كان العام 2019، والذى شرف على الانتهاء، شاهدا على تغيرات كبيرة فى قطاع السياحة العالمية، أدت إلى سقوط بعض القوى وتراجع الاخرى، ودخول عناصر جديدة إلى الخريطة الدولية، تلك الأحداث جميعها سيكون لها حتما تداعيات على قطاع السياحة العالمى فى 2020.
الأمر اللافت فى 2019 هو دخول قطاع السياحة لساحة التجاذبات السياسية بين الكبار، حيث حاولت أمريكا والصين استخدامها كسلاح معوق ضد بعضهما البعض لعرقلة النمو الاقتصادى، وذلك نظرا لأهمية السياحة بالنسبة للبلدين، حيث احتلت الولايات المتحدة الأمريكية والصين أكبر اقتصادات للسفر والسياحة في عام 2018، و شكلت مجتمعة حوالي 35,2% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للسفر والسياحة على مستوى العالم، تليها اليابان وألمانيا والمملكة المتحدة.
ومن هنا تحولت السياحة إلى أداة مهمة فى يد من يمتلكها، وهذا يرجع إلى مكانة هذا القطاع القوى فى اقتصاديات الدول، وظهر هذا جليا عندما نجحت الحكومة الصينية فى تحجيم سياحتها لأمريكا والتى أدت إلى انخفاضها بشكل كبير، عقابا لها على حربها التجارية ضد بكين.
تلك التداعيات يمكنها أن تفسر الخطوات السريعة التى حاولت الصين اتخاذها لاقتحام قطاع السياحة عالميا، وامتلاك مفاتيحه، حيث رأينا بكين خلال 2019 تستحوذ على علامات تجارية كبيرة فى قطاع شركات السياحة والفنادق أيضا، والدخول فى شراكات وعقد صفقات مع عمالقة القطاع.
ويعد شراء شركة فوسون الصينية فى نوفمبر الماضى لحقوق العلامة التجارية توماس كوك Thomas Cook مقابل 12 مليون يورو، هى أهم صفقة، حيث تعد تلك العلامة الأشهر فى تاريخ السياحة العالمية وأقدم شركة قدمت خدماتها لملايين المسافرين حول العالم، وهى الشركة التى ظلت بريطانية الجنسية منذ إنشائها فى عام 1841 حتى اشترت شركة فوسون الصينية حقوق تسميتها.
وستستخدم الشركة الصينية البراند فى عروضها السياحية فى المستقبل من شنغهاي بالصين، كما أن المجموعة الصينية Fosun إلى جانب استحواذها على العلامة التجارية توماس كوك، استحوذت أيضًا على سلاسل الفنادق Casa Cook و Cook's Club، وقال تشيان جيان نونج رئيس شركة فوسون للسياحة: "يتيح الاستحواذ على علامة توماس كوك للمجموعة توسيع أعمالها السياحية".
وتخطط فوسون لاستخدام الاسم في وقت مبكر من العام المقبل 2020، حيث سيتم إنشاء منصة سفر للعملاء الأوروبيين، وقالت وكالة بلومبرج أنه سيتم تلخيص بعض عروض السفر الحالية لشركة فوسون وإعادة تسميتها باسم توماس كوك، وستعمل على جذب المسافرين في أوروبا الذين هم على دراية بالاسم إلى منتجعات فوسون بهذه الطريقة.
ليس هذا فحسب بل استطاعت مجموعة Huazhu الصينية شراء فنادق شتيجنبرجر Steigenberger، مقابل 700 مليون يورو، من رجل الأعمال المصرى حامد الشيتى، وتضم الفنادق 118 فندقًا في 19 دولة أغلبها أوربية، ومن بينها العلامات التجارية Steigenberger و IntercityHotel و MAXX من Steigenberger و Jaz in the City والسلسلة الدنماركية Zleep Hotels التي تم شراؤها العام الماضي.
وأعلن عن الصفقة المالك الجديد لمجموعة الفنادق، حيث أكدت شركة الفنادق الصينية Huazhu شراء "دويتشه هوسبيتالتى" Deutsche Hospitality التابعة لشركة Steigenberger مقابل 700 مليون يورو من رجل الأعمال المصري حامد الشيتى.
وشركة Huazhu الصينية مدرجة في بورصة نيويورك للأوراق المالية، وتمتلك أكثر من 5000 فندق في 400 مدينة تحت 18 علامة تجارية مختلفة، و تعد الشركة بالتالي تاسع أكبر مشغل للفنادق في العالم، وقالت الشركة "الاستحواذ على شركة دويتشه هوسبيتاليتي يسرع استراتيجية النمو"، وقال جيني تشانغ الرئيس التنفيذي لشركة هوازهو إن المجموعة تريد في المستقبل "الضيافة الأوروبية والجودة الألمانية والسرعة الآسيوية".
وبدأ تاريخ شتيجنبرجر في عام 1930، عندما اشترى Albert Steigenberger فندق Europäischer Hof في بادن بادن ، وفي عام 1940 حصل على Frankfurter Hof، وبعد وفاته واصل ابنه ايغون العمل فى المجموعة، وعندما توفي في عام 1985 ترك ما مجموعه 28 فندقًا إلى آن ماري شتاينبرجر، في عام 2009 ، باعت الأسرة 99.6 في المائة من أسهمها في الشركة لمجموعة ترافكو المصرية.
وحافظت علي ثلاثة فنادق فقط: فرانكفورتر هوف ، وفندق المطار، و Steigenberger Grandhotel في دافوس.
"الصين تسعى بقوة للسيطرة على سوق السياحة والسفر"، هذا ما أكده الدكتور سعيد البطوطى الخبير السياحى ومستشار بمنظمة السياحة العالمية لليوم السابع تعليقا على الصفقات التى عقدتها شركات صينية مؤخرا، مشيرا إلى أن بكين دخلت مجال السياحة والفنادق العالمية للسيطرة على القطاع، وجميع تحركاتهم تأتى فى هذا الاتجاه.
ولفت البطوطى إلى أن الاقتصاد الصينى قوى للغاية وهو ثالث أكبر اقتصاد عالميا، وفى الوقت ذاته تعد الصين أكبر مصدر للسياحة عالميا، حيث ساهمت وحدها في حوالي ربع النمو في السفر والسياحة العالمي العام الماضي، وبالتالى امتلاكها للأصول سواء من شركات أو فنادق يمكنها من التحكم فى السوق العالمى.
وقال الخبير السياحى:" الصين نجحت فى إتمام صفقات قوية خلال العام الجارى، وهدفها استخدام ذلك فى حروبها ضد أمريكا والاتحاد الاوروبى، فالحروب حاليا اقتصادية والصين تسعى لاستغلال السياحة لتصفية الحسابات".
وأوضح أن بكين من خلال توماس كوك يسيطر على السوق الاوروبى وكذلك السوق فى جنوب شرق أسيا، علاوة على أن هما يخططون لشراء شركات آخرى فى أوروبا، معتمدة فى ذلك على امكانياتها المالية، منوها إلى أن ستثماراتهم فى مجال السياحة والفنادق تنمو بشكل سريع جدا.
ولفت إلى أن هناك حديث فى الأوساط العالمية عن مفاوضات جارية للاستحواذ على مجموعة آكور سلسلة الفنادق الفرنسية الشهيرة، لافتا إلى أنهم دخلوا كشراء فى 2016 فى المجموعة عندما فتحت باب توسيع مجلس إدارتها ليشمل عدد من المستثمرين الغير فرنسيين، ولكن هناك حديث فى الأوساط عن محاولة الصين لتوسيع حصتها، وقال :" الاقتصاد هو البوابة الأساسية وطريق الحكومة الصينية للتفاوض السياسى، مع امريكا والاتحاد الأوروبى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة