"كانت ميشيل أختي الصغيرة هى مثلي الأعلى فى الصبر والمحاربة"، هكذا بدأت بولا حجل حديثها عن شقيقتها الراحلة ميشيل حجل، وصيفة ملكة جمال لبنان السابقة، والتى خاضت تجربة طويلة وعنيفة مع مرض السرطان، استطاعت خلالها أن تتغلب على المرض، حتى هزمها هذا المرض اللعين مجدّدًا، وتوفيت قبل أربعة أشهر تاركة أثرا عميقا فى قلوب أهلها وأصدقائها وكل محبيها ومعجبيها حول العالم.
ميشيل حجل
كانت قصة ميشيل حجل هى واحدة من أبرز قصص السرطان المؤثرة، حيث تركت أثاراً واضحة فى قلوب كل من عاش وتابع معها قصتها، حين هزمها المرض بعد انتصارها الملهم فى معركتها الأولى معه، والتى حرصت ميشيل خلالها أن تنشر روحها الإيجابية وقدرتها على المحاربة، من خلال ظهورها فى عدة لقاءات تليفزيونية خلال فترة المرض، تحدثت فيها ميشيل عن مدى قوتها وصلابتها فى مواجهة هذا العدو "السرطان".
وتحدثت بولا مع مجلة فوج فى نسختها للشرق الأوسط: عائلتنا صغيرة أنا الأكبر، ثم أختي كريستين، ومن ثم ميشيل الأصغر والأكثر حيوية وإشراقاً، كانت في الخامسة والعشرين من عمرها، وكانت لديها مهمة وشغفاً واضحاً لمساعدة الآخرين على التغلب على ما لم تستطع، وهذا الشغف لإكمال أمنيتها الأخيرة هو ما يدفعني للحديث الآن.
ميشيل حجل قبل المرض
أفصحت بولا حجل للمجلة عن شعورها كأخت أكبر بهذا الصراع الذى ترك شرخاً بداخلها لن يستطيع الزمن إصلاحه، مشيرة إلى أن الجميع يظن أن الشعور هو مجرد فقدان شقيقة، ولكن الأمر مختلف تماماً بالنسبة لها، "أشعر وأننى فقدت ابنتي، قطعة منى، فعندما ولدت ميشيل، كان عمري 15 عامًا، وبمجرد وصولها إلى حياتنا أصبحت أم، أعد لها طعامها، أساعدها في ترتيب غرفتها، وأحرص على ظهورها بأجمل مظهر".
ميشيل حجل وشقيقتها بولا
تتابع بولا: تزوجت عندما كان عمري 21 عامًا، عندما كانت ميشيل في السادسة من عمرها فقط، أتذكر ظهورها بثوب أبيض برئ، وتاج كالأميرات، وملامح وجه حزينة، فمن المعتاد أن يبكي الوالدان والعروس في حفلات الزفاف، لكن أختي هي التي بكت أكثر منا جميعاً، كانت لا تريدنى أن اذهب وأتركها، لم تكن تريدني أن أنتقل إلى دبي للاستقرار مع زوجى هناك، ولكن ماذا يمكنني أن أفعل؟، أخبرتها أننا سنتحدث كل يوم، وقد فعلنا، فلم افارقها ولو يوم واحد طيلة فترة البعد.
ميشيل فى فوتوسيشن بعد المرض
كانت في الحادية عشرة من عمرها عندما قامت برحلتها الأولى إلى الخارج من بيروت إلى دبي لزيارتي، لم تكن منزعجة أو خائفة، كانت دائما إيجابية وسعيدة، تربت على أن لطيفة وهادئة ومتفائلة، كانت تحب مساعدة الآخرين بشكل جنونى، فكانت المرة الوحيدة التي استُدعيت فيها عائلتي إلى المدرسة لأن ميشيل كانت تساعد صديقاتها أثناء اختباراتهما، أختي كانت الأكثر تدينا بيننا. كنا نعرف كيف نصلي، لكنها علمتنا كيفية القيام بذلك بشكل صحيح، كانت تقول دائمًا: "الصلوات تصنع المعجزات"، أعطتنا ميشيل القدرة على الوصول إلى الله بقلوبنا، والآن في كل مرة أفتقدها، أصلي، فهذا هو الوقت الذي أشعر بها جواري.
ميشيل حجل ملكة جمال لبنان
اعتادت ميشيل أن تخبر الجميع، إنها تريد أن تكون مثل بولا "مثلى"، وأنا الآن أريد أن أربي أطفالي ليكونوا مثلها هى، أريدهم أن يكونوا فى شجاعتها، قوتها وحبها للحياة، فميشيل هى المرأة الوحيدة التي يمكن أن تعاني من آلام هائلة تكفى الدنيا، ولكنها لا تزال تبتسم وتضحك وتساعد الآخرين.
في عام 2016، عندما دخلت أختي مسابقة ملكة جمال لبنان وجاءت في المرتبة الرابعة، لم يكن هدفها هو لفت الانتباه إلى جمالها، ولكن كان من أجل إرسال رسالة، فعندما سألها الحكام فى المسابقة عما إذا كانت يمكن أن تكون أي شخص من الماضي، من ستكون؟ فأجابت ميشيل، "سأكون الأم تيريزا لأنني أريد أن أساعد مثلها"، وبعد مرور عام على المسابقة، في عيد ميلادها عام 2017، أصبحت مخطوبة لمارون أبي عتمة، كان يجب أن تكون هذه الفترة هى بداية فصل جديد سعيد في حياتها، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فكانت قصتها قد بدأت فى الوصول إلى نهايتها.
ميشيل حجل فى مسابقة ملكة جمال لبنان
ميشيل حجل فى خطبتها
فى خطبتها
كانت تعرق وتسعل كثيرًا ، لكننا لم نشعر بالقلق مطلقًا، الجميع في الأسرة كان يعتقد أنها أنفلونزا، لذلك سافرت ميشيل مع خطيبها وأصدقائها إلى فيينا لمدة أسبوع، وعندما عادت، شعرت ميشيل بأنها إلى حاجة إلى عمل اشعة وفحص حتى تطمئن على نفسها، وفى اليوم التالى، أتصل بى الطبيب، اخبرنى أن أختي الصغيرة تم تشخيصها بمرض "الليمفوما اللاهودجكينية" المرحلة 4، لقد فقدت عقلي، سالت الدموع على وجهي دون حسيب ولا رقيب، كانت هذه أختي، كانت ابنتي، لم أتمكن من جمع الشجاعة الكافية لإخبارها بأنها مصابة بالسرطان.
اضطررت أن انتظر ثلاثة أيام قبل أن أتمكن من ذلك، ومن ثم دخلت إلى غرفتها وقلت لها، "ميشيل، حبيبي، كونى قوية وانتبهى على ما أخبرك به الآن"، ومن هنا بدأت عيناها تسقي، غطت وجهها ببطانية وبدأت في البكاء، ومن ثم نظرت لى وسألتني: "هل سأفقد شعري؟"، قلت لها لا تخافى سنكون جميعًا معك، وسوف ينمو مرة آخرى.
ميشيل حجل مع خطيبها
ميشيل بعد المرض
مرت خمسة أيام لم تغادر فيهم ميشيل غرفتها، وفي اليوم السادس، نهضت بقوة وقررت بدء علاجها الكيميائى، بعد جلستها الثانية، بدأ شعر ميشيل يتساقط، فقلت لها لا داعي للقلق، سنحلق جميعاً شعورنا معك ولن تكونى وحيدة أبداً، لكنها أخبرتني: "لن أتحدث معك إذا فعلت ذلك"، وبعد تساقط كل شعرها، لم تكن ترغب في ارتداء شعر مستعار، كانت تنشر صورها بدون شعر، على وسائل التواصل الاجتماعي حتى تبين للعالم أنها لا تخاف من هذا المرض، كنت أنام بجانبها وعلى الرغم من أنها كانت تبكي طيلة كل ليلة، كانت تستيقظ ثانى يوم في الصباح، وتمشي بأكبر ابتسامة، "فكانت حقاً مقاتلة".
ميشيل حجل رافضة الظهور بشعر مستعار
استمرت رحلة الكيماوى لمدة ستة أشهر، من يناير 2018 إلى يونيو 2018، وعندما انتهت، كتنت ميشيل فى غاية السعادة، أخبرت الجميع إنها تخلصت من هذا المرض اللعين، وأن شعرها سوف ينمو مرة آخرى، ولكن لم تدم سعادتها لفترة طويلة، ففى لبنان، لدينا فقط علاج كيميائي، ولكن احتاجت ميشيل إلى عملية زرع تمنع الخلايا السرطانية من التكاثر، ولم يكن لدى أي مستشفى أو عيادة في لبنان القدرة على اجراء مثل هذه العملية، وأخبرنا الطبيب أننا بحاجة للذهاب إلى الولايات المتحدة لكسب فرصة للبقاء على قيد الحياة، احتاجت ميشيل إلى جمع مبلغ 750000 دولار أمريكي.
ميشيل بعد جلسات الكيماوى
فى المستشفى
فقدنا الأمل لأن أموال العائلة كلها لم تكن بقدر هذا المبلغ المطلوب، لكن ميشيل لم تستسلم، فبدأت حملة #FightWithMichele، تواصلت مع البرامج الحوارية لمساعدتها، وقامت بحملات دولية مع إحدى شركات المكياج العالمية، وبمساعدة من معجبيها، جمعنا مليون دولار في 15 يومًا فقط، لقد كانت معجزة، كانت إشارة من الله أن ميشيل كانت ستعيش.
ميشيل حجل فى آحد لقائاتها التلفزيونية
فى لقاء تلفزيونى
تركت أطفالي في لبنان لمدة ثلاثة أشهر للسفر إلى الولايات المتحدة، كانت هناك أوقات لم تتمكن فيها ميشيل من التعرف علي، ولم تعد قادرة على التحدث، وعندما عدنا إلى لبنان في 1 يونيو، تم إدخالها إلى المستشفى، وتجددت المعركة حتى استمرت لفترة طويلة، وفي كل مرة اعتقدت ميشيل أنها انتهت، لم تكن كذلك، وفي اليوم السابق لدخولها إلى وحدة العناية المركزة، أخبرتني: "بولا ، لن أذهب إلى المنزل مجدداً، أعرف ذلك، هذه المرة لن أعود".
ميشيل حجل فى المستشفى مع أهلها
ميشيل حجل مع خطيبها فى المستشفى
بسبب ثقافتنا، البسناها ثوبًا أبيض وقفازات، فجلست أمي بجواري وأمسكت بيدي، وقالت: "بولا، عليك أن تختارى فستان زفاف ميشيل، كانت تخطط لأخذك معها لاختيار ثوب زفافها، واليوم هو زفافها"، لقد كانت أصعب لحظة في حياتي، كان من غير المبرر والمدمّر والمفجع أن أرى أختي كعروس في يوم وفاتها، وعندما ذهبت لالبسها، رأيت الضوء ينطلق من وجهها، كانت ميشيل نائمة مثل ملاك فى حضرة الموت.
ميشيل حجل أثناء فترات المرض
كانت تخبرنى ميشيل دائمًا: "لا أريد أن أموت، لدي الكثير لأفعله"، لذا سأواصل مهمتها، وفي التاسع من نوفمبر - وهو اليوم الذي ولدت فيه ميشيل وأبي - سأطلق ميشيل "Hope الأمل"، وهو الأسم التى كانت تحلم أختى تسمية طفلها به، لذا سأكمل مسيرتها، من خلال إطلاق مؤسسة "Hope"، التى سوف تساعد كل مصاب سرطان، ماليا ومعنوياً.
ميشيل حجل
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة