"إذا ما تصرفنا بطريقة تضعف تركيا، فلن يصب ذلك فى مصلحتنا".. هكذا قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فى تصريحات لها اليوم الخميس، ربما لتفتح جبهات جديدة من شأنها زعزعة مقعدها المتأرجح، على رأس السلطة فى برلين، بعد أن فقدت الكثير من دورها القيادى داخل الاتحاد الأوروبى بعد صعود التيارات اليمينية فى عدة دول أوروبية خاصة مع تنامى الانتقادات للسياسات الألمانية فى الداخل، بالإضافة إلى التوتر الكبير الذى تشهده العلاقة بين ألمانيا والولايات المتحدة على خلفية موقف ترامب المناوئ للاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى الخلافات حول العديد من القضايا السياسية والاقتصادية فى الآونة الأخيرة.
تصريحات ميركل، والتى تتعارض بصورة كبيرة مع تصريحات سابقة لها استبعدت فيها قيام ألمانيا بتقديم دعم مالى إلى أنقرة، ربما تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت ألمانيا لديها النية فى تقديم الدعم للاقتصاد التركى المتدهور، بفضل العقوبات التى أعلنتها إدارة ترامب على نظام أردوغان، خاصة وأنها تأتى بالتزامن مع حالة من الغضب والجدل فى الداخل الألمانى جراء زيارة مرتقبة سوف يقوم بها الرئيس التركى إلى العاصمة الألمانية برلين فى أواخر هذا الشهر، فى ظل التحفظ الكبير على السياسات التركية من قبل دوائر السياسة الألمانية.
مخاوف ألمانية.. اللاجئين ورقة ترامب لابتزاز أوروبا
يبدو أن حديث ميركل، يمثل انعكاسا لمخاوف الإدارة الألمانية من جراء انتهازية الرئيس التركى، والذى دأب على ابتزاز أوروبا طيلة السنوات الماضية، للحصول على الدعم المالى من الاتحاد الأوروبى مقابل المساهمة فى احتواء أزمة اللاجئين، والتى أصبحت بمثابة شبح يحوم حول القارة العجوز لالتهامها سواء على المستوى الاقتصادى، فى ظل تردى الأوضاع الاقتصادية فى الآونة الأخيرة، أو حتى أمنيا بعد تنامى العمليات الإرهابية التى تستهدف الداخل الأوروبى وتطورها فى السنوات الماضية.
ميركل وأردوغان
وهنا يمكن أن تكون قضية اللاجئين بمثابة أحد أوراق المناورة، التى ربما يستخدمها أردوغان لابتزاز أوروبا، إذا ما فشلت مساعيه فى مغازلتها، عبر الافراج عن صحفية ألمانية، وجنديين يونانيين، كانوا يواجهون اتهامات من قبل السلطات التركية بالإرهاب، فى محاولة للحصول على دعم القارة العجوز فى معركته الحالية مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، على خلفية الرفض التركى للإفراج عن القس الأمريكى أندرو برانسون، والذى يقبع تحت الإقامة الجبرية فى أنقرة بنفس الاتهامات.
ولعل التزامن بين تصريح ميركل، والمظاهرات التى شهدتها العديد من المدن الألمانية للتنديد بمقتل شاب ألمانى طعنا في مدينة كيمنتس الشرقية، والذى يعتقد أنه قتل على يد طالبى لجوء سوريين، بالإضافة إلى اقتراب المعركة التى قد تشهدها مدينة إدلب فى سوريا والتى قد تؤدى إلى تدفق مئات جديدة من اللاجئين، يعكس إدراك المستشارة الألمانية للتهديد الذى يمثله أردوغان لنظامها المترنح، فى ظل انقسامات كبيرة تضرب ائتلافها الحاكم فى المرحلة الراهنة، على خلفية موقفها الداعم للهجرة، حيث خرج وزير داخليتها هورست سيهوفر للدفاع عن المحتجين، فى موقف يمثل انعكاسا صريحا لترهل قبضة ميركل على السلطة فى ألمانيا بصورة كبيرة.
مقامرة غير محسوبة.. برلين تصعد ضد واشنطن
إلا أن إقدام ميركل على دعم نظام أردوغان فى أزمته الحالية يعد، فى الوقت نفسه، بمثابة مقامرة غير محسوبة العواقب، خاصة وأن مثل هذه الخطوة لن تلقى قبولا من عناصر حكومتها الموالين لليمين المتشدد، وعلى رأسهم وزير الداخلية الألمانى، بالإضافة إلى العديد من الأحزاب الأخرى، التى تشهد صعودا كبيرا فى الداخل الألمانى فى المرحلة الراهنة، وعلى رأسهم حزب "البديل من أجل ألمانيا"، والذى تمكن من حصد عدد كبير من المقاعد فى البرلمان الألمانى فى الانتخابات الأخيرة، بالإضافة إلى كونه يمثل تحديا جديدا للولايات المتحدة، ربما يساهم فى زيادة التوتر بين البلدين.
ترامب وميركل
ولعل رغبة ألمانيا فى عدم التصعيد تجاه الولايات المتحدة، كانت السبب الرئيسى فى الموقف الألمانى من إيران، رغم خلافهما حول الموقف من الاتفاق النووى الإيرانى، حيث كانت ميركل من أكثر المعارضين سواء لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية، أو بعد ذلك للعقوبات التى فرضتها إدارة ترامب على طهران، إلا أنها رفضت فى الوقت نفسه تقديم أى دعم مالى للشركات الألمانية العاملة فى الدولة الفارسية، للحفاظ على بقائها فى السوق الإيرانية، لتترك الحرية فى النهاية لكل شركة لاتخاذ القرار الذى يناسبها بحسب ظروفها، وهو الأمر الذى أكده وزير الشئون الاقتصادية الألمانى بيتر ألماير، والذى رفض مقترحا أوروبيا لدفع تعويضات للشركات المتضررة جراء العقوبات الأمريكية على طهران.
التقاعس الألمانى عن دعم إيران يعكس عدم رغبة برلين فى إثارة ترامب، والذى أكد فى تغريدة له على حسابه بموقع "تويتر"، أن الدول التى تتجه للعمل مع طهران لن تقوم بأى أعمال مع الولايات المتحدة، فى رسالة واضحة لحلفاءه فى أوروبا الغربية الرافضين لقراراته التى استهدفت نظام الملالى، وعلى رأسهم ألمانيا، والتى كانت أحد أكثر الدول حماسة للاتفاق، وهو ما يطرح تساؤلا حول ما إذا كانت المستشارة الألمانية قررت إعلان التحدى أمام ترامب، من أجل تركيا بعد أن تخلت عن طهران.
الأمل الأخير.. هل تستطيع ألمانيا إنقاذ تركيا؟
التصريح الذى أدلت بهم يركل اليوم يأتى بعد يوم واحد من الزيارة التى أجراها أمير قطر تميم بن حمد إلى العاصمة الألمانية أمس الأربعاء، حيث تعد الدوحة بمثابة الحليف الرئيسى لأنقرة، وقامت بدعمها اقتصاديا فى الأسابيع الماضية، وبالتالى فربما كان الملف التركى وكيفية مجابهة الموقف الأمريكى كان أحد القضايا على مائدة النقاش.
تميم وميركل
إلا أن المعضلة الرئيسية التى قد تواجه كلا من ألمانيا وقطر وقيما يتعلق بدعم تركيا، تتمثل فى أن أنقرة تحتاج إلى أموال جاهزة، وهو الأمر الذى لن يتوفر مع أية مساعدات مالية سواء تلك التى قدمتها الدوحة إلى تركيا أو ربما تقدمها ألمانيا، حيث لن يتم تقديم هذه المساعدات كحزمة واحدة، وبالتالى ستكون أية مساعدة محتملة بمثابة دعم معنوى فقط بينما لن تؤدى إلى أية نتائج حقيقية يحمل انعكاسات جدية لاستعادة الاقتصاد التركى لتوازنه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة