فى الوقت الذى تتخذ فيه السياسة الخارجية الألمانية موقفًا داعمًا لإسرائيل، مع استمرار دفع السلطات الألمانية تعويضات على جرائم النازيين ضد يهود أوروبا، بدأت الصحف الألمانية فى اتخاذ موقف مغاير نسبيًا، وأفردت ثلاث صحف ألمانية الأسبوع الجارى مساحات فى صفحاتها للهجوم على الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، معتبرة أن الاحتلال الراهن للضفة الغربية وقطاع غزة جزء من العقيدة الصهيونية العنصرية.
من جهة أخرى اهتمت صحف "بى إى زيتونج" التابعة للحزب الديمقراطى الألمانى، و"tachle" التى تصدر فى سويسرا أيضًا، وجريدة "woz" بكتاب "مملكة الزيتون والرماد.. خمسون عامًا من الاحتلال" والذى يفضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية، وشارك فى تأليفه 26 كاتبًا عالميًا، 23 منهم من دول غير عربية فى مقدمتهم ماريو ڤارغاس يوسا صاحب جائزة نوبل للآداب، والقاصة الفلسطينية فدى جريس، وصدر فى 12 لغة.
الصحف الثلاثة التقت بالفلسطينية فدى جريس خلال جولة جريس الأوروبية لإطلاق الترجمتين الألمانية والفرنسية من كتاب "مملكة الزيتون والرماد"، فى مدن جنيف وزيورخ بسويسرا وبريمن بألمانيا، التى جرت الأسبوع الماضى ولاقت ترحيبًا كبيرًا من الجمهور، وانطلقت الجولة فى أكبر المدن السويسرية زيورخ على مسرح ملتقى "كوزموس" لإطلاق الترجمة الألمانية التى صدرت عن دار "كيبنهيور وويتش" بمشاركة الناشطة السياسية دانا جولان، إحدى قيادات منظمة "كسر الصمت"، وبعدها لإطلاق الترجمة الفرنسية التى صدرت عن دار "لافونت"، فى مدينة جنييف، فى مقر معهد الثقافات العربية والمتوسطية بسويسرا، واختتمت فى مقر مؤسسة "العتبة" لنشر السلام، بمدينة بريمن الألمانية.
وبينت الصحف الألمانية أن الكتاب يجمع 26 نصًّا من أدباء وأديبات دوليّين وفلسطينيّين وإسرائيلى واحد، شاركوا خلال عام 2016 فى مشروع مناهض للاحتلال شمل جولات بالضفة الغربيّة وغزة للتعرّف عن كثب على ما يعنيه الاحتلال الإسرائيليّ، وكيف ينعكس على أرض الواقع وحياة الناس وتفاصيلها اليوميّة.
وينبرى المشاركون فى الكتاب لنقل حقيقة جرائم إسرائيل وتصوير ممارسات الاحتلال، ناقلين بلغة أدبية وعبر جماليات التشكيل اللغوى وتقنيات السرد، الواقع الأليم والصور الغاضبة بأقلام واعية وضمير حى، وتذهب المشاركات فى الكتاب إلى رصد قصص العديد من الفلسطينيين الذين يكافحون لتحقيق طموحاتهم وآمالهم مع استمرار القيود أو الإهانات التى تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلى.
فى سياق تجربة العمل المشترك بين كتّاب محليين فلسطينيين وأولئك الذين زاروا الأراضى المحتلة من مختلف دول العالم لمعاينة الأوضاع وكتابة انطباعاتهم، قالت مؤلفة "القفص": أعتقد أن هذا أعطى تأكيدًا وشرعية من كل طرف لما قاله الطرف الآخر، فالتقاطع بين خلاصة التجربة المحلية وبين انطباعات أناس رأوا ذلك لأول مرة فى حياتهم، أكد على صحة ما كُتب، وأثبتت قصصنا المحلية أن كلماتهم كانت دقيقة، لكن قصصهم كانت تؤكد أيضًا ما نقوله! معظم هؤلاء كانوا غير متحيزين تمامًا؛ جاءوا لكتابة انطباعاتهم الخاصة، لم تكن هناك مبادئ توجيهية لما يكتب عنه ولم يتلقوا أى أموال للكتابة، كانوا هناك فقط للاستكشاف، وكانت هناك قصص أظهرت كيف غيّر الناس رأيهم، فى بعض الأحيان، كمقال ماريو فارغاس يوسا المثير للغاية لأنه يُظهر أنه دافع بشغف عن إسرائيل طوال معظم حياته، إلى أن أتى إلى الضفة الغربية فى سلسلة من الزيارات جعلته يرى حقيقة الاحتلال.
وأوضحت جريس أن نصف عائدات الكتاب من المقرر أن تذهب إلى منظمة فلسطينية هى "شباب ضد الاستيطان" التى تعمل على المقاومة السلمية للاحتلال فى مدينة الخليل، مشددة على التأكد الدقيق والمراجعة الحثيثة لكل المعلومات المذكورة فى الكتاب والتى رافقت وتلت عملية الكتابة.
وعبرت جريس عن أحد أهم ميزات الكتاب بالنسبة لها وهى الوصول إلى الجمهور اليهودى، فقد شعرت بقوة خاصة عندما ساعدت فى الترويج للكتاب فى الولايات المتحدة الأمريكية، "ألقيت خطابين أمام مئات من الأميركيين اليهود، وكان الرد ساحقاً: توجه الناس إلى وشكرونى وقالوا إنهم لا يعرفون شيئاً عن الوضع، إن الدعم الذى تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة له علاقة كبيرة بحقيقة أنهم لا يعرفون إلا رواية جانب واحد ولا يعرفون أى شىء عن الجانب الآخر، أعتقد أن هذا هو سبب أهمية هذا العمل. حتى لو كان بإمكانك فقط تغيير رأى شخص واحد بمرور الوقت، فسيصبح من الممكن حفر ثغرات فى جدار الدعم هذا. البعض لم يعرف حتى أن الفلسطينيين يعيشون فى إسرائيل على الإطلاق - حتى الآن، فى يومنا هذا. قد يكون هذا محبطًا بعض الشىء، لكن هذا الكتاب هو أداة لفتح بصيرة الناس وتمكين هذا النقاش فى المقام الأول".
وتؤكد جريس أن الاحتلال الإسرائيلى الراهن للمناطق الفلسطينية ما هو إلا جزء من العقيدة الصهيونية العنصرية وامتداد لها، فإسرائيل تمارس العنصرية ضد الفلسطينيين أينما وجدوا، إنما بأساليب مختلفة، والحل الجذرى للمسألة يتطلب تفكيك الكيان العنصرى وإقامة دولة واحدة علمانية تتضمن حق العودة وعدم التمييز على أساس الدين أو الجنس، و"إن كنا نقطن داخل الخط الأخضر أو خارجه، فإننا نعيش كل لحظة فى هذه البلاد ونحن ندفع ثمن عدم كوننا يهودا"!
وتستعد القاصة فدى جريس خلال الفترة المقبلة، لإطلاق مجموعتها القصصية الثالثة باللغة العربية بعنوان "القفص"، وأصدرت من قبل مجموعتين قصصيتين "الخواجا" و"حياتنا الصغيرة"، ولها بالإنجليزية قيد الإصدار "46 pounds"، كما تحصلت الباحثة السويسرية ليونور غارسيا على درجة الماجستير من جامعة جنيف عن موضوع الزمكانية فى كتابات جريس.
جريس، التى انتقلت إلى رام الله منذ سنوات هرباً من المأساة الكبرى داخل الخط الأخضر، سبق أن لاقَت مُشاركتها بالكِتاب رواجاً عالميّا، فهى المقالة الوحيدة فى الكتاب التى نُشرت فى عدد كبير من الصحف العالمية وبلغات عدّة، مثل "لندن ريفيو أوف بوكس" البريطانية، ودَورية "بوبليكو" الإسبانية، ومجلّة "أورينت" الفرنسية، و"ديرشبيغل" الألمانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة