"يحيط الظلام بكل شىء من حولهم، يتحسسون تارة ويتخبطون أخرى، ولكن يظل نور النجاح هو طريق عدد كبير منهم"، هؤلاء هم المكفوفين الذين حرموا نعمة البصر فعوضها بقدرات خاصة لم يستطع الإنسان المبصر أن يجاريهم فيها.
"اليوم السابع" التقى عدداً من النماذج الناجحة من بين المكفوفين فى محافظة أسوان، بعد أن برعوا فى التعليم واستعدوا لمرحلة ما بعد التعليم والانطلاق إلى سوق العمل فى شتى مجالاته وأنواعه، رغم توهم البعض ظاهرياً أنها لا تناسبهم.
قال محمد جاد، رئيس إحدى المؤسسات التنموية بمحافظة أسوان، إن مؤسسته معنية بتدريب مجموعة من ذوى الإعاقة بمحافظة أسوان، فى إطار منحة وزارة الاتصالات بعنوان "من أجل فرصة عمل أفضل للأشخاص ذوى الإعاقة" بالتعاون مع المنطقة الجنوبية العسكرية للقوات المسلحة، والهيئة العامة لقصور الثقافة بقصر ثقافة أسوان، ويتدرب فيها 14 شابا وفتاة من المكفوفين الخريجين، بجانب وجود مجموعات أخرى من إعاقات مختلفة سوف ينضموا للمنحة للاستفادة منها.
وأضاف معتز بالله عبد النبى، مدرب كمبيوتر، ومن المكفوفين، أنه من المدربين المعتمدين لدى مجالات التدريب على الحاسب الآلى التابعة لمركز الحاسبات ونظم المعلومات، بعد أن نجح فى إثقال موهبته بسرعة كبيرة جداً وتعمق فى مجال الكمبيوتر لدرجة أنه يدرب المكفوفين والمبصرين، ويقول المتدربين له: "نحن نستفيد منك أكثر من المبصرين".
وأشار إلى أن هذا النوع من الإعاقة لا يتطلب كثيراً فى التدريب على الحاسب الآلى عن الآخرين سوى تجهيز الكمبيوتر ببرنامج قارئ للشاشة بمعنى أن كل ما يرى على شاشة الكمبيوتر ويمكن التحرك عليه باستخدام "الماوس"، يمكن لبرنامج قارئ الشاشة أن يترجمه إلى تعليمات صوتية بمجرد التحرك عليه، باللغات المختلفة، بجانب إجادة حفظ لوحة المفاتيح، نظراً لأن خبراء الكمبيوتر أكدوا أن من يجيد التعامل مع لوحة المفاتيح حفظاً هو الأكثر إجادة للتعامل مع الكمبيوتر.
وتابع معتز بالله عبد النبى، أن هناك إرادة قوية من المكفوفين فى إتمام الدورة التدريبية المقامة حالياً فى أسوان، بهدف تنمية مهارات الأشخاص ذوى الإعاقة ومنهم المكفوفين تمهيداً لإلحاقهم بسوق العمل فى شتى المجالات المختلفة، مؤكداً أن مصر حالياً تشهد اهتماما بالغا من المسئولين بالأشخاص ذوى الإعاقة وخاصة قرار رئيس الجمهورية بجعل 2018 عاماً للأشخاص ذوى الإعاقة، بجانب اهتمام القوانين وإلزام المؤسسات المختلفة بنسبة الـ5% من ذوى الإعاقة فى فرص العمل وفرض عقوبات على المخالفين لهذه القوانين، وغير ذلك من مميزات لذوى الإعاقة بشكل عام.
وأوضح عبد النبى، أن التدريب فى قصر ثقافة أسوان، بدأ فى مرحلته الأولى باختيار 14 متدربا ومتدربة من المكفوفين، لمدة 25 يوماً، يتدربون خلالها على كافة مهارات الكمبيوتر وبرامج الأعمال المكتبية ومبادئ التسويق الهاتفى للمكفوفين واستخدام الإنترنت، علاوة على إجادة البرمجيات وأعمال الصيانة أيضاً وتنفيذ هذه المهام بكفاءة عالية جداً أسوة بالمبصرين.
وقالت مروة السبع محمد، من المكفوفين، وحاصلة على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية بجامعة أسوان 2017، إن التحاقها بالتدريب على مهارات الكمبيوتر، دفعها للاشتراك فى المنحة المجانية، وعلمها عدم إضاعة الوقت دون تعلم شىء جديد مفيد لها فى الحياة.
وأشار جرجس منصور، من المكفوفين، ويقيم بمحافظة أسوان مركز كوم أمبو، حاصل على الثانوية العامة، إلى أنه كان فى بداية الأمر يحاول أن يتعلم مهارات الكمبيوتر بمفرده فى المنزل بمساعدة برنامج الناطق دون أن يلتحق بدورات تدريبية، ولكنه اتجه بعد ذلك إلى الدراسة المتخصصة لإثقال موهبته فى التعامل مع الكمبيوتر، بالإضافة إلى أن التدريب والحصول على شهادة معتمدة يؤهله لمجالات شتى بسوق العمل، أو فى الحياة اليومية، مضيفاً أنه أصبح يستخدم الكمبيوتر أفضل من أخوته المبصرين فى المنزل، بعد ما وصل إليه من مهارات فى التعامل مع الحاسب الآلى، وذلك بعد أن دخل فى تحدى مع نفسه للوصول إلى هذه المرحلة.
وأوضح أن الكمبيوتر يساعده أيضاً على قراءة العديد من الكتب التى يصل إليها بسهولة باستخدام البحث الإلكترونى بعيداً عن الاستعانة بشخص يبحث له عن الكتب التى يريدها وتكون مترجمة إلى طريقة برايل.
واستكملت سمية عبد العليم، مقيمة بمدينة أسوان، الحديث عن قصة كفاح المكفوفين، قائلةً: إنها التحقت بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر وأنهت دراستها العام الماضى، والتحقت بالتدريب فى مجال الكمبيوتر لأنها تؤمن بمبدأ أن من لا يتعلم مهارات الكمبيوتر فى العصر الحديث من الصعب عليه أن يعيش، ولا يمكن له أن ينطلق إلى سوق العمل، مضيفةً أنها لم تخجل من تعلم الكمبيوتر وتصدت لمحاولات الاستخفاف بذلك وأثبتت نجاحها، كما أنها استطاعت أن تواصل موهبتها فى كتابة الروايات والقصص ورفعها عبر الإنترنت.
ولفتت بسمة حسن رجب، من المكفوفين ومقيمة بمدينة أسوان، وحاصلة على ليسانس الآداب قسم الإعلام بجامعة أسوان، إلى أن الفضل فى تعلم مهارات جديدة يرجع إلى والديها اللذين شجعاها على الاستفادة من التطور التكنولوجى وتسخيره لذوى الإعاقة البصرية أيضاً، مؤكدةً أنها تسعى إلى تحقيق هدفها بالعمل فى المجال الإعلامى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة