استعداد لتقديم كافة أنواع الدعم لهذه القضية العادلة.
وأشار إلى أن قبيلة الجوازى إحدى مكونات الشعب الليبى الأساسية وهى لا تطالب بتعويضات لأبناء القبيلة وإنما بشكل عام لكل الليبيين والتعويض يمكن أن يأتى بشكل بناء مستشفيات أو طرق أو مشاريع يستفيد منها الشعب الليبى حسب ما تراه مناسب الدولة الليبية وبهذا الشكل يكون أبناء قبيلة الجوازى قد استفادوا من التعويض مع كافة أبناء الشعب الليبى.
وأوضح حزاز أن أبناء قبيلة الجوازى المتواجدين فى مصر هم امتداد طبيعى لأبناء القبيلة المتواجدين فى ليبيا وهى
مسقط رأسهم وموطنهم الأصلى، مشيرا إلى أن سبب تواجدهم بمصر هو التهجير الذى تعرضوا له من قبل الحاكم التركى والتطهير العرقى بعد صدور الفرمان التركى من الباب العالى بقتل كل من يحمل لقب جازوى ومصادرة أملاكه، وهذا الأمر الذى جعل أغلب آباء القبيلة يهاجرون ويتركون موطنهم الأصلى وكان أغلب وجهتهم إلى مصر بحكم قربها وعلاقتها التاريخية بالشعب المصرى الذى كان دائما فى الموعد مع إخوته الليبيين على مدى التاريخ، ومنهم من اتجه إلى أماكن أخرى غربا وجنوبا.
وعن مراحل مقاضاة تركيا، أكد صالح حزاز، أنه يجب أولا إشهار القضية والتعريف بها للرأى العام الليبى والدولى فى جميع المحافل الرسمية والاجتماعية، وشرح القضية بشكل موسع والرد على المشككين فى القضية من الإخوان ومن يدور فى فلكهم، وثانيا قضية مذبحة شيوخ قبيلة الجوازى هى قضية وطن، مشيرا إلى اعتماد شيوخ وأعيان وشباب القبيلة للقضية التى لا نراها قضية قبلية محصورة فى قبيلة، كما جاء فى المذكرة التى قدمها مجلس شباب قبيلة الجوازى لرئيس البرلمان الليبى المستشار عقيلة صالح.
وأوضح أن رئيس مجلس النواب الليبى أكد دعمه غير المحدود لهذه القضية العادلة فى المقابلة التى جمعته بشيوخ وشباب قبيلة الجوازى، مؤكدا أن الهدف وهو استرجاع الحقوق من المحتل التركى العثمانى، مؤكدا أن ثالث المراحل تقديم الوثائق والمراجع التى تثبت حدوث هذه المذبحة ولا مجال للطعن أو التشكيك بها، ورابع المراحل حشد دعم المنظمات الدولية الحقوقية والدول المحبة للسلام باعتبار هذه القضية العادلة لاسترجاع حقوق الضحايا.
وعن أسباب استهدف الوالى التركى العثمانى لقبيلة الجوازى تحديدا، أكد صالح حزاز أن سبب استهداف قبيلة الجوازى هو أنها كانت أكبر القبائل الليبية فى المنطقة وليبيا بشكل عام، وكانت لها قيادة وقوة منظمة وسيطرة على أراض واسعة فى برقة وهى أكبر قبائل الجبارنة، بالإضافة إلى رفض القبيلة لدفع (الميرى) الضرائب للوالى التركى وحذت القبائل الصغيرة التى كانت تحت حماية قبيلة الجوازى حذوها.
وأشار حزاز إلى أن الحكومة التركية لم تتواصل حتى اللحظة مع مجلس شباب قبيلة الجوازى، لافتا إلى وجود محاولات غير مباشرة من قبل أنقرة للتواصل مع المجلس إلا أن الأخير يرفض التواصل المباشر مع الأتراك إلا عن طريق الحكومة الليبية، لأن قضية الجوازى هى بالأساس قضية وطن وهى تمثل كافة ابناء الشعب الليبى.
غدر وخيانة
يذكر أن الآلاف من أبناء قبيلة الجوازى الليبية نزحوا من ليبيا إلى محافظات الصعيد وتحديدا محافظة المنيا، ويتركز جزء كبير من أبناء القبيلة فى المحافظة.
توجه مراسل «اليوم السابع» إلى محافظة المنيا للحديث مع أحد أبناء قبيلة الجوازى المهجرين من ليبيا ووصلنا إلى منزل العمدة سيف إبراهيم حدوث الجازوى وهو المنسق العام للقبيلة ورئيس المجلس الأعلى لها فى مصر، والذى استقبلنا بكل ود وتحدث معنا مباشرة حول تفاصيل المجزرة، مؤكدا أن الجوازى تعرضت لغدر وخيانة من الحاكم التركى القرمانلى، واصفا ما حدث بالتطهير العرقى والقتل والسلب والتهجير والتى أجبرت أبناء الجوازى على الهجرة لمصر.
وآكد رئيس المجلس الأعلى لقبيلة الجوازى بمصر فى حديثه لـ»اليوم السابع» أنه بعد حدوث المذبحة البشعة واندلاع الحرب بين فرسان قبيلة الجوازى وجنود الباشا التركى القرمانلى وقواته الانكشارية تواطؤ بعض الخونة والأتباع، مشيرا إلى أن الحاكم العثمانى أصدر فرمانا بقتل كل من يحمل لقب جازوى ومصادرة املاكه، ما أدى لسقوط الكثير من القتلى والجرحى من أبناء القبيلة واستنزاف ثرواتها.
العمدة سيف أكد لنا أن شيوخ القبيلة قد غرر بهم ما دفعهم للانسحاب والتراجع والابتعاد عن مناطق الاشتباك، مؤكدا أن من تبقى من أبناء الجوازى اضطر إلى إخفاء اسم القبيلة والدخول مع عائلات وقبائل من أجل الحفاظ على الحياة، وأثناء الانسحاب فى اتجاه الشرق توقفت القبيلة فترة من الزمن فى الجبل الأخضر بالقرب من قبائل العبيدات حتى شفى المريض ودفنوا الموتى، واستعادوا قوتهم وتنظيم صفوفهم من أجل الرحيل وحتى تضع كل ذات حمل حملها، على حد قوله.
ويضيف العمدة سيف: «واصل الآباء والأجداد السير حتى وصلوا إلى مناطق تمركز قبائل أولاد على ومكثوا فى ضيافتهم أكثر من ستة أشهر وبعدها واصلوا الرحيل باتجاة الصعيد المصرى حتى وصلوا محافظة المنيا واستوطنوا فيها بجوار ضفاف نهر النيل ومنهم من بقى فى الفيوم.. كان لهم دور فى الحروب التى خاضها الخديوى فى مصر والسودان والشام والسعودية، وكان هناك شبه تحالف أو اتفاق بهذا الشأن».
وأشار إلى دخول عدد من أبناء الجوازى فى العمل السياسى والعسكرى بعد فترة من الزمن ووصلوا إلى أرفع المناصب فى الدولة المصرية سواء السياسية أو العسكرية، لافتا إلى أن جزء كبير من أبناء الجوازى عادوا إلى ليبيا على فترات متقطعة ومنهم من بقى فى المنيا وضواحيها إلى الآن وهم فى أفضل أوضاعهم الاجتماعية والسياسية.
وحول التحركات التى ستقوم بها القبيلة حول مذبحة الجوازى، أكد العمدة سيف أن الدولة التركية هى الوريث الشرعى والوحيد للعثمانيين والقرمانليين، مشيرا إلى أن مطالب أبناء الجوازى تتلخص فى الاعتراف التركى بالمذبحة، وتقديم الاعتذار عن هذه الجريمة للقبيلة وللدولة الليبية، وتقديم التعويضات المادية والمعنوية لأهالى الضحايا والدولة الليبية، موضحا أنه فى حال عدم استجابة الدولة التركية لهذه المطالب يحق لأبناء الجوازى تدويل القضية وعلى أعلى المستويات، للمطالبة بالحقوق المشروعة، موضحا أن هذه المطالب اتفق عليه شيوخ وقيادات القبيلة فى ليبيا ومصر، مؤكدا أن الأتراك طيلة العهد العثمانى نكلوا بالشعوب العربية وارتكبوا المذابح ضد أبنائها ولم يكونوا أبدا أوفياء لهذه الشعوب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة