المكاسب التى يحققها منتخب روسيا لكرة القدم لم تكن متوقعة من قبل أكثر مشجعى "القياصرة تفاؤلا، حتى أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين نفسه، بدا واقعيا عند الحديث عن توقعاته لمنتخب بلاده، حيث أكد أن بلاده لم تحقق نتائج كبيرة فى المباريات الودية التى سبقت الحدث العالمى، مشددا على ضرورة تنشئة جيل جديد يمكنه تمثيل البلاد فى المستقبل.
إلا أن اللاعبين الروس فرضوا كلمتهم، حيث أنهم تمكنوا، ليس فقط من الصعود للدور الثانى قبل جولة كاملة من الدور الأول، إلا أنهم أصحاب أقوى هجوم فى البطولة، برصيد ثمانية أهداف فى مباراتين فقط إثر الفوز على السعودية بخمسة أهداف، بينما أحرزوا ثلاثة أهداف فى مرمى مصر، ولكن يبدو أن أهداف روسيا، خلال المونديال، لم تقتصر على كرة القدم.
ففى الوقت الذى تعيش فيه الجماهير الروسية حلما جميلا بنتائج منتخبهم المبهرة، يسجل بوتين هو الآخر أهدافا أخرى بطريقته الخاصة، ربما ليحقق استفادة دبلوماسية كبيرة من الحدث الرياضى الأهم الذى تستضيفه موسكو للمرة الأولى فى تاريخها، بينما يخسر الغرب رهانه على مقاطعة البطولة سياسيا، إثر الصدام بينهما على خلفية اتهام روسيا بمحاولة تسميم العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال، وابنته يوليا.
حملة مقاطعة.. محاولة لحرمان روسيا من استغلال الحدث
ولعل الحادث الذى استهدف المواطن الروسى كان دافعا وراء قيام بريطانيا وعدة دول غربية لسحب دبلوماسييهم من موسكو، كما لوحت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى بغياب الحضور الرسمى البريطانى عن المونديال، سواء على مستوى الوزراء أو أفراد العائلة المالكة، وهو التصريح الذى ربما يعكس رغبة بريطانية فى قيادة حملة مقاطعة رسمية، تشارك فيها على الأقل الدول الحليفة، وبالتالى حرمان روسيا من فرصة استغلال الحدث العالمى، وتحقيق أكبر قدر من الانفتاح على العالم.
ولم تتوقف محاولات الغرب لإفساد المونديال سياسيا على مجرد الدعوة التى أطلقتها ماى، وإنما امتدت كذلك إلى إثارة الحديث عن سقوط طائرة ركاب ماليزية على الأراضى الأوكرانية، حيث أصدرت لجنة تحقيق هولندية تقريرا لها قبل أسابيع من انطلاق المونديال ليلقى باللوم على موسكو فى إسقاطها، وهو ما أثار تساؤلات عدة حول مدى إمكانية نجاح الحدث الرياضى فى غياب الدعم الدولى.
نشاط دبلوماسى كبير في موسكو
إلا أن المحاولات الغربية ربما سقطت منذ انطلاق حفل افتتاح المونديال، والذى شارك فيه بوتين، بحضور صاحب السمو الملكى، الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، بينما توافد العديد من الشخصيات الدولية البارزة إلى موسكو، فى زيارات طغى فيها المونديال، وإن كانت لم تفقد طابعها الرسمى، ومن أبرزهم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، والذى حضر مباراة البرتغال والمغرب، وكذلك رئيس كوريا الجنوبية مون جاى إن، والذى يزور روسيا اليوم للقاء بوتين، ولحضور مباراة كوريا الجنوبية أمام المكسيك.
الزيارات الرسمية التى شهدتها روسيا، تزامنا مع المونديال، ربما كان هدفا دبلوماسيا، سجله بوتين فى شباك الغرب، حيث كانت تلك الزيارات بمثابة رسالة واضحة مفادها أن موسكو أصبحت بمثابة القوى الدولية الأبرز فى العديد من الملفات على المستوى الدولى، خاصة إذا ما نظرنا للنتائج الكبيرة التي تحققت خلال تلك الزيارات، سواء من خلال التنسيق بين روسيا والسعودية لضبط سوق النفط العالمى قبيل اجتماع "الأوبك"، أو التنسيق مع زعيم كوريا الجنوبية، والذى يمثل حليفا للغرب، حول أخر التطورات فى قضية كوريا الشمالية.
دبلوماسية الرياضة وسيلة بوتين لاستعادة نفوذ روسيا
ويبدو أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين من أشد المقتنعين بأهمية الأحداث الرياضية التى تستضيفها بلاده، لتحقيق نجاحاته الدبلوماسية، وهو الأمر الذى بدا واضحا فى عام 2014، عندما استضافت روسيا أولمبياد "سوتشى"، حيث كانت فرصة مهمة لموسكو حتى تضع نفسها القوى الواثقة القادرة على العودة إلى الساحة الدولية، إلا أن التطورات السياسية التى تلت قيام الحكومة الروسية بضم شبه جزيرة القرم، فتحت الباب من جديد أمام الغرب لفرض عقوبات جديدة عليها وحصارها.
يقول الباحث ميشال رومانوسكى، الخبير فى الشئون الأوراسية، فى مقال منشور له بصحيفة "مورنينج بوست"، إن استضافة الأحداث الرياضية فى ذاتها أحد الأهداف التى يسعى إليها الرئيس بوتين، خاصة وأن المعايير التى تتبناها المنظمات الحاكمة للألعاب الرياضية، سواء كانت الفيفا أو اللجنة الأولمبية الدولية، تضع معاييرا لاختيار البلدان المنظمة للبطولات الكبرى، وبالتالى فإن نجاح روسيا فى الفوز بتنظيم هذه المناسبات الرياضية فى ذاته يمثل نجاحا سياسيا يعكس قدرة روسيا لمناطحة القوى الدولية الكبرى، سواء الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبى، فى مختلف المجالات، وبالتالى استعادة نفوذها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة