فى فترات زمنية سابقة لم تكن بعيدة، كان المعلنون يتسابقون على نشر أو بث إعلاناتهم فى القنوات الفضائية أو الصحف أو حتى المواقع الإليكترونية للصحف المصرية المعروف عنها أنها الأكثر مشاهدة والأكثر جذبا للمشاهدين والقراء، وكانت الشركة المعلنة تعرف جيدا أين تضع إعلاناتها وهى من تختار ذلك وترتضيه، ولكن الأمر تغير كثيرا الآن.
تبدل المعايير
لقد بدل الفضاء الإليكترونى الكثير من المعايير التى كنا نراها ثوابت، فلم يعد المعلن مهما كبر حجمه يعرف أين تبث إعلاناته عبر الإنترنت لأنه فضل أن يدفع أكثر ويشاهده جمهور أكبر، حتى لو تحول إلى ممول وداعم لوسائل إعلام الإرهاب دون أن يشعر.
هذا هو الحال الآن، الكثير من المعلنين توجهوا للإعلان عبر السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعى بمختلف أشكالها، من فيس بوك، وجوجل، ويوتيوب، بمبلغ يدفعه لهذه الشركات الأجنبية بـ"الدولار" يحصل على بث مبرمج لإعلاناته دون أن يدرى أن يشاهدها الجمهور، وليس له الخيار من الأساس، هو فقط يحدد نوع الجمهور المستهدف من الإعلان والذى يرغب فى إيصال منتجه إليهم، سواء فئة عمرية أو نوع، أو منطقة جغرافية، أو جنسية، والذكاء الاصطناعى يقوم بمهمته على أكمل وجه.
ما يحدث هو أن هذا الذكاء الاصطناعى يوجه الإعلانات للبث عبر الفيديوهات التى تجد مشاهدة مرتفعة بين الجمهور المستهدف، من خلال "التحليل السلوكى" للجمهور وهو المنهج الذى تتبعه هذه الشركات عبر تكنولوجيا تحليل الـBig data أو ما يمكن أن نطلق عليه البيانات الضخمة، وهى ببساطة حصيلة المعلومات التى تجمعها شركات السوشيال ميديا والشركات العاملة فى مجال التكنولوجيا عن مستخدميها، ويمكن شرح ذلك بمثال بسيط للغاية.
مثال حي لعمل الذكاء الاصطناعى
إذا كنت معتادا على الاستيقاظ فى ميعاد محدد وليكن فى السادسة صباحا للحاق بموعد عملك، فمن المعتاد لديه أن تضبط منبه هاتفك الجوال على الموعد يوميا، ولأن الهاتف متصل دائما بالإنترنت، فيعمل الذكاء الاصطناعى على تسجيل هذه المعلومة بصورة تلقائية وتخزن لدى قاعدة البيانات الضخمة لشركة آبل إذا كان جوالك من نوع الآى فون على سبيل المثال، وأنت فى طريقك إلى العمل تستخدم خرائط جوجل لتحديد أفضل طريق للسير، وتستخدم أيضا فى كثير من الأحيان خدمة الطقس من جوجل قبل النزول من المنزل لتعرف ماذا سترتدى اليوم، وقد تكون من عشان الرياضة فتصبح دائم البحث عن الأخبار الرياضية على الإنترنت.
ما سبق ما هى إلا عادات يومية لا تعدو أن تكون مجرد خطوات تلقائية تستخدم فيها التكنولوجيا، ولكنها تشكل قاعدة بيانات ضخمة وهائلة تجمع ملايين المستخدمين حول العالم، فيمكن لشركة أبل أن تعرف كم شخصا يستيقظ فى السادسة صباحا، ويمكن لجوجل أن تعرف كم شخصا يمر من هذا الطريق كل صباح عبر خدمة الخرائط، هذه البيانات الضخمة تقوم الشركات التكنولوجية بتحليلها وتكوين صورة واضحة لاتجاهات وسلوك المستخدمين، وهو ما يمكنها من الوصول إلى أى جمهور مستهدف لأى منتج او خدمة بشكل أسهر كثيرا.
لأجل هذه الميزات التكنولوجية التى أتاحها الذكاء الاصطناعى، أصبحت وجهة المعلنين نحو الإعلان عبر السوشيال ميديا هى الأسهل والأقل تكلفة، ولكن فى المقابل لا تتيح هذه المميزات الكبيرة أى اختيار للمعلن للموقع أو الفيديو الذى سيبث إعلانه من خلاله، وهو ما يجعل هذا الإعلان عرضه للبث فى أى مكان، وقد يكون هذا المكان هو قنوات أو فيديوهات تدعم الإرهاب فى قطر وتركيا.
داعمين للارهاب دون دراية
لقد حول الذكاء الاصطناعى شركات مصرية كبيرة إلى ممولين لقنوات الإرهاب دون أن تدرى، وهو ما يتطلب إحداث تحول كبير فى سياسات الإعلان بمصر بمعنى أن يكون هناك صيغة توافقية بين وسائل الإعلام ووكالات الإعلان والشركات المعلنة على طرق جديدة للوصول إلى الجمهور المستهدف من خلال الميزات والمعلومات الهائلة التى يتيحها الإنترنت مجانا بتحليل سلوك هذا الجمهور، حتى لا يصبح كل من المعلنين ووسائل الإعلام المحلية التى تفقد أحد أهم مواردها وهو حصيلة الإعلانات المباشرة من المعلن، فريسة يتلهما شركات السوشيال ميديا كل يوم، هنا الجميع خاسرون، والرابح الوحيد هو قنوات الإرهاب وشركات السوشيال الأجنبية التى تمتلئ خزائنها بالدولارات من هذه الإعلانات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة