فى تطور للأحداث الساخنة فى الشارع اللبنانى الذى ما زال منتفضا منذ 17 أكتوبر الماضى تجمع اليوم مئات المتظاهرين بوسط بيروت فى مواجهة عناصر القوى الأمنية التى أغلقت كل الطرق المؤدية إلى البرلمان، قبل جلسة تشريعية مثيرة للجدل تثير غضب الشارع الذى يطالب منذ شهر برحيل الطبقة السياسية، كان مقررا عقدها اليوم ولكن تم إرجاؤها لعدم اكتمال النصاب بعد أن منع المتظاهرون النواب من الوصول لمقر ابرلمان ويثير قانون العفو العام غضب المحتجين الذين يطالبون منذ نحو شهر برحيل كل الطبقة السياسية ويعتبرونه التفافا على مطالبهم.
وساد الهدوء العاصمة اللبنانية بيروت، بعد أن حالت المظاهرات والاحتجاجات الحاشدة دون انعقاد الجلسة التشريعية للمجلس النيابى، فى ما طغت الأجواء الاحتفالية على تجمعات المتظاهرين فى وسط العاصمة بعدما اعتبروا أنهم حققوا إنجازا جديدا منذ اندلاع الاحتجاجات قبل أكثر من شهر.
واكتفى المحتجون والمتظاهرون، فى معظمهم بالتواجد داخل ساحتى الشهداء ورياض الصلح ببيروت، رافعين أعلام لبنان ومرددين الأغانى والهتافات، وانخفضت أعدادهم بصورة ملحوظة عن الأعداد الحاشدة التى تواجدت منذ الصباح الباكر وحاصرت المجلس النيابى لمنع انعقاد جلستين لانتخاب اللجان البرلمانية والتشريع.
وسادت مظاهر الفرح والاحتفال تجمعات المتظاهرين الذين بقوا فى العاصمة، مؤكدين أنهم "انتصروا فى معركتهم فى مواجهة السلطة السياسية التى أرادت الالتفاف على المطالب الشعبية" بإجبار العديد من الكتل النيابية والنواب المستقلين على اتخاذ قرار بعدم الذهاب والمشاركة فى أعمال الجلسة التشريعية، وكذا منعهم من أراد من النواب من الدخول إلى مقر مجلس النواب.
ويفترض أن ينتخب النواب فى مرحلة أولى أعضاء هيئة المجلس واللجان النيابية قبل أن تتحول الجلسة إلى تشريعية وعلى جدول أعمالها مشاريع قوانين مثيرة للجدل، بينها قانون عفو عام يستفيد منه آلاف الموقوفين والمطلوبين بجرائم عدة. ويثير ذلك غضب المتظاهرين الذين يعتبرون أن الأولوية حالياً يجب أن تكون لتشكيل حكومة جديدة.
وأعلن الأمين العام لهيئة مكتب مجلس النواب عدنان ضاهر فى بيان تلاه أمام صحفيين فى البرلمان، عدم اكتمال النصاب المطلوب نظراً إلى "الظروف الاستثنائية الحاضرة لا سيما الأمنية منها"، مضيفاً: "أرجئت الجلسة إلى موعد يُحدد فيما بعد". وهو التأجيل الثانى خلال أسبوع تحت ضغط الشارع الذى يرفض أن يقوم النواب بالتشريع ويطالب برحيل الطبقة السياسية.
تدافع واشتباكات
ووقعت صباح اليوم أحداث تدافع وبعض الاشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية على خلفية محاولات بعض التجمعات الاحتجاجية الاقتراب بالقوة من المجلس النيابى، وكذا أثناء اعتراض بعض مواكب السيارات التى تقل مجموعة من النواب، فى ما اختفت مظاهر التوتر والاشتباك فى أعقاب إعلان إرجاء الجلسة التشريعية لموعد يحدد لاحقا.
وسبق هذا الأمر إعلان عدد من التكتلات النيابية الرئيسية والمتمثلة فى تيار المستقبل وأحزاب القوات اللبنانية والتقدمى الاشتراكى والكتائب اللبنانية وكتلة تيار العزم، إلى جانب نواب مستقلين، مقاطعة الجلسة التشريعية.
ونقل تليفزيون لبنان أن موكباً من ثلاث سيارات أطلق النار فى الهواء فى وسط بيروت فى محاولة لتفريق المتظاهرين.
وعمدت القوى الأمنية والعسكرية باكراً إلى إقفال كل المداخل المؤدية إلى ساحة النجمة حيث مقر البرلمان، ونفذت وحدات مكافحة الشغب وعناصر من الجيش انتشاراً غير مسبوق غداة دعوة المتظاهرين إلى قطع الطرق لمنع النواب من الوصول إلى الجلسة.
فى الوقت نفسه، أعادت المصارف اللبنانية فتح أبوابها اليوم بعد إقفال قسرى خلال الأسبوعين الأولين من الاحتجاجات، ثم إضراب لموظفيها لمدة أسبوع.
ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر مظاهرات غير مسبوقة بدأت على خلفية مطالب معيشية، ويبدو الحراك عابراً للطوائف والمناطق، ويتمسك بمطلب رحيل الطبقة السياسية بلا استثناء.
وتطالب الاحتجاجات الشعبية بسرعة تشكيل حكومة من الاختصاصيين التكنوقراط بمعزل تام عن الولاءات السياسية والحزبية، فى ما يصر الرئيس اللبنانى ميشال عون وحزب الله وحركة أمل والتيار الوطنى الحر بتشكيل حكومة جامعة من السياسيين والتكنوقراط.
ويتمسك الثنائى الشيعى (حزب الله وحركة أمل) بحكومة تكنو-سياسية على رأسها سعد الحريرى الذى يرأس حاليا حكومة تصريف الأعمال، وفى حالة إصرار الحريرى على عدم القبول بتشكيل حكومة على هذا النحو، يتم ترشيح شخصية أخرى شريطة أن تحظى بموافقة ودعم من الحريرى ومن ثم الطائفة السُنّية فى البلاد، باعتباره الزعيم السياسى الأبرز فى طائفته.
وفى المقابل، يشترط الحريرى لقبوله رئاسة الحكومة الجديدة، تشكيل حكومة تكنوقراط خالصة، بما ينسجم مع تطلعات الشارع وتجنبا للمناكفات والتعطيل السياسي، وحتى يمكن للبنان الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية والنقدية الحادة التى يمر بها.
وزاد من غضب الناس لدى نزولهم إلى الشارع نقص السيولة فى المصارف وارتفاع سعر الدولار الذى صار نادرا بسبب وجود تسعيرتين له، الأولى من مصرف لبنان وهى 1507 ليرات لبنانية، والثانية فى سوق موازية يرتفع فيها أحيانا الى حدود الألفى ليرة. وقرّر موظفو المصارف تنفيذ إضراب بسبب تعرضهم للإهانات والتهجم من محتجين دخل بعضهم المصارف وحاولوا سحب مبالغ مالية من دون أن يوفقوا.
وتحت ضغط الشارع، قدم رئيس الحكومة سعد الحريرى استقالته فى 29 أكتوبر. لكن لم يبدأ رئيس الجمهورية ميشال عون استشارات نيابية جديدة لتسمية رئيس حكومة جديد، ما يثير غضب المتظاهرين الذين يطالبون بتشكيل حكومة اختصاصيين.
وأعلن نواب مستقلون وكتلتا القوات والكتائب أنهم لن يشاركوا فى الجلسة، بينما قال نواب من كتلتى المستقبل برئاسة الحريرى والحزب التقدمى الاشتراكى أنهم لن يشاركوا فى الجلسة من دون أن تصدر مواقف رسمية عن حزبيهما.
مصارف لبنان
ومن جهة أخرى وصفت جمعية مصارف لبنان، حجم الإقبال على البنوك اليوم، بعد أسبوع من الإغلاق القسرى جراء إضراب القطاع المصرفى، بأنه كثيف نسبيا.
وذكرت جمعية مصارف لبنان – فى بيان لها مساء اليوم – أن المودعين والمتعاملين مع البنوك تفاعلوا بإيجابية مع إجراءات موظفى البنوك، وأبدوا تفهما للتوجيهات العامة المؤقتة التى زودت بها الجمعية موظفى القطاع المصرفى من أجل تجاوز الأوضاع الاستثنائية الراهنة التى يشهدها لبنان.
وأشارت الجمعية إلى أن خطة تأمين البنوك فى عموم لبنان التى تم التوصل إليها وتنفيذها بمعرفة وزارة الداخلية وجهاز قوى الأمن الداخلي، أشاعت أجواء من الارتياح العام فى محيط الفروع المصرفية على نحو انعكس إيجابا على أداء الموظفين وتعامل المواطنين مع البنوك.
وكانت جمعية مصارف لبنان قد عممت على البنوك لائحة من الإجراءات المصرفية المؤقتة، من بينها تحديد المبالغ النقدية الممكن سحبها بمعدل ألف دولار أمريكى كحد أقصى أسبوعيا لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار، وقصر التحويلات إلى الخارج لتغطية النفقات الشخصية المُلحة.
ودخلت كافة البنوك فى لبنان فى إضراب عام اعتبارا من الثلاثاء الماضي، حيث امتنع موظفو البنوك عن الذهاب إلى أعمالهم استجابة لقرار اتحاد نقابات موظفى المصارف، مشيرين إلى أن القيود والتدابير الاستثنائية التى اتخذتها البنوك فى شأن المعاملات عقب انتهاء فترة الإغلاق وتوقف عمل القطاع المصرفى بالكامل، والتى استمرت قرابة أسبوعين خلال شهر أكتوبر الماضى، تسببت فى تعرض موظفى البنوك لإهانات لفظية بلغت حد الاعتداءات الجسدية من قبل المودعين وعملاء البنوك الذين أصيبوا بالاضطراب والهلع.
ولجأت البنوك اللبنانية منذ أن عاودت فتح أبوابها فى أول نوفمبر الجارى إلى فرض قيود داخلية بمعرفتها بصورة استثنائية ومؤقتة على عمليات سحب الدولار الأمريكى بكميات كبيرة، وكذلك التحويلات إلى الخارج، لمنع الاستنزاف السريع للعملة الصعبة لديها جراء حالة الاضطراب التى تسود البلاد، تمثلت فى وضع سقوف متفاوتة لعمليات السحب والتحويل.
وأثارت هذه الإجراءات الاستثنائية حالة من القلق والاضطراب لدى المودعين الذين كانوا قد تهافتوا على البنوك لسحب كميات كبيرة من السيولة النقدية بالدولار الأمريكي، على نحو أوجد حالة من التجاذب والمشادات الكلامية التى تطورت فى بعض الأحيان إلى اعتداءات جسدية فى فروع البنوك بين المودعين والموظفين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة