كل من تابع قضية مقتل الأنبا أبيفانيوس ومحاولة انتحار الراهبين، رأى فى تلك الأزمة إما خطوة لكسر البابا تواضروس وتراجعه عن قراراته الإصلاحية أو دافعًا للمضى قدمًا والعبور بالكنيسة نحو عصر جديد مدفوعًا بالرغبة فى إصلاح ما تبين اهتزازه وخروجه عن الطريق القويم.
كيف أدار البابا أزمة الأنبا أبيفانيوس؟
شاع عن البابا تواضروس الثانى، قدراته الإدارية الفذة، إذ نجح فى تحويل الكنيسة لمؤسسة حقيقية، إلا أن الاختبار الأهم فى حياة أى مدير هو قدرته على إدارة الأزمة ومواجهتها والاستفادة منها لصالحه، وهو ما حققه البابا بالفعل.
الدرس الأول: الانحياز للقانون
ينحاز البابا تواضروس للقانون دائمًا، ولا تعنيه صور ذهنية للرهبان، أو ما يشاع عن تأثر صورة الكنيسة من مثل تلك الحوادث، وقد كان للبابا سابقة تفسر بوضوح موقفه من إنفاذ القانون، حين اشتعلت أزمة دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان، وألقت الشرطة القبض على الراهب بولس الريانى، سأل البابا تواضروس، فأجاب إن الراهب كسر قانون المجتمع فعقابه السجن بالتأكيد.
عاد البابا مرة أخرى لانحيازه القديم للقانون، إذ قال بصوت واثق فى عظته الأسبوعية أمس أن مقتل الأنبا ابيفانيوس جريمة تستوجب العقاب والتحقيق الذى أجرت النيابة سينتج عنه جانى لأن الأنبا ابيفانيوس مجنى عليه معقبًا "مفيش حاجة للخواطر"، وهو يؤكد ما أشيع عن رغبة البعض التستر على الحادث حتى لا تنكسر صورة الكنيسة أمام الرأى العام وهو ما رفضه البابا بقوة.
الدرس الثانى: لا تكثر الظهور فى الأزمات
منذ وقوع أزمة مقتل الأنبا ابيفانيوس، لم يكثر البابا من ظهوره الإعلامى أو من بياناته بعد الحادث، إذ ظهر فى الوقت المقرر فيه ظهوره، كأن يرأس صلوات الجنازة على الأسقف الراحل فيلقى عظة ينصح فيها رهبان الدير بالتوبة، وطرد الانحراف ويهيئ الرأى العام القبطى إلى احتمالية وجود قاتل من بينهم، ثم ظهر مرة أخرى فى عظته الأسبوعية التى ألقاها من دير الأنبا بيشوى فى اليوم التالى للجنازة وجدد تعازيه لشعب الكنيسة، وتوقف عن الظهور والكلام حتى إذا ما جاء موعد عظته التالية، وكان الأمر قد تفاقم فى الدير، خرج بعظته الغاضبة القوية أمس التى خصصها للحديث عن الرهبنة القبطية وطمأن الشعب أن الكنيسة لا يكسرها حادث أو انحراف واستخدم عبارة شديدة الدلالة، وقال "فى كل مجتمع يهوذا، يهوذا أيضًا حاول الانتحار وخان أستاذه ومعلمه المسيح".
الدرس الثالث: الأزمات قوة دافعة للتغيير
اتخذ البابا تواضروس من دم الأنبا ابيفانيوس قوة دافعة لإصلاح ما اعترى الرهبنة القبطية من أخطاء فى السنوات الماضية، واعترف البابا تواضروس بشجاعة نادرة بذلك، حين قال "نعم حدث تسيب ونعمل على إصلاحه"، إذ رأى البابا فى هذا الحادث طريقًا لحركة إصلاح الأديرة بدأه بالـ12 قرار التى أصدرها لضبط الرهبنة، حيث خصص ثلاثة أيام لزيارة الأديرة ومنع ترقيات الرهبان لرتب الكهنوت وتوقف عن قبول إخوة جدد فى الأديرة المصرية.
الدرس الرابع: كن شجاعًا فى مواجهة الأزمة
ضرب البابا تواضروس مثلًا فى الشجاعة فى مواجهة الأزمة، فلم يهرب ولم ينكر ولم ينفى، ولم تثنيه رهبنته عن رؤية الصورة الحقيقية لمجتمع الرهبان بقديسيه وخاطئيه، ووقف فى عظته الأسبوعية أمس يتحدث عن تاريخ الحركة الرهبانية المصرية التى قدمت الرهبنة للعالم أجمع بفخر كبير، ولم ينس أن يعترف بالقصور الذى جرى والأحداث التى وقعت، إذ إن كثير من الأقباط رفضوا تصديق إمكانية إقدام راهب على القتل أو الانتحار، نظرا للصورة الطوباوية للرهبان فى الأذهان، رجال الله المخصلون الذين لا يأتيهم الباطل من فوقهم ولا من تحتهم، وهو ما رفضه البابا أمس حين قال فى كل مجتمع يهوذا وهناك ضعفات إنسانية وحروب الشيطان كثيرة.
الدرس الخامس: استغل الأزمة للتحذير من المخاطر
استخدم البابا تواضروس عبارة شديدة الدلالة والأهمية، حين قال "يعنى إيه تحمى الإيمان، الإيمان مش سلعة عشان تحميه، المسيح فقط هو من يحمى الإيمان"، احذروا هذه الصفحات، ففى خضم غضبه أمس حذر البابا من جماعة تطلق على نفسها "حماة الإيمان" تتشكل من خدام فى مدارس الأحد ومعلمى لاهوت كنسى وشمامسة، دأبت على الهجوم على توجهات البابا فى كثير من القضايا، وكانت تنتقد الأنبا ابيفانيوس نفسه، وتكيل الاتهامات لمن يختلف عنها فى التوجهات والرؤى والأفكار.
كذلك، فإن البابا استغل الأزمة لمطالبة الأقباط بالتعاون معه فى قرارات ضبط الرهبنة، وقال "الهدايا للرهبان والزيارات وحتى مكالمات التليفون ملهاش لازمة وساعدونا على ذلك".
إذا كانت الكنيسة قد خسرت قيمة وقامة مثل الأنبا ابيفانيوس، إلا إنها كسبت بطريرك قادر على إدارة أزماته وعبورها بحكمة، فدفع الرجل دمه فداءا للرهبنة التى عاش نذرها حتى مات لأجلها.
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد من الناس
شكرًا
شكرًا علي الأسلوب الخالي من التجريح والاهانة ياريت تثبتي علي كدا