الترجمة مهنة تجعلك وسيطا بين عالمين مسئولا عن كل معلومة تنتقل من طرف لأخر، مسئولية كبيرة تزداد بشدة عندما تكون مترجما فى لقاء مهم بين قادة سياسيين.. تخيل مقدار الضغط الواقع على المترجمين فى لقاء مثل قمة ترامب وكيم كونج أون فى سنغافورة.
والأزمة بين البلدين وضعت المترجمين فى مأزق أكثر من مرة وهم يحتارون فى إيجاد معنى للشتائم والعبارات الساخرة التى يلقيها ترامب وزعيم كوريا الشمالية فى وجه الآخر.. وقالت مجلة التايم، نحن لا نعرف مستوى لغة كيم كونج أون فى الإنجليزية حيث لم يتحدث بها أمام الصحفيين بينما المترجمين الذين يتابعون خطابات ترامب كانوا أبدوا ضيقهم من صعوبة ترجمة عبارات الرئيس الأمريكى أكثر من مرة والسبب أن عباراته غالبا ما تكون متقطعة وغير مترابطة كذلك تضم كلمات فى مستوى رجل الشارع وليست مصطلحات سياسية لها تعريفات منضبطة.
"تاريخ من الضغط العصبى".. عبارة تصف متاعب المترجمين فى كل مرة يكون فيها لقاء قمة ينتظره العالم كهذا، ويكفى النظر لبعض المواقف التى حدثت فى الماضى لمعرفة هذا الضغط.
- الترجمة حادة
بوش الأب فى السلفادور
فى عام 1983 كان جورج بوش الأب فى منصب نائب الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، وذهب فى زيارة سرية للسلفادور ووقتها كانت الدولة اللاتينية فى حرب أهلية، وكان برفقته ستيفانى فان رينسبرج التى قادت قسم الترجمة فى الخارجية الأمريكية وكانت متخصصة فى الإسبانية، وكانت الرحلة على متن مروحية "بلاك هوك" فى منطقة جبلية.
ولم يعلم بالزيارة سوى عدد قليل من المسئولين الأمريكيين حيث كان يفترض ببوش أن يسلم تحذيرا لقادة عسكريين بالحكومة السلفادورية بأن أمريكا غير راضية عن فرق الإعدام التابعة للحكومة، ولكن كاد اللقاء يتعقد بسبب غضب السلفادوريين من وجود مترجمة امرأة توجه لهم التحذيرات بهذه اللهجة الشديدة.
وبعد اللقاء قال بوش ضاحكا للمترجمة "يا للهول كدت أتسبب فى قتلنا أليس كذلك؟".
- ريجان المحرج
ريجان فى اجتماع البيت الأبيض
فى 1987 كانت هناك مفاوضات بين أمريكا والاتحاد السوفيتى وكان اللقاء فى البيت الأبيض بين رونالد ريجان وزعيم الاتحاد السوفيتى ميخائيل جورباتشوف لإنهاء الحرب الباردة.. وخلال اللقاء قال ريجان عبارته الشهيرة "اليوم نشهد زيارة تاريخية هى الأهم فى التاريخ لأنها تمثل تقارب طرفين ليسا حلفاء ولكن خصمين".
وتسبب هذا فى حرج لدى المترجمين الأمريكان والسوفيت، حيث قال أحدهم وهو ديميترى زاريشناك إن المترجمين كانوا فى حيرة وحرج لأن كلمة خصوم بالإنجليزية adversaries تقترب فى الاستخدام من كلمة protivniki الروسية وهى بمعنى "قذر أو مقرف".. عندها لجأ المترجم لاستخدام كلمة "متنافسين" وهز جورباتشوف رأسه راضيا فمر اللقاء على خير.
- غلطة العمر
جورج بوش الأب وجورباتشوف
فى عام 1990 كانت هناك محادثات بين الرئيس الأمريكى وقتها جورج بوش الأب، وبين زعيم الاتحاد السوفيتى ميخائيل جورباتشوف وكانت تتركز على معاهدة السيطرة على أسلحة الدمار الشامل، وخلال المحادثات ارتكب المترجم السوفيتى إيجور كورشيلوف خطأ فادح عندما استخدم كلمة verifying بالإنجليزية بدلا من verified فأصبح المعنى هو "يتأكد" أو "يضمن" بزمن المضارع بدلا من الماضى.. عندها أوقف جورباتشوف الحديث وقال "لا أنا لم أقل هذا أبدا". العبارة بمعناها فى زمن المضارع كانت تعنى السماح لطائرات أمريكية أن تفتش فى الأراضى السوفيتية للتأكد من الالتزام ببنود الاتفاق.
الغلطة سجلها كورشيلوف فى مذكراته حيث كان يقول "كان هذا أكبر خطأ فى حياتى وتمنيت لو تنشق الأرض وتبتلعنى فى هذه اللحظة وسوف أظل نادما على هذا طيلة العمر".
- السياسة فى الكلمات
مادلين أولبرايت فى كوريا الشمالية
فى أكتوبر 2000 كانت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، تزور كوريا الشمالية لمحادثة مع كيم كونج إيل، الزعيم الكورى الراحل ووالد الزعيم الحالى، وكان برفقتها مترجمها المقرب منها تونج كيم الذى كان يسير خلفها.
ويروي المترجم بحسب موقع NPR إنه كان فى أهم لقاء بحياته وكانت أولبرايت تحاول إقناع كوريا الشمالية بالتخلى عن البرنامج النووى، ومن أجل التحضير للقاء ظل المترجم تونج كيم يقرأ عشرات الوثائق الكورية لمعرفة المصطلحات التي يمكن لبيونج يانج استخدامها كذلك ظل يتدرب على استخدام اللهجة الكورية الشمالية بدلا من لهجته الأصلية الجنوبية، حيث قال "فى البداية كنت أبدو وكأننى من كوريا الجنوبية.. وفى بيونج يانج بدوا غاضبين من هذا فحسنت لهجتى فى اللقاء مع أولبرايت لعلمى بأهميته لأن اللقاء كان إذا نجح يمكن أن يمهد الطريق لزيارة بيل كلينتون إلى كوريا الشمالية.. ولكن فى كل الأحوال انهارت المحادثات مع ترك كلينتون المنصب وتولى جورج بوش الابن للرئاسة".
- لقاء كيم وترامب
المروحة الهدية
اللقاء بين دونالد ترامب وكيم كونج أون، ربما جاء بنزعة درامية حتى وقت التحضيرات نفسها ولكن ما حدث للصحفيين والمترجمين فيه كان ضغطا عصبيا من نوع آخر، فبحسب موقع "ماشابل" فأن الضغط لم يكن بسبب الترجمة ذاتها لأن اللقاء تم بشكل ودى للغاية، بل المشكلة كانت بسبب الهدايا، وذلك لأن كوريا الشمالية قدمت للصحفيين هدية عبارة عن مروحة USB يمكن تركيبها فى الهاتف أو الكومبيوتر لتوفير الهواء، لكن الصحفيين والمترجمين خاصة الأمريكيين ظلوا يتعاملون معها بقلق خوفا من أن تكون أجهزة تجسس متخفية فى شكل هدية بريئة.
وبلغ الحال بالصحفى بارتون جيلمان مراسل واشنطن بوست، أن ينشر سلسلة تغريدات يحذر فيها زملائه من استخدام المروحة مهما بلغ ارتفاع درجات الحرارة سواء فى الاجتماع بسنغافورة أو عند العودة لأمريكا وذلك حتى تتمكن الاستخبارات الأمريكية من فحص هذه الأجهزة والتأكد من عدم وجود أى خطر بها، وقال أيضا "يفضل ألا تحتفظوا بها.. ارموها فى أقرب سلة قمامة أو ابعثوا بها لخبير أمنى تكنولوجى أو تبرعوا بها لأطفال المدارس حتى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة