·
على الكنيسة القبطية أن تتحرر من تأليه الأشخاص وتدخل عصر العلم
·
قطع لسان من يتحدث بالقبطية كذبة ولم تثبت تاريخيًا والمسيحيون يعيشون أزمة هوية
·
من يدعى إنه قبطى وليس عربى فليتحدث القبطية ليثبت لنا هويته
·
سلطة رجال الدين تزداد حين يسود الجهل وهناك عقليات تحارب العلم
·
الأقباط يعيشون عصر ما بعد البابا شنودة الذى اعتبر نفسه مصدر اللاهوت والعلم "وكل حاجة"
·
اللغة العربية لم تنتشر فى مصر بالسيف.. المسيحيون العرب سجلوا إيمانهم بهاوسط مكتبته العامرة بقلب دير الآباء الدومنيكان بالقاهرة، تحدث الراهب جون الدومنيكانى من موقعه كأستاذ للاهوت العقائدى بالمعهد الكاثوليكى بالقاهرة بعد أن حصل على الماجستير فى التخصص ذاته من فرنسا، يتمتع الأب جون بعلاقات طيبة مع الأزهر من ناحية ومع الكنائس الأخرى من ناحية أخرى إذ كانت تربطه علاقة صداقة بالأسقف المغدور الأنبا أبيفانيوس، فى هذا الحوار يتحدث الأب جون فى الكثير من القضايا التى استجدت على الساحة الكنسية إذ يرى أن الكنيسة القبطية متخمة بالخرافات وعليها أن تنطلق نحو عصر العلم والبحث اللاهوتى بدلا من تأليه الأشخاص وإلى نص الحوار
· ما هى الرهبنة الدومنيكانية فى تقديرك؟
تقرّبًا للمفهوم الإسلامى فإن الرهبنة الدومنيكانية هى طريقة كالطرق الصوفية مثلا، والرهبان الدومنيكان جماعة مهتمة بالفن والعلم، ومن القرن الـ13 بدأت رهبنتهم تضم أكبر عدد من الفنانين والنحاتين والموسيقيين والفلاسفة.
· حدثنا عن علاقة الرهبان الدومنيكان بالكنائس الأخرى، باعتباركم منتمين للكنيسة الكاثوليكية؟
أساس وجودنا فى مصر هو الحوار ما بين الأديان، بين الكنيسة الكاثوليكية الدومنيكان والإسلام، أما ديرنا بوضعه الحالى يعتبر مكان للأبحاث، وكذلك فإن رهبنة الدومنيكان رهبنة بحثية مما يجعلنا على تواصل دائم مع الكنائس الأخرى سواء الأرثوذكسية أو الإنجيلية وكل علاقتنا ترتبط بالبحث واللاهوت.
· كنت على علاقة بالأنبا أبيفانيوس قبل مقتله، ما شكل تلك العلاقة؟
كان الأنبا ابيفانيوس يرى أن دير الأنبا مقار قريب من دير الدومنيكان باعتباره دير بحثى مهتم بالعلم اللاهوتى، وكنا نشعر بالتقارب بيننا، لأن الديرين لهما اهتمامات مشتركة فى البحث والعلم، وهى علاقة أعمق لأنها لا تقوم على المجاملات وعدد كبير من رهبان دير الأنبا مقار يجيدون أكثر من لغة ويبحثون فى اللاهوت، ويدرسون الأفكار اللاهوتيّة المختلفة.
· هل جمعتكم حوارات لاهوتية بالكنيسة القبطية وممثلها الأنبا أبيفانيوس؟
لم يكن هناك حوار بشكل رسمى، بيننا وبين الكنيسة الأرثوذكسية ولكنها كانت حوارات غير رسمية بيننا كباحثين وأصدقاء وأخوة.
· كتبت من قبل إن مناخا حاضنا للعنف تسبب فيما جرى بالكنيسة؟
قبل مقتله كان هناك من يحرّض على الأنبا أبيفانيوس ويصفه بالمهرطق، فهل من قتله لديه أسباب دينية ورأى فى نفسه أنّه حامى الإيمان؟ قد يكون ذلك! كما أن بعض صفحات الفيس بوك شمتت فى مقتله.. لقد كان شخصًا مقلقًا بالنسبة لهم لأنه مسالم جدا وعالم، لا ينظر إلا للعلم. مثل هذه الشخصية تقلق الجهلاء.
· كيف تنظر للخطوة التى أقدم عليها البابا تواضروس مع البابا فرنسيس حين سعيا لتوحيد المعمودية بين الكنيستين؟
بوصول البابا تواضروس لسدة كرسى مارمرقس دخلت الكنيسة القبطية عصر جديدًا، البابا الحالى يهتم بالعلم وتعميق إيمان الكنيسة ومن ثم يكلف اللاهوتيين فى الكنيسة القبطية بالدراسة ويسعى لانفتاح مع الكنائس الأخرى، وحين توفر هذا المناخ سعى لتقليل الفجوة بين الكنيسة الأرثوذكسية وبين الكنائس الأخرى والبحث عن المشتركات وأظن أن هذه الخطوة كانت أمل قديم لدى الكنيسة القبطية وكان معقدًا قبل وصول البابا تواضروس للبطريركية، وفكرة إعادة المعمودية اخترعها البابا شنودة فهى لا تراث ولا فكر لاهوتى، وهو أمر هش جدا و"يكسف أى لاهوتى"، لأننى أهدم جزء فى إيمان شخص "لأنه مش عاجبنى"، وهى مجرد كلام خرافات بلا أساس لاهوتىّ.
· كيف تقيم ما جرى فى تلك الخطوة، بعد أن تم توقيع الاتفاقية جرى سحبها مرة أخرى؟
يبدو وهو واضح للجميع، وجود تياران فى الكنيسة القبطية، الأول يسعى للحقيقة ويعتمد على الإيمان والعلم وليس الأشخاص، وهو تيار مستعد للاعتذار عن أى خطوات خاطئة اتخذت من قبل لأنهم مهتمون بالإيمان وليس بالأشخاص، أما التيار الأخر فهو أقل علما وأعلى صوتا ويملك لغة الشارع وأكثر سلطة هؤلاء يرفضون أى محاولة للتقارب مع الكنائس الأخرى، وهذا الصراع خطر بين عقليتين، لأن العقلية الثانية ترى نفسها أفضل من الآخرين وليس لديها رغبة فى معرفة موقعها من العالم، والبابا تواضروس وعدد قليل من الأساقفة يحاول التعرف على نقاط القوة فى كل كنيسة ويستفيد منها.
· يمكن تلخيص هذا الصراع بوصفه بين التقليد والتنوير؟
نعم، صراع بين أشخاص بنوا سلطتهم على الجهل وأى تهديد لهذا الجهل يهدد مكانتهم ومن ثم يتصدون له، وأقول ذلك لأنى رجل دين، ورجال الدين تزداد سلطتهم حين يسود الجهل، الرهبان وعوا بذلك فى أوربّا وبدأوا فى تأسيس الجامعات. نتمنى أن يحدث ذلك بدلًا من تأسيس الجهل فى بلادنا.
· ما طبيعة الخرافات التى تقصدها بكلامك؟
شىء معروف إن الكنيسة القبطية مرت بظروف صعبة من عام 451 م ثم فترة دخول العرب مصر، وكان فى أوقات بها علم ونهضة ثم تتدهور الحضارة العربية وتتدهور معها الكنيسة، فالكنيسة القبطية عاشت فى عزلة كبيرة جدا تسببت فى عزلة لاهوتية لم تعد تسهم فى الثراء الفلسفى واللاهوتى فى العالم وتعيش على هامش التاريخ وعلى أنقاض الماضى، وفى مثل تلك الظروف يبرز أشخاص يعتبرون أنفسهم المصدر الوحيد لكل علم، ومن ثم أى تجديد أو انفتاح سيكشف حقيقة هؤلاء.
· هل ترى أن الكنيسة القبطية فى مرحلة إعادة نظر لكل تراثها حاليا؟
أرى أن ما يحدث هو إيجابى جدا، معنى وجود انتقادات من شباب ولاهوتيين، أن هناك من ينظر للإيمان وليس للأشخاص وهى كلها علامات صحية وتعطى أمل فى المستقبل ،وأى شىء لا بد وأن يتم ببطء شديد ويمنح مساحة للجميع لكى يتكلم ونبدأ الاهتمام بالدراسة حتى لا يتحول الكلام لثقافة شفهية.
· يمكن لنا أن نقسم الكنيسة لما قبل الأنبا أبيفانيوس وما بعده؟
لا بل ما قبل وما بعد البابا شنودة، حين يحكم رجلا بلدًا بيد من حديد نؤرخ لما قبله وما بعده، وكذلك البابا شنودة الذى أحكم قبضته على الكنيسة 40 سنة، معتبرا نفسه مصدر اللاهوت والتاريخ والسلطة "وكل حاجة"، حين يغيب "أب البيت"، تختفى السلطة وتحدث مشاكل وهو أمر طبيعى، أى سلطة أبوية لا تترك منافذ للتعبير وتستغرق وقتا طويلا يحدث مشاكل بعد غيابها.
· ما الذى ينبغى تغييره فى كنيسة ما بعد البابا شنودة إذن؟
لابد أن تتجه الكنيسة القبطية للعلم، فلا يوجد لدى الكنيسة كلية لاهوت واحدة معترف بها فى العالم، أين مجد الكنيسة القبطيّة "كنيسة الإسكندريّة" الآن؟ علينا أن نرجعه مرة أخرى، وأن تخرج الكنيسة القبطية علماء ودارسين وتنفتح على العالم كله، الكلمة للعلم والرجوع للجذور مع ربط هذا بدراسات الكتاب المقدس والاكتشافات الحديثة، والعلاقة مع الكنائس الأخرى.
· هل ترى أن مرحلة الانقطاع المعرفى التى عاشتها الكنيسة القبطية ناتج عن انقطاعها عن اللغات اليونانية والعبرية واستخدامها اللغة العربية؟
السبب ليس لغويًّا بل إن تعريب الكنيسة كان نقطة قوة للكنيسة، ووقت دخول العرب مصر كانت الحضارة العربية قوية جدا وكان من مصلحة كل شخص تعلم لغة تلك الحضارة، مثل الآن لا يمكن لأى باحث لا يجيد الإنجليزية، والمسيحيون فى مصر تعلموا العربية بالتدريج مما أعطى قوة للكنيسة لأن الكنيسة تتخطى كل حواجز اللغة وهو ما حافظ على المسيحيين أكثر وجعلهم جزءًا من الحضارة الجديدة، وهو ما لم يحدث فى شمال أفريقيا فاندثرت المسيحية هناك فى الجزائر مثلا كان هناك 720 أسقفا فى وقت القديس أغسطينوس على ما أتذكر ومع ذلك انتهت المسيحية، فى رأيى السبب فى عزلتها هو الانغلاق والبعد عن الكنائس الأخرى، لأن الارتباط بالكنائس الأخرى يمنح فرصة للنقد الذاتى، الخطر هو الخوف، فمن يخاف على نفسه يخسرها مثلما قال المسيح.
· لكن الكثير من الأقباط يرون الحضارة العربية خطرا على الهوية القبطية؟
من الطبيعى أن تكبر حضارات وتنهار أخرى، فى وقت دخول العرب مصر كانت الحضارة القبطية ليست عظيمة كما نتخيل الآن، لأن كل الفلسفة واللاهوت كتبوا باللغة اليونانية، وعلميا كان هناك 7 لغات قبطية فليس هناك لغة قبطية واحدة، ولم تمتلك ثراء اللغة اليونانية، وآباء كنيسة الإسكندرية كتبوا باليونانية، والقبطية كانت لغة البسطاء والفلاحين بينما لغة الحضارة كانت اليونانية، وحين جاءت حضارة أقوى هى العربية كانت مغرية ومهمة جدا فمن يريد أن يستمر لا بد أن يكون جزءا منها.
· ما موقع المسيحيين العرب من دخول الإسلام واللغة العربية فى المنطقة فى هذا الوقت؟
المسيحية العربية كانت مختلفة عن المسيحية الغربية، لأن المسيحيين العرب عددهم أقل ولكنهم أدركوا فى وقت مبكر جدا أهمية كتابة إيمانهم باللغة العربية فبدأت الكتابة بالعربية فى العراق ثم مصر، وكان لهم إسهامات بالغة فى الحضارة العربية، والسريان مثلا نقلوا الفلسفات عن اللغات الأخرى إلى العربيّة، الحضارة العربية لم تكن سبب انحطاط للأقباط بل إن تلك الحضارة حين انحدرت انحدر معها المسيحيين العرب، وأثروا اللغة العربية، ولكننا حاليا فى مصر نعيش أزمة هوية خصوصا المسيحيين.
· لماذا ترى أن المسيحيين المصريين فى أزمة هوية؟
ليس المسيحيين فقط، كلنا كمصريّين ولكن المسيحيين بالأخص، نحن ندرس تاريخ مزور ونقرأ التاريخ من وجهة نظر من هم فى السلطة، التاريخ كتب بأيد بيضاء، كتبه السيد الأبيض المنتصر، وحين أمنحك تاريخا مشوها أتحكم فى مستقبلك، المسيحيون العرب يحتاجون العودة للجذور للفهم، الفتح العربى مثلا لم يكن عنيفا بل كان فيه أوقات عنيفة، حكام مرضى قتلوا المسلمين والمسيحيين على حد سواء، أما الهروب من الهوية فهو ناتج عن تشوه التاريخ الذى يدرسه المسيحيون لأنه يجعلهم يرفضون الواقعون وكأنهم يقفزون من المركب ولكنهم يقفزون وهم لا يستطيعون العوم، أقابل من يقول "أنا قبطى وليس عربى" فأقول له كلمنى قبطى، لا يستطيع.
· ألا تلحظ بعض الخصومة بين المسيحيين العرب واللغة العربية باعتبارها لغة فرضت عليهم؟
العربية لم تفرض عليهم، تاريخيا هذا الكلام غير دقيق، والكلام عن قطع لسان الأقباط إذا تحدثوا القبطية غير صحيح، قد يكون هناك بعض الحوادث ولكنها لم تكن حركة عامة، إذا كنت أنا مسيحى مصرى أعيش تلك الفترة لا يمكننى أن أجد عملا بدون إجادة العربية، هناك أسباب أخرى لانهيار العصر القبطى غير السيف. منذ فترة فى مصر هناك تمييز ضد المسيحيين فى دراسة اللغة العربية، وكان من الطبيعى ساهم فى تنمية هذا الشعور بالاغتراب اللغوى أن تنقرض اللغة القبطية ليس بالضرورى أن يتم ذلك بالسيف. والمسيحية فى مصر متأثرة كثيرا بالإسلام ومنذ السبعينات تأثرت بالإسلام الوهابى أيضا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة