• الخسائر تحاصر شركات الصناعة المتكاملة بسبب انخفاض أسعار الحديد الناتج من مصانع الدرفلة فى السوق بفارق كبير
• أكثر من 3200 عامل فى المصنع الواحد للصناعات المتكاملة للحديد والصلب معرضين لفقد وظيفتهم بسبب السماح بدخول البليت للسوق المصرى وتشغيل مصانع الدرفلة
• تركيا وأوكرانيا والصين استغلوا ثغرات فى القانون المصرى لتصريف منتجاتهم من البليت فى السوق المصرى بأسعار منخفضة ترتب عليها تدمير للصناعات الوطنية المتكاملة وخسائر بالملايين يوميا
• الأرقام فى 2018 تشير الى تضاعف نشاط مصانع الدرفلة على حساب المصانع المتكاملة للحديد والصلب بالرغم من أن الدرفلة تقدر فقط بـ 20 % من الاستثمار بسوق الحديد المصرى
• دفاتر الواردات المصرية سجلت 50 ألف طن حديد سعودى شهرى بالأسواق المحلية فى 2018 بعدما كانت صفر لمدة 15 عاما سابقة
• كيف تواجه الحكومة الغزو التركى والأوكرانى والصينى لأسواق الحديد المصرية فى صورة خام " البليت " بدون أى رسوم وقائية ؟
• أمريكا فرضت رسوم على وارداتها من الصلب ودول الاتحاد الاوربى سارت على دربها.. فلماذا تتأخر مصر 9 شهور حتى الآن
9 شهورمضت على القرار الأمريكى الجرئ بفرض إجراءات وقائية على منتجات الصلب ، تامة الصنع أو المنتجات شبه المصنعة الواردة اليها من الخارج " البليت " ، ولا تزال التبعات الاقتصادية مستمرة على كل الدول ، التى تعمد فى إقتصادها على صناعة الحديد والصلب ، ومن ضمنها مصر ،لأن جانب كبير من الأرقام الهامة التى تسجلها قوائم الصادرات المصرية كان حديد وصلب لأمريكا من ضمنها ، الأمر الذى ترتب عليه تكدس أطنان كثيرة من المنتج المصرى داخل مصر لحين البحث عن سوق بديل لتصريف هذا المنتج .
هذا التطور الجديد فى معادلة صناعة الحديد والصلب بالعالم ، أعاد ترتيب الحسابات الدولية للأسواق المختلفة ، ودفع عدد من دول الاتحاد الأوروبى ، مثلا الى استصدار قرارات مماثلة للقرارات الأمريكية لحماية صناعاتها الوطنية ما ترتب عليه أن تضاعف الخطر على الدول المصدرة للحديد والصلب ، وهى بدون ترتيب مصر وتركيا وإيران والسعودية وأكرانيا والصين ، لأن واقعيا هناك 233 طن من فائض الإنتاج العالمى ، باتت تبحث عن أسواق جديدة بديلة عن السوق الأوروبى والأمريكى وهو ما خلق فى الحال تنافسية شديدة بين الدول المصدرة ، تمكن الأقوى فقط من اقتناص الفرص السريعة للفوز بغنيمة أى سوق جديد يظهر حتى لو جرى البيع بأسعار أقل .
• والسؤال هنا ، هل الصناعة المتكاملة للحديد والصلب بمصر تستطيع المنافسة بقوة لمثيلتها فى الدول الأخرى بعد التطورات الاقتصادية وندرة الأسواق البديلة للسوق الأمريكى ؟
الإجابة قد تكون مكررة، لكنها مهمة فى التحليل وقراءة مستقبل صناعة وطنية هامة كصناعة الحديد والصلب ، والحاكم فى مقارنات تكلفة صناعة الحديد والصلب ، بغيرها من الدول هو أسعار الطاقة سواء كان غاز طبيعى أو كهرباء ، والأرقام العالمية لأسعار الغاز الطبيعى المستخدم فى مصانع انتاج الحديد المختزل dri ، تشير الى أن شركات صناعة الحديد بمصر تدفع أعلى سعر للغاز ، مقارنة بجميع البلدان المنتجة للحديد بتقنية الأختزال المباشر ، لأن سعر الغاز لصناعة الصلب بمصر يقدر بــ 7 دولار بما يوازى 14 ضعف سعر نفس الغاز فى الجزائر و 5 أضعاف سعر نفس الغاز فى السعودية و 3 أضعاف سعر الغاز فى الامارات وضعفين سعر نفس الغاز فى عمان ، والثابت هنا أن سعر الغاز المستخدم فى صناعة الصلب ، بمصر هو الأعلى فى العالم على الإطلاق ما يترتب عليه عبء على القائمين على تلك الصناعة ، فى تحقيق ميزة نوعية تنافسية بالأسواق الجديدة وسط التطورات العالمية الأخيرة ، ولعل المثال العلمى هو الطريق المختصر للإجابة الوافية على نفس السؤال " هل مصر تمتلك ميزة تنافسية فى صناعة الحديد والصلب عن الدول الأخرى المصدرة أم لا ؟" .
• المقارنة بين تكلفة انتاج الحديد والصلب بمصر والسعودية
فى سبتمبر 2018 ، مؤسسة ورد ماكنزى لاستشارات الطاقة ، أجرت مقارنة عملية بالأرقام عنوانها عناصر التكلفة فى صناعة الصلب بين مصر والسعودية ، وتضمنت بشكل رئيسى 3 محاور للمقارنة هى سعر الكهرباء المستخدم فى الصناعة بالدولتين ، وسعر الغاز الطبيعى ، ومتوسط تكلفة الاقتراض لشركات الحديد والصلب فى الدولتين، وأعتقد أن المحاور الثلاثة للمقارنة هى العناوين الرئسية التى يمكن من خلالها الفهم الواضح لمستقبل الصناعة فى مصر وفى السعودية أيضا.
رقميا ، سعر الغاز الطبيعى فى مصر 7 دولار بينما فى السعودية 1.3 دولار ، وسعر الكهرباء بمصر 96.4 قرش بينما فى السعودية 71 قرش ، ومتوسط تكلفة الإقتراض بمصر 21% بينما فى السعودية 5.5 % ، وبالتالى كل الأرقام تقودنا الى نتيجة خطيرة مفادها أن تكلفة صناعة الحديد بمصر ، أغلى من السعودية ، وهنا مربط الفرس ، لأن انخفاض التكلفة الانتاجية بالسعودية تعد ميزة تنافسية للسعودية عن مصر داخل الأسواق الجديدة الناشئة بالعالم بل والأخطر داخل السوق المصرى نفسه .
نعم صناعة الصلب السعودية ، بدأت تنافس صناعة الصلب المصرية داخل السوق المصرى نفسه ، لأن أرقام الواردات المصرية فى 2018 تشير الى أن هناك 50 الف طن حديد سعودى تدخل السوق المصرى لأول مرة بعد غياب 15 عام ، كانت واردات الحديد فيها من السعودية صفر ، والتحليل الرقمى لإختراق السعودية السوق المصرى ، فى صناعة الصلب يرجع لأن الطاقة الانتاجية السنوية للسعودية ، من الصلب تبلغ 12.8 مليون طن فى حين أن الطلب المحلى هو 6.5 مليون طن ، وبالتالى يوجد فائض لدى السعودية يبلغ 6.6 مليون طن ، وبسبب اتفاقية التجارة الحرة المشتركة بين الدول العربية ، تستغل السعودية عدم وجود أى حماية جمركية وتدخل السوق المصرى بسعر أقل من أسعار الشركات الوطنية المصرية نفسها .
كل هذا التحليل الرقمى انتهى بنا الى نتيجة أكيدة مفادها أن المصدريين السعوديين ، استحوذوا على 8% من السوق المصرى فى سبتمبر 2018 لصناعة الصلب المتكاملة ، ويبدو أن الرقم فى زيادة مستمرة الشهور المقبلة لأن إجمالى الفرق حسب التقديرات الأولية بين مصر والسعودية يقدر بـ 225 جنيه للطن وتصل الى 2000 جنيه بعد اضافة فروق سعر الفائدة بين البلدين.
وبالتالى الوارد الأجنبى يكون بسعر أقل فى السوق المصرى ، من المنتج الوطنى، ما يترتب عليه ضرر للشركات الوطنية فى الصناعات المتكاملة للحديد والصلب ، وهو ما يضع الحكومة فى تحدى حقيقى بإعادة النظر للصناعة بشكل عام ، والتدخل السريع لحمايتها بكافة وسائل الحماية المعروفة والمتبعة فى العديد من دول العالم وهو حق أصيل للدولة المصرية تكفله كل اتفاقيات التجارة العالمية وسبق أن اتخذته الولايات المتحدة الامريكية ودول الإتحاد الأوربى .
• كيف تستغل تركيا الثغرات القانونية لاختراق سوق الحديد المصرى ؟
اذا كانت اتفاقية التجارة الحرة المشتركة بين الدول العربية ، هى المدخل الذى استغله المصدريين السعوديين لدخول السوق المصرى لصناعات الحديد المتكاملة ، لأنها لا تشترط أى اجراءات حماية ،فكيف تتسلل دول مثل تركيا والصين وأكرانيا الى قلب سوق الحديد المصرى ، وتنجح فى السيطرة على حصة كبيرة منه ؟
الاجابة تبدأ من شرح بسيط لمفهوم صناعة الصلب ، فطبقا لمنظمة الصلب العالمية ، صناعة الصلب المتكاملة تتضمن 4 من مراحل من الانتاج وهى اختزال خام الحديد ثم صهر الحديد المختزل ثم صب الصلب السائل ( يكون فى شكل بليت أو بلاطات ) ثم تشكيل المنتج النهائى عبر ما يسمى بـ " عملية الدرفلة " وهى العملية الأخيرة فى الصناعة ، وبالتالى الأصل فى صناعة المتكاملة للصلب هو المراحل الأربعة ، غير أن بعض المستثمرين لجأوا الى بناء مصانع " درفلة " فقط وهى مصانع تقوم على المرحلة الأخيرة فقط فى صناعة الصلب المتمثلة فى التشكيل النهائى، وهى الصناعة التى تعتمد على منتج الحديد غير كامل الصنع والمعروف بـ " البليت ".
مصر فرضت رسوم اغراق على حديد التسليح ، كامل الصنع الوارد من تركيا والصين وأوكرانيا بنسبة تتراوح بين 7 % الى 29 % لمدة 5 سنوات ، وهو قرار حكيم لحماية الصناعة الوطنية والشركات الوطنية للحديد والصلب ، ولكن الدول الثلاث بدأت تتسلل عبره ثغرة فى القرار نفسه ، لأنه اذا كانت مصر فرضت رسوم الحماية على الحديد الكامل الصنع ، لكنها لم تفرض على الحديد غير كامل الصنع وهو " البليت " ، وبدأ التفكير من جانب الدول الثلاث نحو تصدير الحديد غير كامل الصنع المعروف بـ "البليت " الى مصر ومن ثم لا يتم فرض أى رسوم عليه ليتم التحايل على القرار المصرى بحرفية شديدة .
حتى هذه اللحظة ، المستفيد الأول هو الدول الثلاث ، لأنهم وجدوا لأنفسهم سوق جديد يتم تصريف منتجاتهم من خام " البليت"، وهو السوق المصرى دون أى رسوم ومن ثم ضمان استمرار صناعة الحديد بالدول الثلاث ، ولكن ما هو أخطر أن مصانع الدرفلة بمصر التى تجرى المرحلة النهائية على صناعة الحديد تطرح منتجها النهائى بسعر أقل من السعر الموازى لنفس المنتج الخارج من الشركات الوطنية، التى تقوم على الصناعة المتكاملة ، وهو ما يضع الشركات الوطنية فى مأزق اقتصادى دائم أمام مصانع الدرفلة ، ويدفعها للتفكير فى طرق تقليل الخسارة والنزيف المستمر.
• خطة تدمير الصناعة الوطنية المتكاملة للحديد والصلب تبدأ من هنا
الغريب أن مصانع الدرفلة تمثل فقط 20 % من إنتاج حديد التسليح بمصر ، فى حين المصانع المتكاملة تمثل 80 % من إنتاج الحديد ، ورغم أن المصانع المتكاملة تفوق مصانع الدرفلة فى الطاقة الانتاجية ، الا أن مصانع الدرفلة تطرح حديد التسليح بسعر أقل من المصانع المتكاملة ، ما يترتب عليه إستفادة أكبر لمصانع الدرفلة ومن ثم استيراد أكتر لأطنان من " البليت " من تركيا وأوكرانيا والصين ، بل وتوسع أكثر فى الطاقة الانتاجية فى مقابل انحسار انتاج الحديد من المصانع المتكاملة وتحقيق خسائر دائمة .
الخسائر هنا لا يتحملها أشخاص ، بمعنى أنه الأمر أكبر من تسمية مستثمر أو رجل أعمال أعمال ، لأن الخسارة هى أكبر من فروق سعرية لطن الحديد ، هى ضرب مستمر للصناعة الوطنية المتكاملة للحديد والصلب، واستنزاف دائم يترتب على استمراره انهيار الصناعة بشكل عام ، وكلمة إنهيار هنا لابد أن يتم ربطها بفقدان 3200 عامل دائم لكل مصنع متكامل للحديد والصلب، لا يوفرهم مصنع الدرفلة ، فهو بحد اقصى يشغل 370 عامل ، وليس ذلك فقط فإنهيار الصناعة المتكاملة معناها أن 84 % من صناعة الحديد ستكون خارج مصر فى صورة البليت المستورد بينما 16 % فقط داخل مصر فى صورة مصانع الدرفلة ، بدلا من أن تكون كامل الصناعة 100 % داخل مصر .
• أسئلة للحكومة عن حماية صناعة الحديد والصلب بمصر
وبالتالى السؤال الحاكم فى النهاية كيف تخطط الحكومة لمستقبل الصناعة الوطنية المتكاملة للحديد والصلب وكيف تراها فى المستقبل ، هل تريد مزيد من الغزو التركى والاوكرانى والصينى للأسواق المصرية فى صورة خام " البليت " بدون أى رسوم ؟ هل تريد تحويل تغير الهوية الصناعية المصرية من تصدير الى استيراد الحديد ؟ هل تريد الخسارة لأصحاب 80 % من استثمارات صناعة الصلب بمصر فى مقابل إرضاء لعدد من الأسماء ؟ وأيهما أهم الأشخاص أم الصناعة الوطنية ؟ وبالتالى لمن ستنتصر الحكومة للحسابات الشخصية أم للمصلحة العامة ؟ فى أى صف تقف الحكومة، فى طريق المسكنات والأيادى المرتعشة أم القرارات الجريئة التى تحمى الصناعة الوطنية .
القارئ العزيز ، هذا التحقيق ضمن سلسة تحقيقات وتقارير صحفية يتم نشرها تباعا فى صحيفة وموقع اليوم السابع ،عن صناعة الحديد والصلب ، وهى الصناعة الأهم بالاقتصاد المصرى وفق أرقام الناتج القومى ومن ثم كان واجب علينا اقتحام مشاكلها وطرحها بكل جرأة فى محاولة لتحليل أرقامها من الداخل والوقوف على أمراضها والمساهمة فى العلاج بايصال شكاوى أصحابها الى كل مسئول بالدولة المصرية ورفع درجة الوعى بشأنها لأنها ليست قضية فئة فى المجتمع تتكسب من ورائها إنما هى قضية صناعة هامة باقتصاد الدولة ، تمثل العامل المشترك فى صناعات متعددة فرعية لا حصر لها .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة