مازال تاريخ مصر حافلا بالبطولات التى قدمها أبناؤها المخلصون فى سبيل الحفاظ على كل حبة رمل فى ترابها، ولقد شهدت حقبة السبعينيات من القرن الماضى، قصصا لأبطال مازال بعضهم مجهول فى حرب الاستنزاف ثم نصر أكتوبر العظيم، ومازال التاريخ يكشف عن نفسه ويسطر حكايات أبطال مصر العظام.
وكرم الرئيس عبد الفتاح السيسى، عدد من هؤلاء الأبطال خلال الاحتفال بعيد تحرير سيناء، وكان من ضمنهم النقيب أحمد إدريس مخترع "الشفرة النوبية" التى كان لها دور كبير فى تحقيق نصر أكتوبر وتحرير سيناء، وخاصة فى فترة حرب الاستنزاف.
اليوم السابع التقى بالبطل أحمد إدريس ليروى ذكرياته عن تلك الحقبة، وما هى "الشفرة النوبية" وكيف كان لها دور فى تحقيق النصر.
أولا.. من هو النقيب أحمد إدريس؟؟
أنا مصرى من أهل النوبة تطوعت للعمل فى الجيش المصرى، شاركت فى كل الحروب المصرية، حيث شاركت فى حرب اليمن 1956، وحرب الاستنزاف 1971، حرب أكتوبر 1973، وقضيت 40 عاما من عمرى فى خدمة الجيش المصرى من 1954 إلى 1994، وأعرف صحراء سيناء شبر شبر.
فسر لنا ما هى فكرة "الشفرة النوبية"؟ ولماذا كانت هامة فى فترة حرب الاستنزاف؟
"الشفرة النوبية" هى استخدام اللغة النوبية فى إرسال واستقبال الإشارات بدلا من الشفرة العادية، وكان لها دور مهم فى حرب الاستنزاف لاخفاء تحركات الجيش المصرى فى سيناء، وجاءتنى الفكرة عندما وجدت أن جميع تحركات الجيش المصرى بسيناء يرصدها العدو الإسرائيلى من خلال فك رموز الشفرة العادية، وبناء على ذلك تم تنظيم مؤتمر للقيادات لبحث حل مشكلة فك الشفرة العادية من العدو، وكنت وقتها أعمل شاويش تحت قيادة رئيس الأركان، وسمعتهم يتحدثون عن مشكلة الإشارات التى يعرفها العدو، فوجدنى رئيس الأركان اضحك عندما سمعتهم يتحدثون عنها كمشكلة كبيرة، فقال لى رئيس الأركان فى ذلك الوقت أنت تضحك، فقلت له "الحل بسيط واستخدام "اللغة النوبية" التى يجهلها العدو، فالإرسال والاستقبال نوبى وليس لها حروف فلن يستطيع العدو فك الشفرة بالحروف المعتادة.
كيف وصلت الفكرة إلى الرئيس السادات ؟
وصلت من خلال رئيس الاركان وقائد الجيش الذين تحدثت معهم، وفوجئت فى اليوم التالى، باستدعائى لمقابلة الرئيس السادات، ولكن "مكلبش بالحديد" واصطحبونى إلى قصر الاتحادية بمصر الجديدة، ومنه إلى الجيزة إلى منزل الرئيس، وقالو لى "الأوامر كدا"، ولم أكن أعلم سبب لقائى بالرئيس فى ذلك الوقت، حيث لم يخبرنى أحد عن سبب اللقاء أو سبب اصطحابى لمقابلة الرئيس، ولم يخطر على فكرى أن يكون السبب هو استخدام الشفرة النوبية، بل اعتقدت أنه تم إلقاء القبض على واتهامى بالجاسوسية، وكانت تلك هى المرة الاولى التى التقى بها برئيس الجمهورية وانتظرت ساعة ونصف يعتصرنى القلق ولم أكن أعرف سبب اللقاء.
احكى لنا ذكرياتك عن هذا اللقاء المهم مع الرئيس السادات
دخل على الرئيس السادات يحمل عصاتة بيده اليمنى ويدخن "البايب" الشهير، وقدمت له التحية العسكرية، ثم وضع يده على كتفى وطلب منى الجلوس، وجلس بجوارى يتحدث معى لمدة 45 دقيقة عن حياتى وزواجى وأولادى وذلك لكسر الخوف والرهبة التى كنت أشعر بها من اللقاء، بعد أن اعتصرنى القلق لمدة ساعة ونصف كنت أنتظر فيها لحين انتهاء الرئيس من عقد إجتماع مع قيادات الجيش.
وكيف كان رده على فكرة الشفرة النوبية ؟
سألنى السادات: "إية قصة الشفرة النوبية"، خاصة أن الرئيس السادات كان يعمل فى سلاح الإشارة بالجيش المصرى، فعرضت علية الفكرة بإرسال الشفرة واستقبالها باللغة النوبية ثم ترجمتها باللغة العربية وفور سماعه الفكرة ضحك الرئيس السادات بشكل هستيرى، فما كان منى إلا أن وقفت من شدة خوفى، وكان السادات سعيد بالفكرة لدرجة أنه كان يتأرجح بالكرسى وبشكل لا إرادى قمت بالإمساك بالكرسى خوفا من أن يسقط، ومن خوفى سألته :" هل قلت حاجة غلط قال لى “لا"، ثم قام بإشعال “البايب" وقالى لى "خلاص هامشى كلامك" وطلب منى أن أحفظ السر، فكان سر الشفرة النوبية لا يعرفه إلا 5 أشخاص فقط منهم أنا والرئيس السادات، ولذلك تم اصطحابى" مكلبش بالحديد" للحفاظ على سرية السبب الحقيقى للقاء.
كيف تم تطبيق فكرة "الشفرة النوبية"؟..وكيف نجحت فى تضليل العدو ؟
بعد لقاء الرئيس حصلت على إجازة وبعد إنتهاء الاجازة وجدت خطاب رسمى من الجيش باستدعائى، إلى قيادة الجيش ووجدت بإنتظارى 344 فرد جيش من النوبيين، يعملون فى سلاح الأشارة بسيناء، لتنفيذ فكرة "الشفرة النوبية" يستخدمون لغتين من النوبة 172 فرد يتحدثون لغة “فاتيكا “و172 آخرين يتحدثون لغة "كانزى" النوبية، وتم تدريب الافراد على أجهزة الإرسال والاستقبال وكنا نخرج بالقرب من خطوط العدو داخل المعسكرات نرتدى الجلباب النوبى ولا نحمل سلاح ولا يرانا العدو، فكنا نحصل على كافة المعلومات المطلوبة وحصر عدد مركبات العدو بسيناء وإرسالها بالشفرة النوبية، واستمريت بهذا العمل من 1971 وحتى 5 أكتوبر 1973 قبل الحرب بيوم واحد حيث تم سحب الفريق من المنطقة، وتم توزيعنا على تشكيلات الجيش المصرى فى الحرب.
أخيرا.. ما شعورك عندما تم تكريمك من الرئيس السيسى وحصولك على نجمة سيناء ؟
كنت فى سعادة غامرة خاصة حينما توجه لى الرئيس لتكريمى، أن تكريمى من الرئيس السيسى بعد 47 عاما كان عرسا آخر، فلقد حصلت على نجمة سيناء العسكرية أعلى وسام شرف فى الجيش المصرى، وفى لحظة السعادة قلت للرئيس السيسى "حفظت السر ياريس لمدة 40 عاما "، فكان رد الرئيس السيسى لى "وأنا كمان هاكفأك".
خلال إجراء الحوار
جانب من الحوار
حوار مخترع الشفرة النوبية لـ"اليوم السابع"
جانب من التكريم بالمكتبة
مخترع الشفرة النوبية
النقيب أحمد إدريس الحاصل على نجمة سيناء
مشاركة أحمد إدريس فى حفل مكتبة الإسكندرية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة