اليوم السابع بلس
قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن المسلمين هاجروا مرتين إلى الحبشة نتيجة لما تعرضوا له من الإيذاء والاضطهاد، وقد لاقوا هناك ترحيبا وحماية من النجاشى، كانت محل ثناء من النبى صلى الله عليه وسلم لهذا الملك، وعندما توفى أخبر النبى صلى الله عليه وسلم الصحابة خبر وفاته فى نفس اليوم وقد كان هذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، وقال "اليوم مات الملك الصالح" وصلى عليه صلاة الغائب.
وبين فضيلته فى حديثه على الفضائية المصرية، أن الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت فى السنة الخامسة بعد بعثة النبى صلى الله عليه وسلم، وفى السنة السابعة بعد البعثة فرض القرشيون الحصار على المسلمين، واستمر الحصار ثلاث سنوات حتى السنة العاشرة، وخلال هذه السنوات الثلاث أيضا استمر التعذيب والمعاناة للمسلمين على قدم وساق.
وأضاف الإمام الأكبر أنه ما لم يكد يفك الحصار بعد ثلاث سنوات حتى توفيت السيدة خديجة رضى الله عنها، ومات أبوطالب، وكان الفارق بين الوفاتين شهر تقريبًا، وقد كان أبوطالب السند الأكبر للنبى صلى الله عليه وسلم، أمام قومه المكيين، وكانت السيدة خديجة رضى الله عنها، الملجأ الذى يعود إليه، ليلقى منها الكثير من الحنان والتهدئة والتسلية، وقد كان ذلك يمثل زادًا للنبى صلى الله عليه وسلم يستمر به فى دعوته، وقد حزن النبى صلى الله عليه وسلم لذلك حزنًا شديدًا حتى سمى هذا العام عام الحزن.
وأوضح أن النبى صلى الله عليه وسلم، خرج من مكة إلى الطائف، عندما علم أن المجتمع المكى ليس له فيه نصير، مشيرًا إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأمل أن يكون أهل الطائف أكثر استجابة للدعوة، لأنها بلد أكثر حضارة وانفتاحًا من المجتمع المكي، لكن أمله خاب صلى الله عليه وسلم، حين تجهم أهل الطائف فى وجهه الشريف، وقالوا له، " لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ "، يقصدون المغيرة بن شعبة من مكة، أو عروة بن مسعود الثقفى من الطائف، لكن القرآن رد عليهم " أهم يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ".
وتابع أن أهل الطائف جندوا سفهاءهم ليؤذوا النبى صلى الله عليه وسلم، فرموه بالحجارة حتى أدميت قدمه الشريفة، ثم اتجه إلى حائط، وجاءه عداس، وهو الوحيد الذى استجاب له من أهل الطائف، وظل النبى صلى الله عليه وسلم، يدعو هناك 26 يومًا، يبيت فيها فى الحوائط والحدائق، ويعانى وهو صامد، حتى قال دعاءه المعروف: " آللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتي".
وقال أن ثبات النبى صلى الله عليه وسلم، ليس ثباتًا بشريًا، فبحسب قوانين الطبيعة البشرية، لا يمكن لبشر أن يصمد أمام هذه الأهوال، لكن الله عز وجل اصطفاه وهيأه لأنه يتحمل ما يوحى إليه، وكثير من الذين يزعمون أنهم ينتمون للسلف يقولون أن النبى صلى الله عليه وسلم، بشر فقط، والحقيقة أنه بشر، لكنه بشر يوحى إليه، وهناك بشر لا يوحى إليه، وهناك فرق كبير بين الاثنين، فالذى لا يوحى إليه، يخطئ ويصيب، أما الذى لا يوحى إليه فلا.
وأضاف الإمام الأكبر أنه صلى الله عليه وسلم، عندما أراد أن يرجع إلى مكة لم يستطع دخولها، إلا فى جوار مشرك، وهو مطعم بن عدي، وهنا نعرف سبب حزن النبى صلى الله عليه وسلم، على وفاة عمه أبى طالب، لأنه لو كان حيًا لما منعه أحد من دخول مكة، وقد وصل النبى صلى الله عليه وسلم، إلى يقين أن الإسلام لن يثمر ثمرة مرجوة فى مكة أو الطائف.
وبين أن النبى عليه الصلاة والسلام بدأ يفكر فى موسم الحج الذى يأتى فيه العرب من كل مكان، لعله يجد من يستمع إليه، وكل ذلك بإيحاء من الله وليس من ذاته كما قد يتصور البعض، فكان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى الناس فى موسم الحج، ويعرض نفسه، ويخبرهم أنه رسول الله، ويدعوهم إلى لا إله إلا الله، وكان المكيون يترصدون له، فمرة يمشى خلفه أبو لهب ويقول للناس لا تصدقوه، أنا عمه ونحن أهله ولا تصدقوه.
واستكمل الإمام الأكبر أنه فى سنة 11 بعد البعثة عرض نفسه على القبائل، فلقيه 6 من أهل المدينة من الأنصار فى العقبة الأول، كان معظمهم من الشباب، وهذا درس من دروس الهجرة يعلمنا أن الشباب هو الذى يصنع التغيير، فاستمعوا إليه وأعجبوا بكلامه وأسلموا بين يديه، وفى العام 12 بعد البعثة جاءه 12 شخصًا، وبايعوه بيعة العقبة الثانية، بعد أن سمعوا من الستة الذين بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم، فى بيعة العقبة الأولى، فاستبشر بهم النبى عليه الصلاة والسلام، وأرسل معهم مصعب بن عمير ليقرأهم القرآن، ويعلمهم الصلاة، وخلال هذين العامين عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إرسال المسلمين المستضعفين إلى المدينة المنورة، حيث كانت الهجرة خلال هذين العامين واجبة على القادرين.
وتابع:"فى عام 13 بعد البعثة أسلم 73 رجل، ووجد صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء يمكن أن ينتقل إليهم، ويستطيعون حمايته، وقالوا له نحن نحميك مما نحمى منه أطفالنا ونساءنا، وكان مع النبى عمه العباس الذى أخذ عليهم العهود والمواثيق، وكان صلى الله عليه وسلم، آخر من رحل تقريبًا هو وسيدنا أبوبكر رضى الله عنه".
وأوضح أن قريشًا بعد أن سمعوا بانتشار الإسلام فى المدينة، رأوا أن ذلك كارثة بالنسبة لهم، فاجتمع كبراؤهم، فقال بعضهم نحبسه، فرد عليهم آخر ون أن المسلمين قد يثوروا أن حدث ذلك، وقال آخر ون نخرجه من مكة، ولكن البعض خشى أن يجذب الناس خارج مكة بسبب فصاحته وحجته، فاتفقوا أن يقتلوه وانتدبوا لقتله مجموعة من الشباب يضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه بين القبائل، ليكون بنو هاشم أمام ثأر موزع على كل القبائل، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أو يَقْتُلُوكَ أو يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ"، وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز أن يخبر الله نبيه عما كانوا يمكرون له.
وأضاف الإمام الأكبر أن النبى صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أبى بكر وأخبره بأنه مأمور بالهجرة، وحدد له الوقت الذى سيخرج فيه إليه، وأمر سيدنا على أن ينام مكانه، وخرج من بيته إلى بيت أبى بكر والقوم يتربصون به عند خروجه، إلا أنهم لم يروه، وهذا مظهر آخر من مظاهر الإعجاز، لا مجال فيه للتفسير الحسي، وسجل القرآن الكريم ذلك "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ"، حيث تناول صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب وقرأ عليها فلم يبصروه، رغم أن أبا جهل كان مفتوح العينين ومعه سيفه، فقد كان من ضمن الفريق.
وبين فضيلته أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج ولم يره أحد إلى أن وصل إلى أبى بكر ومن هناك تزودوا بالراحلة والزاد، وخرجوا متخفين، وأيده الله بمشرك من المشركين معه غنم يمشى بها خلفهم حتى يطمس الآثار، كما كانت السيدة أسماء بنت أبى بكر تحمل إليهم الزاد، وكان عبد الله بن أبى بكر يقوم بدور المخابرات، يبات الليل فى مكة ويسمع ماذا يقولون وماذا يرصدون، ثم يذهب متخفيا إلى الغار فى الصباح.
وأوضح الإمام الأكبر أن المشركين استطاعوا أن يتتبعوا أثر النبي(صلى الله عليه وسلم)، حتى وصلوا إلى باب الغار الذى دخل فيه سيدنا ابو بكر والنبى (صلى الله عليه وسلم)، ورأو على الغار عنكبوت وحمام يعشش على بيضه، وهذه معجزة آخر ى، فباب الغار لابد أن يكون اتساعه على الأقل50سم، حتى يستطيع أحد الدخول إليه، وكلنا نعرف أن العنكبوت ينسج خيوطه فقط على مساحة صغيرة، ولم نرى العنكبوت ينسج خيوطًا على هذه المساحة الكبيرة، بحسب كنب السيرة. وفعلًا سمع سيدنا أبوبكر وقع أقدامهم، وامتلأ خوفًا، لكن النبى صلى الله عليه وسلم، الذى يوحى إليه قال له" ماظنك باثنين الله ".
وأشار فضيلته إلى أن سراقة عندما أراد أن يقبض الجائزة وأراد الاقتراب من الغار أطاحت به فرسه، ثم ركبها مرة آخر ى ووجهها نحو الغار فساخت أرجلها فى الرمل فعلم أنها معجزة فأعلن إسلامه، وطلب منه النبى (صلى الله عليه وسلم) أن يعمى الأمر على قريش، فعندما رجع قال أنه لا أثر لهم.
وبين الإمام الأكبر أن المعجزات استمرت حتى دخل صلى الله عليه وسلم المدينة، وتروى كتب السيرة أن الناقة مرت فى كل شوارع المدينة، وكل أهل بيت يمسكون بالناقة لتبرك أمام البيت ليستضيفوا النبى صلى الله عليه وسلم، ثم يقول لهم بلغة الواثق: "دعوها فإنها مأمورة"، فحتى الناقة فى هذه الرحلة كانت تسير بأمر إلهى يوجهها أين تسير وأين تتوقف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة