سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 يوليو 1932..وفاة حافظ إبراهيم.. «الشاعر الذى عاش الشرق فيه.. وجعلته طبيعته مرآة لحياة نفسه وشعبه»

السبت، 21 يوليو 2018 10:26 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 يوليو 1932..وفاة حافظ إبراهيم.. «الشاعر الذى عاش الشرق فيه.. وجعلته طبيعته مرآة لحياة نفسه وشعبه» الشاعر حافظ إبراهيم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دعا الشاعر حافظ إبراهيم، صديقه محمد راتب وشخص آخر للعشاء فى منزله، ليلة 21 يوليو «مثل هذا اليوم عام 1932»، حسب جريدة الأهرام يوم 22 يوليو 1932، ولم يستطع مشاركتهما، فكان متمددًا على مقعده معتقدًا بأنه مصاب ببرد طفيف، وتضيف الأهرام أنه بعد انصراف صديقيه أحس بالتعب الشديد، فاستدعى الخادم ليناوله الدواء، وأحس باشتداد المرض فأمر الخادم باستدعاء الطبيب، ولمعرفة الخادم ما بينه وبين عبدالحميد البنان «نائب برلمانى» من الصداقة كلمه بالتليفون ليحضر مع الطبيب فى الحال، فأسرع صديقه والطبيب إلى منزله بكوبرى القبة، فإذا هو فى النزع الأخير لايقوى على كلمة الوداع، وفاضت روحه إلى ربها، ولم يكن جاوز الستين بعد».
 
سار فى جنازته «علية القوم وأهل الفكر والأدب» بوصف «الأهرام» ومنهم، محمد محمود باشا، والشيخ مصطفى المراغى، وبعض الزعامات الوفدية القديمة وعدد من الأعيان، وتؤكد الأهرام أن موكب الجنازة كان قصيرا، بين كوبرى الليمون وجامع أولاد عنان، وتضيف: «وصل حضرة مصطفى النحاس باشا فسار النعش ووراءه الناس كأنما على رؤوسهم الطير»، ويذكر الدكتور عبدالحميد سند الجندى فى كتابه «حافظ إبراهيم- شاعر النيل» نقلا عن الصحف الصادرة وقتئذ: «كان أشدهم حزنا عليه الشيخ عبدالعزيز البشرى، والشاعر خليل مطران، ودفن فى مقابر السيدة نفيسة، ورثاه على القبر عباس محمود العقاد والشاعر محمد الهراوى، وكان صديقه «محمد محمود باشا» يتقبل فيه العزاء، وبذلك خمد صوت طالما جلجل فى سماء الوادى، وصدح على ربوعه بمختلف الألحان».
 
كان مصريا صميما، بوصف «الجندى»، مضيفا: «لايعرف أحد ولاحافظ نفسه يوم ولادته على وجه التحديد، وعندما أراد تعيينه فى دار الكتب يوم 4 فبراير سنة 1911، قدر القومسيون الطبى سنه بتسع وثلاثين سنة، وعلى هذا التقدير يكون مولده يوم 4 فبراير 1872، والذى يعرفونه منذ حداثته يقولون إنه كان أسن من ذلك»، واحتوت حياته على دراما عميقة كان الفقر بطلها مع مايتركه من مؤثرات إنسانية، وبدأ ذلك منذ طفولته، ويذكر «سند الجندى»: «لم يذق للراحة طعما طوال حياته، مات والده وهو طفل، وخلف له اليتم والإملاق، وحاربه الزمان حربا لاهوادة فيها.. وعز عليه أن يكون على هذا الحال وهو فى مستهل حياته وفجر شبابه، ولأنه كان ذا نفس شاعرة وحس مرهف، فضايق بالحياة وبالناس، ونقم على قومه الذين لم يعرفوا قدره، قائلا: «فما أنت يامصر دار الأديب/ ولا أنت بالبلد الطيب».
 
عن هذا الحال ينقل الدكتور «يونان لبيب رزق» ماذكرته «الأهرام وقتئذ»، قائلا فى مقاله «صيف رحيل الشعراء- الأهرام 28 أغسطس 2008»: «كان مقطوعا من شجرة، لم يبق له من أسرته إلا ابنة شقيقته، ونشرت الصحف أن إبراهيم محمد إبراهيم، وأحمد محمد إبراهيم من أهالى الإسكندرية كتبا إلى سعادة محافظ القاهرة بأنهما ابنا أخت حافظ إبراهيم، وأنه لم يترك ورثة غيرهما، وكان يمدهما فى حياته بالمساعدة المالية، لذلك يطلبان من الحكومة أن تنظر إليهما بعين العطف.. كل هذا حدث ولم تكن جثة الرجل قد بردت، الأمر الذى يكشف حالة الإملاق التى عانت منها أسرة حافظ بك».
 
غير أن عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين يرصد تأثير هذه المعاناة فى تفرد حافظ، قائلا فى كتابه «حافظ وشوقى»: «لم يكن فردا يعيش لنفسه بنفسه، وإنما كانت مصر كلها، بل الشرق كله، بل الإنسانية كلها فى كثير من الأحيان تعيش فى هذا الرجل، تحس بحسه، وتألم بقلبه، وتفكر بعقله، وتنطق بلسانه، ولا أعرف بين شعراء هذه الأيام شاعرا جعلته طبيعته مرآة صافية صادقة لحياة نفسه ولحياة شعبه كحافظ رحمه الله، فالذين يقرأون شعره الآن والذين كانوا يقرأون شعره فى حياته، والذين كانوا يستمعون له إذا أنشد الشعر فى المجالس الخاصة والمجامع العامة، يؤخذون بهاتين الصورتين الواضحتين كل الوضوح: صورة الشعب ومايجد من ألم أومل، وصورة حافظ ومايحس من بأس أورجاء. كذلك كان حافظ وكذلك كانت نفسه، وكذلك كانت الصلة بينه وبين الناس، فليس غريبًا أن تقع الكوارث من نفسه أشد وقع، وأن تثير فيها عواطف لذعة من الألم والحسرة، ومن الحزن واللوعة، وليس غريبًا أن ينطق لسانه بالشعر فى تصوير هذه العواطف، فيبلغ من ذلك ما يريد فى غير مشقة ولاعناء، ويصل إلى هذه المنزلة التى لا يصل إليها الشعراء إلا أن يكونوا مطبوعين أو أن تكون الظروف قد واتتهم، وأتاحت لهم من أسباب القدرة والبراعة ما يقربهم من المطبوعين، وهى أن يبلغوا بالذين يقرأونهم ويستمعون لهم مثل ما فى أنفسهم من الحزن واللوعة، ومن الحسرة والأسى، فإذا بكوا بكى معهم الناس، وإذا جزعوا جزع معهم الناس مخلصين.. هذه منزلة لا أعرف كثيرًا من شعراء العربية فى العصر الحديث قد بلغوا منها مابلغ حافظ».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة