كان الوقت صباحا بتوقيت شرق الولايات المتحدة الأمريكية يوم 11 سبتمبر «مثل هذا اليوم عام 2011»، وكان بعد الظهر فى منطقتنا العربية حين وقعت الواقعة فى مدينة نيويورك والتى أصبح العالم بعدها غير ماكان قبلها، بفضل انتقال ظاهرة الإرهاب التى تتستر وراء الإسلام إلى قلب أقوى دولة فى العالم.
مضى تسلسل الأحداث فى هذا اليوم «11 سبتمبر» على نحو يذكره الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى مقاله «إمبراطور من تكساس» المنشور بمجلة «وجهات نظر- مايو 2003 - القاهرة»، قائلا:
«فى الساعة الثامنة وخمسة وأربعين دقيقة اصطدمت طائرة مختطفة تابعة لشركة الخطوط الأمريكية «الرحلة رقم 11 من بوسطن» بالبرج الشمالى لمركز التجارة العالمى، فكسرت فيه فجوة ضخمة تحولت فى لحظة إلى فوهة حريق، وفى الساعة التاسعة وثلاث دقائق اصطدمت طائرة مختطفة ثانية من مطار بوسطن تابعة أيضا لشركة الخطوط الأمريكية المتحدة «الرحلة رقم 175» بالبرج الجنوبى لمركز التجارة العالمى، وكذلك انفجر البرج الثانى لمركز التجارة العالمى، وفى الساعة التاسعة و43 دقيقة، اصطدمت طائرة مختظفة ثالثة من مطار بوسطن ذاته تابعة لشركة الطيران الأمريكية المتحدة «الرحلة رقم 77» بمبنى وزارة الدفاع فى واشنطن، وهدمت ركنا منه، وأشعلت لهبا فى ركن آخر يقع فيه مكتب وزير الدفاع نفسه، وفى الساعة العاشرة و5 دقائق كانت أبراج مركز التجارة العالمى- برجان هما أهم معالم نيويورك عاصمة المال والثقافة والإعلام فى الولايات المتحدة- يتهاويان حطام أنقاض ورماد حريق يتساقط على الأرض».
يضيف هيكل: «فى مدينة «ساراسوتا» فى «فلوريدا»، حيث كان الرئيس الأمريكى جورج بوش «الابن» فى زيارة قصيرة، ظهر للناس وكأنه طائر يجرى كاد يغرق تحت بقعة زيت تسربت من ناقلة زيت أصابها العطب، فتعطلت وتدفقت حمولتها تغطى خليج فلوريدا تنبئ بكارثة بيئية مروعة، وقال الرئيس دون أن يظهر لسامعيه إنه استعاد حواسه بعد المفاجأة: «أمريكا تحت النار- تعرضنا لهجوم إرهابى»، يؤكد هيكل: «كان المشهد مشهدا غريبا عند مركز القرار الأمريكى، وأمام الشعب الأمريكى، وأكثر غرابة خارجه وراء البحار والمحيطات، وفى البيت الأبيض كان المشهد أشبه ما يكون بمؤمرات قصور الأمراء الباباوات الإيطاليين من آل «بورجيا»ونظرائهم، ممن تمرسوا فى دسائس القصور ومؤامرات الاغتيال بالتناحر وبالسم وبالشائعات».
بعد أن وقع الهجوم، وحسب هيكل: «كان الرئيس الأمريكى على وشك أن يركب طائرته الرئاسية من فلوريدا عائدا بسرعة إلى العاصمة واشنطن وإلى البيت الأبيض، وإذا به يتلقى اتصالا هاتفيا من نائبه «ريتشارد تشينى» يرجوه فيه ألايقترب من أجواء واشنطن، لأن طائرته مستهدفة بكمين إرهابى يتربص بها، وابتعدت الطائرة الرئاسية عن أجواء واشنطن، وظلت عشر ساعات شاردة وضائعة بين القواعد العسكرية والمطارات..كل ذلك وأسرة بوش وفى المقدمة منها والدته«بربارة»يستعجلون عودته إلى واشنطن، لأن مكانه هناك فى المكتب البيضاوى وليس فى غيره».
يذكر «هيكل» الحال التى كان عليها كبار رجال الإدارة الأمريكية قائلا: «فى هذه اللحظات الحرجة راح رجال مثل وزير الدفاع «دونالد رامسفيلد»وغيره من أركان الإدراة يقولون- وبحيث تسمع أسرة بوش- أن «تشينى» نائب الرئيس يريد أن يظل «دوبيا» (اسم تدليل لجورج بوش أطلقته أمه عليه) بعيدا عن مركز القرار ليتأكد الرأى العام أنه رئيس فى الشكل وليس فى الموضوع، لأن الموضوع كله فى يد «ديك تشينى»، وبالفعل فإن «تشينى» انتهز الفرصة ليتصرف فعليا أمام أمريكا باعتباره الرئيس الحقيقى الموجود فى البيت الأبيض، وعندها طلبت الأسرة من «دوبيا» أن يعود على عجل، وأن يضع نفسه فورا فى الصورة».
يذكر هيكل، أنه فى وسط موقف شديد الحرج بالنسبة لأمريكا، كانت دسائس القصور تفرض على نائب الرئيس «تشينى» أن يبتعد عن الأنظار، وأن يتجنب الأضواء، وأن يختفى من مواقع النظر بحيث يخلو المسرح لرجل واحد هو «دوبيا»، والحجة أن الرئيس ونائبه فى زمن الحرب لا يصح أن يتواجدا فى نفس المكان.. كان البيت الأبيض يريد قيصرا واحدا يقف عند دخوله كل القواد يهتفون باسمه عندما يدخل، ويكررون الشىء نفسه عند الخروج.
ينتهى هيكل إلى القول: «على طول الولايات المتحدة وعرضها ومن خط الماء إلى خط الماء، كان الصوت والصدى اسم رجل غامض يشار إليه بالكراهية والرهبة، كأنه من عوالم السحر- هو أسامة بن لادن الذى قيل إن أعوانه حضروا كالعفاريت خفية من جبال وكهوف أفغانستان، وانقضوا نارا ورمادا فوق الأبراج العالية لأقوى إمبراطوية فى التاريخ».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة