محمد بغدادى يكتب : كيف قادت اليابان معركتها ضد الطبيعة؟

الجمعة، 07 سبتمبر 2018 08:00 م
محمد بغدادى يكتب : كيف قادت اليابان معركتها ضد الطبيعة؟ اليابان - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لماذا التجربة اليابانية ؟ هل اخترعت اليابان ما سمى بالتقدم ؟ هل اكتشفت التنمية كما اكتشف كريستوفر كولومبوس الولايات المتحدة الأمريكية؟ لماذا استقرت التكنولوجيا فى البيت اليابانى؟ ما الذى حدث؟ كيف تحولت دولة الكوارث الطبيعية إلى ثالث أكبر اقتصاديات العالم؟ كيف تمكنت دولة الزلازل أن تتحول إلى امبراطورية عالمية جديرة بالاحترام؟ كيف استيقظت عاصمة البراكين إلى صباح العلم والعمل معاً لتغزوا العالم بمنتجاتها. هوندا وميتسوبيشى وتويوتا ونيسان هى شركات يابانية غزت العالم بكل قوة تنافسية وجدارة فائقة شهد لها الجميع بجودة سياراتها فى شمال أوروبا وحتى جنوب القارة السوداء. فما الخطوات التى اتخذتها طوكيو لتصبح مادة تدرس فى كبرى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبى.
 
ما أجمل الإرادة حينما تأتى برغبة وتتحول الرغبة إلى تعبئة عامة ليصبح الشعب اليابانى بأكمله طاقة إيجابية تقتل كل أسباب السلبيات والعوائق الطبيعية . فاليابانى قاد حمله ضد الطبيعة ؛ ليعيش ويتعايش ويتلائم مع هذا المناخ القاسى شديد عدم الاستقرار . فترى هل هناك موارد طبيعية من ذهب وفحم ومواد خام أو كميات كافية من الشمس أو غيرها ؟ الإجابة لا توجد فالطبيعة كانت فقيرة فى تعاملها مع القطب اليابانى. إذن فما السبب إذن؟ الإجابة أن الإرادة التى سخرتها الإدارة اليابانية بطريقة جعلت من الدولة وكأنها فى حالة حرب وتأهب ضد عدو يتربص بها وهو الفقر والجوع والعوز. فاجتمعت الإدارة مع الإرادة فكانت وقامت دولة من أعظم الدول ، ونجح شعب من أزكى الشعوب عملاً. وننظر لتساؤل آخر: ما الذى جعل اليابانيون من أكثر الشعوب عمراً؟ وتأتى الإجابة لأنه لا يجد ما يعكر صفوه، فامتلك سريرة صافية خالية من الأحقاد والحسد والضغينة.
 
فضلاً عن عدم وجود إدارة سيئة بالقطاعات العامة أو الخاصة، ناهيك عن عدم خروج المواطن أو العامل اليابانى على المعاش ليظل يبدع ويفكر ويدرس وبيحث عن تطوير عمله فى ظل مناخ عام سيسوده الحب والوئام والاستقرار.. ويبقى التساؤل هل تناطح مدينة طوكيو مدينتى نيويورك وواشنطون ؟ وهل تنافس طوكيو المدن التجارية العالمية مثل لندن وباريس وبرلين ؟ هل تفكر طوكيو بطريقة مختلفة بعكس ما تفكر باقى دول العالم؟ فالإجابة نعم طوكيو تناطح وتنافس وتفكر بطريقة أكثر عقلانية من باقى دول العالم المتقدم. إن اجتماع الشعب مع القيادة السياسية واختلاط الفكر مع العمل وبروز العمل أكثر وأكثر تربعت بفضل هذا طوكيو فى أعلى الدرجات وقادت العالم سياساً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً. التجارب الدولية الناجحة كثيرة لكن إذا لم تدفعها الإرادة وإذا لم تسخرها الإدارة نحو مستقبل فعّال، تكون النتيجة بالغة الصعوبة وغير واضحة المعالم وغير محددة.
 
كما أن تلك المعجزة اليابانية قامت نتيجة استفادة طوكيو بعد الحرب العالمية الثانية وألمانيا الغربية من الحرب الباردة. مع العلم أن هذه المعجزة حدثت نتيجة المعونة التى قدمتها واشنطون، ونتجت هذه المعجزة نتيجة التدخل الاقتصادى لحكومة طوكيو. كما حققت واشنطون وجودًا فعالاً فى اليابان بعد الحرب الثانية بهدف تعطيل التحرك السوفيتى فى المحيط الهادئ. ولقد كانت الولايات المتحدة مهتمة بالفعل بالنمو الاقتصادى فى اليابان مع وجود تهديد بأن اليابانيين بعد الحرب العالمية الثانية سوف يتحولوا إلى الشيوعية.
 
ومن ناحية أخرى فمن مميزات الاقتصاد اليابانى أثناء فترة "المعجزة الاقتصادية": التنسيق بين المصنعين والموردين والبنوك والموزعين فى جماعات مترابطة تدعى كيرستو (مجموعات الأعمال) واتحادات نقابات الصناعات القوية وشانتو (الأجور السنوية) المميزة والعلاقات المتميزة مع الموظفين الحكوميين وضمان العمل طول العمر (شوشين كويو (العمالة الدائمة فى اليابان)) فى الشركات الكبيرة وفى المصانع العمالية المنظمة جدًا. لقد خرجت هذه القفزة الاقتصادية أساسًا عن السياسة العامة المالية اليابانية، لا سيما من خلال وزارة الصناعة والتجارة الدولية. فلقد ضربت اليابان مثلاً مرموقاً ونموذجاً يحتذى به فى التطوّر والتنمية والازدهار، واحتلّت مكانة متميزة بين دول العالم المتقدم كأحد أبرع الدول التى صنعت الابتكارات ، رغم الظروف القاسية التى مرت بها من كوارث طبيعيّة ونكبات وظروف بالغة الصعوبة كادت أنّ تقضى على الأخضر واليابس ، ممّا جعل البعض يُطلق عليها كوكب اليابان ، تعبيراً عن كونها عالماً وحيداً ينمو بمعزل عن التراجع الحضارى والتخلّف التكنولوجى والفقر والحروب والكوارث البشرية .
 
فمن أسباب تطور طوكيو والدولة اليابانية أنها لجأت إلى إقامة دولتها على أساس ديمقراطى قوى، يحترم العنصر البشرى فى المقام الأول ، ويقف ضد كافة أنواع الفساد والظلم، ويعامل كافة جنس الشعب اليابانى بطريقة واحدة دون تفرقة، وفق نظام قضائى تحكمه مجموعة محدّدة من القوانين والقواعد، مرفقة بمجموعة محددة من العقوبات الرادعة لكل من يخالفها.  كما يهدف هذا النظام إلى استغلال الموارد المتاحة والسعى لاغتنام الفرص؛ لتحقيق التنمية على المستوى قصير وطويل الأجل فى كافّة القطاعات. بخلاف النظام التعليمى القائم على التفكير النقدى والتحليل والتنسيق والربط والإبداع، مع الحرص على التعامل بالأخلاق الحميدة، وغرسها فى نفوس الأطفال ، حيث أن الاهتمام الأكبر بتعليم الأطفال السلوك السليم بمثابة الخطة الاستراتيجية التى تضعها الدولة اليابانية ، على اعتبار أنّهم المورد الأساسى الذى يقوم عليه مستقبل اليابان، لذلك نرى أن هناك مادّة دراسية يُطلق عليها اسم الطريق إلى الأخلاق ، يتمّ تعليمها إلى التلاميذ فى المراحل الأولى من التعليم ، فضلاً عن عدم وجود رسوب فى المراحل التعليمية الأولى، لأن  الغاية الرئيسة هي: إنشاء جيل ذو تربية سليمة وأخلاق رفيعة، مع التأكيد دوماً على بناء الشخصيّات وليس حفظ المعلومات والمعرفة وتكديسها فى العقول . ناهيك عن الاهتمام الفعال بالنظافة ، فضلاً عن عدم وجود خدم فى البيوت اليابانية، كما يقع على عاتق الوالدين المسؤولية الكبيرة فى رعاية أولادهم ، كما تجدر الإشارة إلى أنّ الأطفال يشاركون فى تنظيف صفوفهم كلّ يوم لمدّة لا تقلّ عن ربع ساعة مع المدرسين بالمدرسة، وذلك إيماناً منهم على خلق جيل متواضع يوضح أهميّة النظافة .









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة