مصطفى نصر يكتب: هكذا الدنيا عندما تقسو

الجمعة، 11 يناير 2019 08:00 م
مصطفى نصر يكتب: هكذا الدنيا عندما تقسو ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سرت خلفهما، سمعت الأول يقول: أنا قلت هو أولى صعب عليه ، فقال الآخر وكان عريضا وشاربه أبيض كث: إللى يصعب عليك، يفقرك ، أعاد الأول شكواه، فقد دعا " صنايعي" إلى بيته لإصلاح شيء، بعد أن وجده فقيرا معدما فى حاجة لمساعدة، لكن الصنايعى طلب أجرة أكثر من المعتاد. 
 
فأعادها الآخر ثانية: -  ما أنا قلت لك؛ " إللى يصعب عليك يفقرك ".
 
أردت أن أقتحم حديثهما وأقول:" فيه حد ينصح حد بألا يشفق أو يرحم الناس؟! "
لكننى لم أستطع، فظللت أتابعهما مندهشا.
سمعت هذه العبارة الغريبة المؤلمة أول مرة فى برنامج تليفزيونى عن الجريمة، تحدثت المذيعة مع الصبى الذى رأف خادم المسجد بحاله، فدعاه للنوم عنده، لكن الصبى قتله وسرق نقوده.
لامته المذيعة على ذلك، فقال الصبى فى برود شديد: -  إللى يصعب عليك يفقرك ، شعرت وقتها بأننا ندخل فى نفق لا نعرف مداه، وتوقعت أن يفعل هذا الولد أشياء فظيعة فى المستقبل ما دامت أفكاره بهذه القسوة. 
وثانى مرة سمعت هذه العبارة من شاب اتهمته فتاة صغيرة باغتصابها، قالت المذيعة له: ما صعبتش عليك ؟! ، فقال فى هدوء شديد: إللى يصعب عليك يفقرك.
ذكرتنى هذه العبارة الغريبة بمثل أسبانى يقول: قالوا لى إن فلانا يذكرك بالسوء، فقلت: عجبا، كيف هذا، وأنا لم أقدم إليه معروفا قط؟! 
كأن إتيان الشر، لا يأتى إلا من الذين نقدم إليهم الخير.
من الذى يبعث هذه الأشياء وينشرها بين الناس؟! 
" إللى يصعب عليك؛ يفقرك " .يعنى لا ترحم، ولا تأخذك بهم رأفة، بل إذا أحسست بشفقة نحو طفل أو مريض أو امرأة عجوز، اقتلهم فورا، حتى لا يقال إنك رحمت ولأن إللى يصعب عليك يفقرك. إنها إحساس يحسه اللصوص، عندما يعلمون أن النقود التى سرقوها ثمن عملية جراحية لرجل أو امرأة أو طفل: " إللى يصعب عليك؛ يفقرك ".أين تعلموا هذه المقولة البشعة ؟! ربما بين أطفال الشوارع، أو فى أماكن عقاب الأطفال، أو فى السجون. 
تذكرت قصة لمكسيم جوركى اسمها " مخلوقات كانت رجالا " عن مجموعة من البشر، يعيشون فى أسوء ظروف، فيؤذى بعضهم البعض. كانوا يجرون عربات محملة بالأثقال؛ تجرح أياديهم من قسوة العمل، فيضع البعض الملح فى أماكن إمساك العربة، لكى يتألم الآخرون حين يمسكونها، فالملح سيزيد الجروح إيلاما. 
هكذا هى الدنيا، كلما ازدادت قسوتها؛ ازدادت قسوة الناس بعضهم على بعض، بدلا من أن يتراحموا ليخففوا عن أنفسهم.
وتذكرت على التو رواية " السراية " للدكتور سامى البنداري؛ فقد قست الحياة على بطل القصة، فترك دراسته وعمل "عاملا زراعيا " فى " الوسية"، ينحنى طوال النهار على الأرض، حتى تتشقق يداه، فيسخر الملاحظ منه، ويدافع عنه أحد بلدياته، قائلا للملاحظ:
- حرام عليك، ده لسه جديد فى المهنة.
وعند صرف الأجرة آخر الأسبوع، يعطى الملاحظ؛ للذى دافع عن البطل؛ أجرة أقل.فيقول معترضا:
- أنا اشتغلت الأسبوع كله، ما بطلتش ولا يوم .
فيجيبه الملاحظ فى استخفاف:
- علشان تبقى تدافع عن بلدياتك.
كان من المفترض أن يتشاجر مع الملاحظ، أو يشكوه لرؤسائه فى الوسية، لكنه لم يجد سوى أن يمسك فى رقبة بلدياته ويخنقه قائلا: 
- أنت السبب، حاخد الفرق منك أنت.
هكذا هى الدنيا عندما تقسو . 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة