كشف الدكتور محمد حمزة الخبير الأثرى وعميد كلية الآثار جامعة القاهرة السابق، عن عدة نتائج علمية تخص تابوت الإسكندرية والذى عثر عليه بمحافظة الإسكندرية، واكتشفته البعثة الأثرية المصرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار أثناء أعمال حفر مجسات بأرض أحد المواطنين بشارع الكرميلى بمنطقة سيدى جابر بشرق المدينة خلال الأسبوعين الماضيين، والذى تم فتحه امس وعثر بداخلة على 3 هياكل عظمية، لعساكر وظباط فى الجيش.
وقال الدكتور محمد حمزة، الفقيه الأثرى وعميد كلية الآثار جامعة القاهرة السابق، إن تابوت الإسكندرية وجد فى منطقة سيدى جابر بحى شرق الإسكندرية، أولا هذه المنطقة هى إحدى مقابر الجبانة الشرقية بالإسكندرية القديمة، وكان يدفن فى هذه الجبانة الشرقية الأجانب من أهل الإسكندرية، وخاصة من العنصر الإغريقى والمقدونى، وذلك خلال العصر البطلمى "305 ق .م إلى 30 ق . م".
وأوضح الدكتور محمد حمزة، أنه من خلال الأدلة الأثرية ثبت أنه خلال العصر الرومانى "30 ق .م ــ 641 م"، قل استعمال الجبانة الشرقية وكثر استعمال الجبانة لغربية، حيث أن التابوت بعد فتحه أمس وجدت به آثار 3 هياكل بشرية، وهذا يدل على أن هذه المقبرة تمثل جزءًا من مقابر سيدى جابر للجبانة الشرقية، هذا من جهة.
وتابع الفقيه الأثرى، أما من جهة ثانية فإنه من المرجح أن هذه المقبرة ترجع إلى النصف الثانى من العصر البطلمى، حيث انتشرت فيه ظاهرة حرق الجثث طبقًا للطقوس اليونانية وحل محلها ظاهرة عدم حرق الجثث ودفنها بدون تحنيط او محنطة طبقًا للطقوس المصرية سواء بين الخاصة أو بين العامة، وأشهر من تم تحنيطهم فى هذه الفترة الملكة كليوباترا السابعة آخر ملوك البطالمة "30 ق .م".
وأشار الدكتور محمد حمزة، بما أنه عثر داخل التابوت على بقايا 3 هياكل بشرية غبر محترقة فإن ذلك يدل على أن هذه المقبرة ترجع إلى عام "30 ق .م"، ولا سيما خلال القرنين الثانى وأواخر الول قبل الميلاد، ولو اكن عمل حفائر أثرية فى هذه المنطقة وهذا من الصعوبة بالمكان لتم استكمال شكل مقابر سيدى جابر ومعرفى طرازها المعمارية وانماطها وطرق الدفن فيها، فضلا عن عناصرها المعمارية ونقوشها الزخرفية.
وعن ماهية الجبانة الشرقية بالإسكندرية، قال الدكتور محمد حمزة، إن الجبانة الشرقية تشمل الآن مناطق الشاطبى والإبراهيمية ومصطفى كامل وكليوباترا ومقابر شارع تجران، فضلا عن مقابر سيدى جابر المكتشف قيها التابوت.
وحول الجبانة الغربية بالإسكندرية القديمة، أوضح أنها تضم المناطق التالية "الأنفوشى، كوم الشقافة، والورديان"، وكان يدفن فيها المصريون خلال العصر البطلمى لأنها قريبة من الحى الوطنى "راكودا أو راكوديس".
وتحدث الفقيه الأثرى محمد حمزة حول ما أثير عن علاقة التابوت بالإسكندر الأكبر، قائلا: أما القول بإن هذا التابوت له علاقة بقبر الإسكندر الأكبر هذا الكلام يعد من قبيل الخرافات العلمية، لآن الإسكندر الأكبر عندما دفن فى الإسكندرية دفن فى المقبرة الملكية المعروفة "السوما ـ السيما"، بالحى الملكى بوسط المدينة القديمة، وهو الحى الذى كان يعرف باسم البروكيون، والذى تم تدميره تمامًا خلال القرن الثالث الميلادى والرابع نتيجة لاندلاع الثورات والحروب والفتن، التى قام بها أهل الإسكندرية ضد الأباطرة الرومان، وبعد أن أصبحت المسيحية هى الديانة الرسمية فى مصر تم تدمير الكثير من الآثار الوثنية القديمة فى أواخر القرن الرابع الميلادى، ومن أشهرها "معبد السربيوم" وهذا يعنى أن قبر الإسكندر الأكبر لن يتم اكتشافه إلا بمحط الصدفة البحتة.
وتابع الدكتور محمد حمزة، أما الأقوال الأخرى المتعلقة بموضوع قبر الإسكندر فبيس لها أساس علمى سواء كانت هذه الأقوال متعلقة بمواضيع فى مدينة الإسكندرية نفسها مثل "كوم الدكة أو مسجد النبى دانيال أو مقابر اللاتين بالشاطبى أو منطقة محطة الرمل"، حيث كان يوجد معبد القيصرون بشارع المسلة بمحطة الرمل.
وقال الدكتور محمد حمزة، أما المواقع الخاصة بدفن الإسكندر خارج مصر ينطبق عليها نفس الكلام، حيث إنه لا أساس علمى لها ومنها "صيدا بلبنان"، عندما اكتشف تابوت الإسكندر بها عام 1895 م، وهو محفوظ الآن بمتحف أسطنبول أو كريت أو فى شمال اليونان أو غير ذلك من الآراء التى لا تستند إلى أى دليل علمى، ويذكر المؤرخ اليونانى أقليوس تانيوس فى القرن الخامس الميلادى أن السيما أو السوما تقع عند تقاطع الشارعين الرئيسيين لمدينة الإسكندرية القديمة، وهما الشارع الطويلى والعربى ونقطة التقاطع هذه كما حددها محمود باشا الفلكى بعد دراسة استغرقت 10 سنوات من العمل المتواصل "1878 ـ 1888م" لمدينة الإسكندرية القديمة، والخريطة التى أعدها لذلك تقع فى المنطقة المعروفة الآن بشارع النبى دانيال وليس عند مسجد النبى دانيال، وعلى ذلك فإن قبر الإسكندر فى هذه المنطقة، ولما كان يصعب إجراء حفائر بها لطبيعتها العمرانية والديمخرافية فإن قبر الإسكندر لن يظهر إلى الوجود إلا بمحط الصدفة البحته، ربما يؤكد ذلك أن الآثار اليونانية الرومانية الشهيرة فى الإسكندرية لم تكشف إلا بمحط الصدفة، ومنها "المدرج الرومانى بكوم الدكة ومنها مقابر الكتاكومب بكوم الشقافة ومقبرة مصطفى كامل بالجبانة الشرقية ومنها مؤخرًا تابوت الإسكندرية.
وعن شكل الجبانات فى الإسكندرية حدثنا الفقيه الأثرى الدكتور محمد حمزة، موضحًا أن المقابر كانت فى جبانات الإسكندرية على نوعين الأول عبارة عن حفر منتظمة الشكل أو غير منتظمة الشكل تحفر فى الأرض أو تنحت فى الصخر وهو هذا النوع من المقابر البسيطة، وكان شائعا بين الطبقات الوسطى، أما النوع الثانى هو عبارة عن المقابر التى تبنى أو تنحت تحت سطح الأرض وكان على نمطين النمط الأول يعرف باسم المقابر ذات الفتاحات أو العيون سواء بجوار بعضها البعض أو مكونة من عدة طبقات يعلو بعضها بعضًا، والنمط الثانى هو المقابر على هيئة الأريكة وهذا النوع كان شائعا بين الطبقات العليا ونجد نماذج مثل هذه فى الشاطبى ومصطفى كامل، أما الكتاكومب "كوم الشقافة" فهى عبارة عن 3 طوابق منحوته فى الصخر أو محفورة فى الأرض وترجع إلى العصر الرومانى من القرن الأول إلى القرن الرابع الميلادى.
وحول مكان وجود قبر الإسكندر الأكبر، كشف الدكتور محمد حمزة أن الإسكندر توفى فى بابل عام "323 ق .م"، وتم دفنه فى تابوت ذهبى وعربة صنعت مخصوص حتى تنقله لبلاد اليونان، فلما وصل التابوت لبلاد الشام سارع بطليموس مؤسس دولة البطالمة فى مصر بجيشه لاستقبال التايوت طبقًا لنبؤة تؤكد أن البلد التى ستحتفظ بقبر الإسكندر ستعيش فى عز وسعادة ولن تموت، ونجح بطليموس فى إحضار التابوت فى مصر ودفنه فى جبانة منف "سقارة" حسب الطقوس المقدونية وظل التابوت فى شقارة لمدة عام، ثم تم نقله إلى الإسكندرية ودفنه فى مقبرة خاصة بالحى الملكى.
ووصف الدكتور محمد حمزة مقبرة الإسكندر الأكبر، قائلا: كانت تشمل سلم يؤدى إلى فناء مربع ثم ممر طويل يؤدى إلى القبر تحت سطح الأرض، كما تم بناء معبد بها تقام فيه طقوس على روحه، وبالقرب من هذه المقبرة أقيمت المقبرة الملكية لدفن أسرة البطالمة بدءًا من بطليموس الثانى الذى أقام اول مقبرة لوالده بطليموس الول وزوجته، وعرفت هذه المقبرة الملكية باسم "السوما أو السيما"، ظلت مقبرة اللإسكندر معروفة طوال العصر البطلمى حتى قيل أن الملكة كليوباترا كانت تعانى من ازمة مالية شديدة فجمعت كل كنوز الموجودة بمقبرة الإسكندر واستولت عليها، كذلك زار هذا القبر القياصرة الرومان، ومن المعلومات المهمة عن تابوت الإسكندر أن بطليموس الحادى عشر عام "80 ق . م" قد استبدل التابوت الذهبى للإسكندر بتابوت زجاجى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة