الاتفاق الأخير الذى توصل إليه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين حول نزع أسلحة الميليشيات المسلحة المتواجدة فى إدلب وتفكيكها ربما وضع كلمة النهاية للنفوذ التركى فى سوريا، خاصة وأن الرؤية التى تبنتها الإدارة التركية وراء دعم تلم الميليشيات سواء بالمال أو الأسلحة، وفتح لهم الأراضى التركية لنقل الإرهابيين القادمين من كل أنحاء العالم، للانضمام إلى صفوفهم، قامت على فكرة استخدامها كأذرع مسلحة يمكن استخدامها لتحقيق أهداف الأجندة التركية التوسعية، عبر نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار فى المنطقة، وهى السياسة التى تبناها أردوغان منذ بداية الأزمة السورية فى عام 2011، تحت شعارات ما يسمى بالربيع العربى.
الميليشيات المسلحة كانت بمثابة الأداة التى سعى الرئيس التركى لاستخدامها لسنوات لاستعادة حلم الخلافة المزعومة، كما أنها كانت بمثابة ورقة هامة للمناورة، سواء للضغط على حلفائه المناوئين للنظام السورى، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ليتركوا له العنان للتعامل مع الفضاء السورى، فى ظل خلافات صارخة حول الموقف العدائى التركى للميليشيات الكردية، والتى اعتمدت عليها الولايات المتحدة وحلفائها فى الحرب على تنظيم داعش الإرهابى أو لفرض نفسها كقوى فاعلة على خصومه الداعمين للرئيس السورى بشار الأسد، وأبرزهم روسيا وإيران، واللتان اتجها فى نهاية الأمر إلى ضم أنقرة إلى ما يسمى بـ"مباحثات أستانا".
بوتين وأردوغان
معضلة أردوغان.. النفوذ لم يعد أولوية فى أجندة أنقرة
إلا أن الرئيس التركى فى واقع الأمر ربما لا يحمل الكثير من الأوراق فى الوقت الراهن يمكنه من خلالها المناورة لتحقيق أهدافه فى سوريا، فى ظل الوضع الدولى المتأزم الذى تشهده أنقرة جراء التدهور الكبير فى علاقتها مع حلفائها الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، على خلفية الرفض التركى لمطالب الولايات المتحدة، وأبرزها الإفراج عن القس الأمريكى المحتجز فى تركيا أندرو روبنسون باتهامات تتعلق بالإرهاب وتهديد الأمن التركى، بالإضافة إلى حالة التشكك الأوروبى تجاه سياسات أنقرة الدولية والإقليمية، وبالتالى فربما لا يملك فى جعبته حاليا إلا التسليم لمطالب روسيا.
ولكن ربما لم تعد مسألة النفوذ هى الأولوية فى أجندة الرئيس التركى فى المرحلة الراهنة، بينما أصبحت المعضلة الأكبر التى تواجهه هى كيفية ترويض الوحش الذى قام بتربيته لسنوات طويلة لتحقيق طموحاته وأهدافه، دون أن ينقلب عليه ليلتهمه، خاصة وأن قبول الميليشيات المسلحة، وعلى رأسها جبهة النصرة، لمطالب أردوغان تعنى النهاية بالنسبة لهم، وبالتالى فربما يكون نجاح أنقرة فى مهمتها مع الجماعات الإرهابية أمرا مستحيلا فى المرحلة الراهنة، فى ظل ما يثور حول احتمالات قيام الجيش السورى بغارات لاستهداف معاقل الجماعات الإرهابية فى إدلب، بدعم من روسيا، وهو ما يثير التساؤلات حول طبيعة الثمن الذى قد يدفعه الرئيس التركى فى المرحلة المقبلة للوفاء بالتزامه تجاه المجتمع الدولى.
التسليم التركى لموسكو.. هل يمثل قبلة الحياة لأردوغان؟
وهنا يمكننا القول بأن التسليم التركى للمطالب الروسية لا يمثل طوق نجاه لأردوغان ولا يمنحه قبلة الحياة، وهو الأمر الذى يرجع فى جزء كبير منه إلى احتمالات رفض الميليشيات المسلحة للمطالب التى سوف تقدمها تركيا، ، حيث أن رفضهم للاستجابة للمطالب التركية الروسية، قد يؤدى إلى عملية عسكرية سورية روسية واسعة النطاق للقضاء على الجماعات الإرهابية فى إدلب، وهو ما سيؤدى فى النهاية إلى تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى أنقرة، وبالتالى وضع ضغوط جديدة على الاقتصاد التركى الذى يشهد انهيارا حادا جراء تدهور قيمة العملة التركية بصورة غير مسبوقة.
اللاجئين السوريين فى تركيا أزمة كبيرة داخل أنقرة
ولعل دخول ملايين اللاجئين الجدد إلى تركيا عبر الحدود مع سوريا يمثل فى جوهره مخاوف كبيرة لدى المسئولين الأتراك، خاصة وأن ذلك سوف يؤدى إلى مزيد من الاضطرابات السياسية والاجتماعية فى الداخل التركى، خاصة وأن الزيادة الكبيرة فى أعداد اللاجئين السوريين داخل تركيا، والذين وصل عددهم إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص، هو أحد أهم القضايا التى يتوحد على رفضها غالبية المواطنين فى المجتمع التركى بالتزامن مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية فى الداخل.
مخاوف تركيا.. أردوغان قد يدفع ثمن انقلابه على الإرهابيين
ولم تقتصر المخاوف التركية حيال رفض الميليشيات المسلحة للمطالب التى سوف تقدمها أنقرة، على قضية تدفق اللاجئين إلى أنقرة، وإنما تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أن صفقة أردوغان – بوتين حول تفكيك الجماعات الإرهابية فى إدلب، ونزع أسلحتها هى بمثابة إنقلاب تركى صريح على تلك الميليشيات، وبالتالى فهى قد تؤدى إلى انشقاق صريح بين تركيا وحلفائها الإرهابيين، والذين قد يتجهوا فى النهاية إلى اتخاذ خطوات انتقامية لاستهداف النظام التركى فى المرحلة المقبلة.
يبدو أن الجماعات الإرهابية فى سوريا ربما تتجه لتكرار ما سبق وأن قامت به تجاه العديد من الدول الأوروبية، حيث أنه يمكنها أن تدس عناصرها بين اللاجئين للقيام بعمليات فى الداخل التركى ربما لعقاب أردوغان على انقلابه عليهم، وهو الأمر الذى يمثل تهديدا صريحا للمواطن التركى، كما أنه من شأنه زيادة الاحتقان فى الداخل تجاه الرئيس التركى ونظامه، خاصة وأن الفشل الاقتصادى الذى تعانيه أنقرة فى المرحلة الراهنة أدى إلى حالة من الغضب الشديد بين المواطنين الأتراك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة